ماذا حصل لـ"القاعدة" بعد 5سنوات من مقتل بن لادن؟

02 مايو 2016
بن لادن قتل قبل خمس سنوات بعملية أميركية (Getty)
+ الخط -

لو قُتل زعيم تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، أبو بكر البغدادي، اليوم، سيكون نصرا عظيما على الصعيدين العسكري والسياسي، قد يساهم في خلخلة أركان التنظيم، لكن لو تمت هزيمة "داعش" اليوم، واغتيل زعيمها بعد عشر سنوات من الآن، فقيمة هذا الحدث ستكون في حدها الأدنى، ولن تتجاوز الانتصار الرمزي.

هذا ما حصل قبل خمس سنوات، مثل اليوم في الثاني من مايو/أيار 2011، عندما اغتالت القوات الأميركية زعيم تنظيم "القاعدة"، بعد عشر سنوات من هزيمة "طالبان"، وتشتت شمل تنظيم "القاعدة".

فالتنظيم كان في أضعف حالاته، وبن لادن عالق في منزله، في آبوت آباد الباكستانية، لما يزيد عن الثماني سنوات، ولم يستفد من الاغتيال إلا الرئيس الأميركي، باراك أوباما، والذي وضع قتل المطلوب الأبرز للولايات المتحدة على قائمة إنجازاته.

روّج أسامة بن لادن لأيديولوجيا بسيطة تعكس رؤيته للمنطقة ومشروعة السياسي الديني، فهناك مشكلة مع الأنظمة السياسية في العالم الإسلامي، تتمثل، بحسبه، في ترسيخ أنظمة حكم مناقضة للإسلام، ومرتهنة لإرادات قوى غربية، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية.

لعلاج هذا الخلل، وعلى عكس الرؤى الجهادية القديمة، التي تمثلها حركات الجماعة الإسلامية، والجهاد الإسلامي، قبل دخولها في تحالف مع تنظيم "القاعدة"، سنة 1998، لم يدعُ "القاعدة" إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع الأنظمة السياسية في الدول الإسلامية، بل قام باستهداف المصالح الأميركية بشكل مباشر، ثم استهدف أراضي الولايات المتحدة، من أجل الضغط عليها للخروج من المنطقة، ورفع دعمها عن الأنظمة السياسية، التي يراها تنظيم "القاعدة" كافرة وموالية للغرب، ويراها ساقطة دون دعمه.

عندما قُتل بن لادن في 2011، كانت شعاراته في أسوأ حالاتها، فثورات الربيع العربي أطاحت بأنظمة سياسية مدعومة غربيا، والمظاهرات السلمية فعلت خلال أسابيع في تونس ومصر ما لم تفعله الحركات الجهادية، من خلال العنف، على امتداد عقود، وما لم تفعله تيارات الإسلام السياسي أيضا، خلال الفترة ذاتها.

انعكس هذا التفاؤل على قائد "القاعدة"، الذي رأى الثورات كفرصة، وصحوة شعبية، يجب استغلالها بحذر، ليأخذ فعل الجماهير مداه. 

لكن يمكن وضع التفاؤل بالجماهير في سياق آخر. فتنظيم القاعدة في 2011 كان في أضعف حالاته، منهارا في السعودية، بعد الملاحقات الأمنية التي امتدت من 2003 و2006. كما أن القوات العشائرية العراقية، والتي تسمى بالصحوات، هزمت تنظيم الدولة، المرتبط بالقاعدة والخارج من رحمها، في 2007. كما أن الفرع اليمني للتنظيم بات ورقة الرئيس المخلوع، علي عبدالله صالح، لابتزاز الدعم الغربي، وتثبيت سلطته، بعد أن بات التنظيم في البلد مخترقا أكثر من أي وقت مضى، وضعيفا، ولا يشكل تهديدا كبيرا على الأمن العالمي، على عكس التقارير الأميركية حتى اللحظة، والتي تضع خطر تنظيم "القاعدة" كثاني أكبر التهديدات بعد تنظيم الدولة "داعش".

ولم يكن التحول الأبرز في تنظيم "القاعدة" متمثلا في المراجعات، التي كشفتها وثائق "آبوت آباد"، والتي وجدت في حوزة زعيم القاعدة لحظة مقتله، وإنما في سياسات التنظيم في سورية، من خلال "جبهة النصرة".


فالجبهة، بقيادة أبو محمد الجولاني، أعلنت مبايعتها لزعيم "القاعدة" الحالي، أيمن الظواهري، لكن لا يبدو أن أجندة ارتباطها بالقاعدة تتجاوز الأمر الشكلي، حيث أصبحت أقرب إلى "فصيل جهادي محلي" أكثر من حملها أفكار التنظيم للجهاد العالمي.

وعلى الرغم من وجود "مهاجرين"، وهو الاسم المفضل للمقاتلين من غير السوريين، في الجبهة، إلا أنها تشترك بالرؤية الجهادية السلفية مع فصائل سورية أخرى تعمل في إطار "وطني"، طالما رفضت القاعدة الاعتراف به.

وقد أسهم صعود تنظيم "داعش" كثيرا في تفكك وانهيار "القاعدة"، فالتنظيم الأكثر توحشا، ونشاطا، وقوة، كان نتيجة مخاض كبير على ضفاف "القاعدة"، كما توضح وثائق "آبوت آباد".

وعلى الرغم من أن "داعش" ولدت من التجربة العراقية، والتي لم تكن تجربة قاعدية خالصة، إلا أن الوثائق المسربة تثبت أن هناك اعتراضات كبيرة من زعيم "القاعدة"، وبعض قياداته، على الاستراتيجيات التي اتبعها أبو مصعب الزرقاوي، الذي أعلن ولاءه للقاعدة في العراق، ليصبح اسم تنظيمه "قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين" في 2004 بدل "جماعة التوحيد والجهاد" التي أسسها الزرقاوي نفسه، لمقاتلة الأميركيين، قبل ذلك.

اعتراضات زعماء "القاعدة" على التجربة العراقية تتلخص برفض الإيغال بسفك الدماء، وقتل المدنيين، والتوسع بالعمليات الانتحارية. لكن صعود نجم "داعش" جعل التنظيم يتبنى كافة العمليات الجانبية التي يقوم بها جهاديون غير مرتبطين تنظيميا به، وبالتالي لم تعد "القاعدة" تنظيما جذابا كشعار، فقدراته على استقطاب أعضاء جدد باتت محدودة جدا، كما أن مراكزه الرئيسية في السعودية والعراق والمغرب العربي ضربت بقسوة، وباستثناء قاعدة باكستان وأفغانستان، و"جبهة النصرة" في سورية، لم يتبن التنظيم أية عملية في المنطقة خلال الفترة الماضية، كما قام بالتهديد مرارا، خاصة بعد إعدام السعودية لمجموعة من أعضائه في بدايات يناير/كانون الثاني الماضي، ولم يستطع تنفيذ أي من تهديداته، بل على العكس، باتت مواقعه في اليمن مهددة، والتي كان يراها راسخة في 2011.

وتم طرد القاعدة من مدينة المكلا في أبريل/نيسان الماضي، في عمليات قتالية استمرت ليومين، قامت بها قوات يمنية موالية للرئيس، عبدربه منصور هادي، مدعومة من التحالف العربي، الذي أعلن، بحسب متحدثه الرسمي، العميد أحمد عسيري، عن اقتراب نهاية العمليات ضد "القاعدة" في اليمن، بعد تحرير المكلا.