ماذا تبقّى للفقراء من تبرعات رمضان؟

23 يونيو 2016
قيمة الدقيقة الإعلانية في برنامج رامز 50 ألف جنيه
+ الخط -

تصوروا أن 1300 مليون جنيه مصري (1.3 مليار جنيه) من حصيلة الأموال التي تجلبها الإعلانات في شهر رمضان من جيوب المصريين "الغلابة"، تذهب للقنوات الفضائية والتلفزيون، ماذا يتبقّى إذن للفقراء والأرامل والمرضى الذين تتسول مثل هذه الإعلانات باسمهم وآلامهم وآدميتهم طوال الشهر الكريم؟

بالطبع هذا الرقم، ورغم ضخامته من وجهة نظرك، قد يكون أكثر من ذلك بكثير، خاصة أننى أستند هنا في الأرقام إلى دراسة أعدها أستاذي د. على عجوة، عميد كلية الإعلام السابق، في يوليو 2013، وأكد فيها أن حجم سوق الإعلانات في مصر يبلغ 2 مليار جنيه ينفق 65% منها (1300 مليون جنيه) خلال شهر رمضان فقط.

 كما استندت إلى نتائج دراسة أخرى أعدتها د. جيهان البيطار، الأستاذة في كلية الإعلام، خلصت فيها إلى أن 78% من الإعلانات مضللة، و65% مثيرة للغرائز.

ونظرة سريعة على إعلانات شهر رمضان الكريم تلحظ أنه وكأن ماسورة "مجاري" وطفحت، لنجد مئات الإعلانات التي تذاع يومياً على الفضائيات، لدرجة أن مساحة هذه الإعلانات طغت على الوقت المخصص لبرامج التسلية والدراما الرمضانية.

 


وكأن كل الشركات والمستشفيات والجمعيات الخيرية انتظرت شهر رمضان للإعلان عن جديد منتجاتها، سواء كان الجديد هنا سلعة أو مريضا أو محتاجا أو فقيرا أو طفلا مصابا بالسرطان كل أمل أهله أن يبقى على قيد الحياة.

والملفت أن معظم الإعلانات المذاعة خلال رمضان هي لجمعيات خيرية تمارس بعضها سياسة "كيد النساء"، وتحاول أن تثبت للجميع أنها باتت البديل لنحو 2000 جمعية خيرية تم تغييبها عن العمل الخيري بفعل فاعل، حيث جرى تأميمها طوال السنوات الثلاث الماضية، والسطو على أصولها وأموالها، بزعم تبعيتها لجماعة الإخوان.

هل المتبرع البريء يعلم أن قيمة تبرعه وتبرع ألف غيره قد لا تكفي لسداد فاتورة إعلان واحد مدته 30 ثانية، فما بالنا بإعلان واحد مدته دقيقة واحدة يتكرر داخل برنامج كوميدي واحد أكثر من 5 مرات، ويتكرر عشرات المرات داخل قناة واحدة، وربما يذاع مئات المرات في القنوات المختلفة.

 وبدلا من أن تصل قيمة زكاة وصدقات رمضان التي تتلقاها هذه المؤسسات المعلنة للمحتاجين وبطون الجوعى والمرضى، تُوجه لتمويل خزائن الفضائيات الفارغة.

وبدلاً أيضاً من أن تساهم المؤسسات المعلنة في تخفيف معاناة المجتمع وآلام الفقراء، تحقق أهدافاً خاصة، ومن بين هذه الأهداف مثلاً الإعلان عن نفسها والتسويق المكثف لخدماتها وأنشطتها.

وفي نفس الوقت تحل هذه المؤسسات الأزمة المالية العنيفة التي تعاني منها كل القنوات الفضائية في مصر خلال الفترة الأخيرة وبلا استثناء، ولا مانع هنا من الحصول على عدة ملايين من التبرعات تنفق على الفقراء والمرضي لزوم تأدية الواجب.

ونظرة سريعة لأسعار الإعلانات في رمضان نرصد حجم الكارثة التي يتعرض لها المتبرع المصري، خاصة الذي يتعاطف مع مواد هذه الإعلانات لأسباب أخلاقية وإنسانية، ففي قنوات mbc مصر، على سبيل المثال، يبدأ سعر الدقيقة الإعلانية الواحدة من 40 ألف جنيه "4.5 آلاف دولار" وتصل إلى 60 ألفًا، يعنى نحن في حاجة إلى 600 متبرع، قيمة تبرع الواحد منهم 100 جنيه ليسددوا فقط قيمة دقيقة إعلانية واحدة.

أما في قنوات النهار، فسعر الدقيقة الإعلانية يبدأ من 20 إلى 50 ألفًا، وقنوات الحياة وcbc  من 20 إلى 40 ألفًا، وقناة ten من 20 إلى 30 ألفًا.

لن أتحدث هنا عن رداءة الرسالة الإعلانية وعدم مراعاتها الذوق العام والعادات والتقاليد المجتمعية لخروجها عن الآداب العامة وانتهاكها الكرامة الشخصية للفقراء والمرضى، بل أتحدث عن جدوى الاستجابة لمثل هذه الإعلانات التي تذهب حصيلة معظمها لغير الغرض الرئيسي منها.

ولن أتحدث عن الجمهور المستهدف لمثل هذه الإعلانات، فلا أظن مثلا أن إعلانا يتحدث عن وحدة سكنية قيمتها مليون جنيه يخاطب الفقراء، أو أن إعلانات شاليهات الساحل الشمالي ومارينا وفيلات الشروق والقاهرة الجديدة تخاطب شخصا يعاني الجوع والمرض.

حتى الأغنياء الذين تستهدفهم مثل هذه الإعلانات نجد أنهم يعرفون أكثر من غيرهم كيف تنفق أموالهم وصدقاتهم، بل إن العديد من هؤلاء لا يؤمن أصلا بالعمل الخيري ويبتكرون الحيل للتهرب من مستحقات الدولة، وفى مقدمتها الضرائب والجمارك، وبالتالي لا يستجيبون عادة لمثل هذه الإعلانات رغم غزارتها وجاذبيتها.

أنت أدرى أين تضع زكاتك وصدقاتك..انظر حولك، أنت تعرف الفقير والمحتاج والمريض، وجّه لهؤلاء زكاتك وتبرعك مباشرة، وبالطبع "الأقربون أولى بالمعروف".



المساهمون