ماذا أنقذت روسيا في سورية؟

23 نوفمبر 2019
+ الخط -
ـ بدأ الأسد حربه على سورية، وفيها ثلاثة وعشرون مليون مواطنة ومواطنا يطالبون بحقهم في الحرية. واليوم، لم يبق فيها مواطن واحد لا يخشى على حقه في الحياة. خلال هذه الحرب، طرد "جيش الأسد العقائدي" نصف السوريين من وطنهم، ورحّل ربعهم داخله، واحتجز الربع الباقي كرهائن لدى مخابراته، ليكونوا طعاما للمدافع وضحايا للاعتقال والقتل تعذيبا وجوعا. 
ـ وكان السوري العادي يعيش على حد أدنى من الدخل والخدمات قبل الثورة، فصار، بحرب الأسد الإرهابية عليه، يعيش من دون دخل أو خدمات، وأي دخلٍ أو خدماتٍ يمكن للسوري الحصول عليهما، إن كان بلا عمل، وكانت الحرب الأسدية قد دمرت اقتصاد سورية، وأخرجت مؤسسات الماء والكهرباء والمشافي من الخدمة، وأنزلت 90% من أسرى السجن الأسدي إلى ما دون خط الفقر، حسب الأمم المتحدة، بينما استولى الأسد وعصابات لصوصه وقتلته على القروش القليلة التي يسمونها راتبه أو أجره، وبالكاد تكفي لدفع إيجار غرفة صغيرة في قرية. بينما الطبقات الوسطى، بما يعرف عنها من ميل إلى الادّخار، فأنهت بيع ما فوقها وما تحتها من دون أن توقف انحدارها إلى مهاوي البؤس والحرمان، فما عساه يمكن القول عما جرى للفئات العاملة، والفقيرة، والعاطلة من الشباب في المدن والأرياف، حيث لم يعد هناك سعر لقوة العمل، لأنه لم يعد هناك عمل؟
ـ مقابل إفقار الشعب وبؤسه، نمت وازدهرت صناعة التشبيح، وغدت منجما أسديا ذهبه لقمة شعب تقتحم منازله، ويتعرّض للتنكيل على حواجز "الجيش العقائدي" التي حولت شبيحته، الذين لا يستهان بعددهم، من متسولين إلى أصحاب ملايين، خلال أيام أو أسابيع من "خدمة الوطن"، بما انتزعوه يوميا من "إخوتهم" الإرهابيين، واستولوا عليه من ممتلكاتهم، خصوصا إن كانوا "دسمين"، واعتقلوا للحصول على "فدية" بعشرات آلاف الدولارات في مقابل عدم إرسالهم إلى الموت في سجون الأفرع، أو امتدت مكرماتهم إلى نساء ضحاياهم، أو بيوت هؤلاء الضحايا أو سياراتهم، وباعوهم إياها بالمبلغ الذي يحدّدونه، تبرعا منهم للحرب الأسدية على الإرهاب!
- بحلول اقتصاد التشبيح محل الاقتصاد الوطني، ورعايته من شبكات مترابطة تغطي سورية، بعناية روسية / إيرانية، تخلقت دولة إجرام منظم، جعل ازدهارها انهيار المجتمع حتميا، وكشف نقل ما يمتلكه السوريون إلى لصوص "مملكة الحواجز والسجون العميقة"، هوية دولة الأسدية الحقيقية التي كانت مخبأة وراء أكاذيب "الوحدة والحرية والاشتراكية". لذا لمّا علم معظم السوريين أنها لم تكن يوما غير أخوية إجرام، نسق حافظ الأسد بالأمس، وينسق ابنه اليوم، خروجها على القانون وعداءها دولته، وتدمير دولة سورية ومجتمعها، فماذا سيفعل الروس، عندما ستحين ساعة الحل، وسيكتشف الأسد أن بقاء نظامه في صوره الراهنة محال، وعليه الاستقواء بإيران لمواجهتهم؟ كيف سيتخلصون من "عصابات" تمسّكوا بشبيحتها بحجة "الحرب على الإرهاب"، لن تقبل نظاما ليست إرادتها قانونه، ولا يكمن اقتصاده في مد أيديها إلي جيوب السوريين وأرزاقهم، بعد أن جعلتهم حرب الأسدية على الإرهاب سارقي لقمة أطفال، صوبت مسدساتها إلى رؤوس أمهاتهم وآبائهم، فهل يدرك الروس أن هؤلاء هم اليوم "مؤسسات الدولة"، التي غزوا سورية لإنقاذها، وأنه سيكون عليهم قبول بقائها وحمايتها مقابل بقائهم في مزرعة مشتركة اسمها سورية. أنقذوا زعيم قتلتها من ثورة حرية، مكافأة له على استجارته بجيشهم ودعوته هذا الجيش إلى احتلال سورية، وللفتك بشعبها وإجباره على الدخول من جديد في طاعته، بالمصالحات والهدن، وإلا فبالقنابل الفراغية والارتجاجية والفوسفورية!
... مع ذلك، يجد الأسد في نفسه من الوقاحة ما يدفعه إلى الحديث عن انتصاره ، بينما يزعم بوتين أنه غزا سورية لإنقاذ "دولتها"!.
E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.