ماذا فعلنا لإبطال "المؤامرة"؟

28 ديسمبر 2014

عمل لـِ (كيفن سالفينو)

+ الخط -

يشترك أنصار الأصولية الدينية، بكل مشتقاتها، السلفية الجهادية أو السلفية العلمية أو الإخوانية، مع أنصار الأصولية السلطوية العسكرية أو "الدولجية" والناصريين، في شيء مهم مشترك، ونادر في الوقت نفسه، وهو الحديث الدائم عن المؤامرة الكبرى، فهي السبب الرئيسي في تخلّف المسلمين عند الفريق الأول "الأصولي الديني"، وهي السبب الرئيسي في تخلف العرب أو المصريين عند الفريق الثاني "الأصولي السلطوي أو العسكري أو القومي الناصري".

دائماً، هناك عدو خفيٌ متخفٍ متنكّر مدسوس مندسّ، لديه عملاء وخونة وطابوراً خامساً، والعدو الصليبي الذي لديه عملاء صليبيين متنكرين في أشكال صحافيين، أو كتّاب أو مفكرين أو أساتذة جامعة أو جيش مؤيد للعلمانية الصليبية. وربما يكون العدو هو الغرب وعملاؤه الذين يكيدون للعرب، أو المصريين وحدهم، وجميعنا سمع عن كتاب هيلاري كلينتون "النسخة المصرية الشعبية"، أو أسطورة مهاب مميش الذي استطاع بمفرده اعتقال قائد القوات البحرية الأميركية التي كانت موجودة أمام السواحل لمساندة محمد مرسي.

"هراء" الأصولية والفاشية واحد ومتشابه، دينياً كان أو عسكرياً، فحتى الآن لا يزال "الإخوان" يتحدثون عن أن أميركا هي مَن خططت ودعمت لانقلاب 30 يونيو/ حزيران، من أجل إزاحة مرسي، ووقف مشروعهم الإسلامي العبقري، ولا يزال السلفيون والجهاديون يتحدثون عن ضرورة إبادة الغرب الصليبي، من أجل نشر العدل الإسلامي وحكم الله في الأرض. وفي المقابل، نجد أن العسكريين أو الدولجية أو الناصريين يتحدثون عن مخططات الغرب لإفشال النهضة العربية أو المصرية، وأن "سي آي إيه" هي التي تعمل جاهدة، طوال الوقت، مع مخابرات ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وقطر وتركيا وإسرائيل من أجل إفشال عبد الفتاح السيسي أو المشروع العربي أو النهضة المصرية.

لا يوجد هناك مخطئ، والجميع ملائكة بأجنحة عند أنصاره، كان مرسي ملاكاً ولم يخطئ قط، وما "30 يونيو" إلا مخطط صهيو ـ أميركي سيساوي فلولي لإفشال مرسي والمشروع الإسلامي، و"الإخوان" لم يضعوا دستوراً سيئاً، ولا إعلاناً دستورياً ديكتاتورياً، ولا بادروا بالعنف في الاتحادية والتحرير، ولم يخونوا مَن أيّدهم قبل معارضيهم، كل شيء كان "زي الفل"، لكن الغرب الصليبي هو من أفسدها.

لا يوجد عنف، لا من "الإخوان" ولا من "أنصار دعم الشرعية"، و"داعش" أصلاً غير موجودة، وكل هذا تضليل إعلامي لتشويه المشروع الإسلامي. هكذا أسمع منهم دائماً. لا اعتراف بأي خطأ حتى الآن، وكل شيء كان مؤامرة. وفي المقابل، أيضاً، لن نسمع أي اعتراف بالخطأ من معسكر السلطوية/ العسكرتارية، فالسلطوي والفاشي لا يعترف بأي خطأ، كل ما يحدث ضده مؤامرة، فالاعتراف بالفشل معناه انهيار النظرية والمنظومة.

فلا عبد الناصر ولا مبارك ولا السيسي، الذي يسير على نهج مدمج للاثنين، كانوا مخطئين، السيسي ملاك بأجنحة، التعليم زي الفل، والمرور تمام، والاقتصاد في نمو، وليس هناك فساد أصلاً، والقضاء مستقل، والأمن مستتب، ولا سرقة ولا خطف ولا بلطجة في الشوارع. كل المنتقدين مجرد مغرضين، خونة، عملاء للغرب وطابوراً خامساً وجيلاً رابعاً، نحن زي الفل الآن، وعبد الناصر تمام و مبارك ـ السيسي زي الفل ولا غلط عندنا.. ولولا المؤامرة، كنا سنبقى القوى العظمى الوحيدة في العالم. اصبروا علينا قليلاً. يحتاج السيسي 30 عاماً فقط في السلطة، لكي يحقق التقدم، ويهزم الغرب المتآمر دائماً، الغرب الذي يتسوّل منه السيسي كما كان مبارك يتسول من قبل. لا صناعة، لا ابتكار، لا تعليم، لا إدارة أو حكم رشيد، ماذا قدمنا نحن لمواجهة المؤامرة؟ لا شيء.

المسلمون، سنّة وشيعة، يتقاتلون منذ 1400 عام، والعرب، مسلمون ومسيحيون، والعرب أيضاً جنسيات وأعراقاً وطوائف وعقائد و..، حتى الليبراليين لا يفقهون من الليبرالية شيئاً سوى مقاومة التديُّن، لا حديث عن تسامح أو احترام حقوق إنسان أو تعايش أو باقي القيم الليبرالية، حتى الاشتراكية العربية/ المصرية متوقفة عند نظريات ماركس، أو تجارب ما قبل انهيار سور برلين. ماذا قدمنا نحن، كفصائل أو عسكر أو إسلاميين، أو مختلف الاتجاهات السياسية لمقاومة المؤامرة، إن كانت موجودة، غير الحديث عنها؟ لا شيء. فقط الكلام.

DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017