ماذا وراء الاستنفار المصري لاحتواء مسيرات العودة؟

13 مايو 2018
الاحتلال يخشى هبّة شعبية جديدة (العربي الجديد)
+ الخط -
فجأة، وبعد زيارة خاطفة قام بها، الخميس الماضي، المبعوث الأميركي جيسون غرينبلات، للقاهرة، شرع نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في تحركات دبلوماسية وإجراءات عملية، تهدف إلى احتواء "مسيرة العودة الكبرى"، قبل نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، ووصول الحراك إلى ذروته.

فبعد أن اجتمع مع مدير المخابرات العامة المصرية عباس كامل، مساء الخميس الماضي، كتب غرينبلات على حسابه في "تويتر"، أنّه ناقش مع كامل "تقديم مساعدات عاجلة للتخفيف عن الواقع الإنساني في قطاع غزة".


وبعد أن نشر غرينبلات تغريدته، أعلنت مصر، وبدون سابق إنذار، عن فتح معبر رفح البري مع قطاع غزة، لمدة أربعة أيام، من السبت إلى الثلاثاء، حيث كان من الواضح أنّ التنفيس المفاجئ يهدف إلى إضفاء صدقية على وعد غرينبلات.

كما أنّ إشغال قطاع واسع من الجمهور الذي تتعلّق مصالحه بفتح المعبر، يرمي إلى التأثير سلباً على دافعية الفلسطينيين للمشاركة في المظاهرات الضخمة التي سشهدها منطقة الحدود مع إسرائيل، يومي الإثنين والثلاثاء.

ومن المنتظر، غداً الإثنين، خروج تظاهرات فلسطينية، في الضفة الغربية المحتلة وغزة، في "يوم الغضب الفلسطيني"، تزامناً مع تنظيم حفل نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، بينما تصادف الذكرى السبعين للنكبة الفلسطينية منتصف مايو/أيار.

لكن الأمور لم تقف عند هذا الحد، بل إنّ قيادة المخابرات المصرية سارعت إلى دعوة قيادة حركة "حماس" في غزة، للقاء عاجل في القاهرة، من أجل التباحث حول عروض بشأن مستقبل حصار القطاع.

وفي الوقت ذاته، ذكرت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية، أنّ مصر ستنقل عروضاً إسرائيلية إلى حركة "حماس" بهدف إقناعها باحتواء حراك "مسيرة العودة".

ومن الواضح أنّ حرص كل من واشنطن وتل أبيب ونظام السيسي، على التحرّك على هذا النحو، يعكس عمق المخاوف الأميركية والإسرائيلية، من أن يفضي تعاظم نشاطات حراك "مسيرة العودة"، وتحديداً غداً الإثنين، موعد نقل السفارة الأميركية للقدس، إلى حدوث تحوّل فارق على الصعيدين الأمني والسياسي.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف سيتمكّن نظام السيسي من جسر الهوة الشاسعة بين موقفي حركة "حماس" وإسرائيل بشأن مستقبل الحصار؟ فحركة "حماس" تصر على أنّ حراك "مسيرة العودة"، يجب أن يفضي إلى رفع الحصار عن القطاع بشكل كامل؛ في حين أن وزير الحرب الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان جدد، قبل أسبوع، أنّ رفع الحصار "سيكون مرهوناً بموافقة حماس على نزع سلاحها"، مع العلم أنّ هذا لا يعد موقفاً خاصاً بليبرمان فقط.

فبحسب ما كشفه ثلاثة من كبار المعلقين في قناة التلفزة الإسرائيلية العاشرة، الجمعة الماضي، فإن المستوى السياسي في إسرائيل غير معني برفع الحصار عن قطاع غزة، حتى بثمن التوصل إلى هدنة طويلة الأمد.


وبغض النظر عن الكيفية التي سيسوق بها نظام السيسي الموقف الإسرائيلي، فإنّ التجربة تدل بشكل واضح وصريح، على أنّ إسرائيل لم تحترم بالمطلق الاتفاقات التي توصّلت إليها مع حركة "حماس" برعاية مصر وضمانتها.

فعلى سبيل المثال، أقدمت إسرائيل على اعتقال معظم الأسرى الفلسطينيين الذين أطلق سراحهم في الضفة الغربية المحتلة، ضمن صفقة تبادل الأسرى التي رعتها القاهرة عام 2011.


وعلى الرغم من أنّ "حماس" طالبتها بالتدخل لإطلاق سراح المعتقلين، إلا أنّ مصر لم تحرّك ساكناً، كما لم يؤثر السلوك الإسرائيلي على علاقتها بتل أبيب.

وإذا تم الأخذ بعين الاعتبار، طابع الشراكة الاستراتيجية التي تربط نظام السيسي بحكومة اليمين المتطرف في تل أبيب، والتي تشير وسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية إلى الكثير من مظاهرها، وحالة العداء الذي ينظر بها نظام السيسي لحركة "حماس"، فإنّ من غير المستبعد أن تعمد مصر إلى توفير بيئة تسمح باحتواء حراك "مسيرة العودة"، من خلال تقديم عروض لـ"حماس" تستجيب لمطالبها، من دون أن تضمن القاهرة في النهاية تنفيذها.

ومن الواضح أنّ استنفار نظام السيسي لاحتواء حراك "مسيرة العودة" يأتي لإدراكه طابع المخاوف الإسرائيلية والأميركية، من الطاقة الكامنة التي يحملها هذا الحراك.

وتجاهر قيادات أمنية إسرائيلية بقلقها، من أن يفضي تزامن نقل السفارة الأميركية إلى القدس مع سقوط عدد كبير من القتلى أثناء اندفاع الجماهير الفلسطينية، غداً الإثنين، نحو الجدار الحدودي الذي يعزل القطاع عن إسرائيل، إلى تفجر الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية المحتلة والقدس، بشكل غير مسبوق.

ولن يكون من المستبعد أن تضطر الحكومة الإسرائيلية، إلى إصدار أمر بتجنيد قوات احتياط، لسد العجز في القوى البشرية اللازمة لمواجهة الأوضاع الأمنية المتفجرة، حيث إنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي دفع، حتى الآن، بنصف قوات المشاة إلى حدود القطاع.

وتخشى إسرائيل والولايات المتحدة، من أن يؤثر تفجّر الأوضاع الأمنية، على استقرار السلطة الفلسطينية، التي يمثل بقاؤها مصلحة كبيرة للاحتلال، بحيث لا ينحصر دورها في تجفيف بيئة المقاومة من خلال التعاون الأمني؛ بل يتضمن تمكين تل أبيب من مواصلة مشروع الاحتلال بدون تكلفة مادية.

في الوقت ذاته، فإنّ واشنطن وتل أبيب تخشيان من أن يفضي تفجّر هبّة شعبية في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، إلى عدم توفر بيئة إقليمية تساعد على استغلال قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، في تضييق الخناق على نظام الحكم في طهران والعمل على إضعافه أو حتى إسقاطه.

وهناك ما يدل على أنّ التجربة الماضية ستقلّص من قدرة نظام السيسي، على تسويق المواقف الإسرائيلية، بهدف احتواء حراك "مسيرة العودة".