مئة عام على "سايكس بيكو"... هل يعيد التاريخ نفسه؟

29 أكتوبر 2015
خريطة سايكس بيكو (مواقع التواصل)
+ الخط -
يقول المفكر الأميركي جورج سانتايانا إن الذين لا يتعلمون من التاريخ محكوم عليهم بإعادته، فدراسة الأحداث التاريخية مسألة مهمة لاستنتاج الدروس وقراءة اتجاهات المستقبل. فقبل مئة عام ومع مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 1915 لغاية مايو /أيار 1916، توصل كل من وزيري خارجية فرنسا وبريطانيا فرانسوا جورج بيكو ومارك سايكس لتقسيم المنطقة العربية التي كانت آنذاك خاضعة في أغلبها للإمبراطورية العثمانية والتي بدأت تلفظ أنفاسها الأخيرة، وقسمت بريطانيا وفرنسا المناطق العربية التي أصبحت إما منتدبة أو محتلة، وفقا لما جاء في مؤتمر سان ريمو سنة 1920.


حالياً ووفقا لقوانين التاريخ، تبدو الأوضاع مشابهة لما كان قبل مئة سنة، فالعالم يعيش فراغا في القيادة والتنافس على أشده بين القوى التقليدية كالولايات المتحدة الأميركية، روسيا ودول الاتحاد الأوروبي الساعية للتحكم في ناصية القرار الدولي، كما تبرز قوى صاعدة تتطلع للعب أدوار محورية خاصة في مناطقها الجغرافية، كالصين، الهند، البرازيل، إيران وتركيا.

تغير موازين القوى
يعيش العالم مرحلة فاصلة تتسم بتغيير النسق المعرفي والإنساني، تطرح فيها أسئلة كبيرة وعميقة حول ماهية الدولة، إشكالية التنمية، مسؤولية المجتمع المدني، علاقة الدين بالدولة وأساسيات القيم المجتمعية. فضلا عن تغير أشكال القوة، الحرب، الاقتصاد و الموارد. وبذلك، أصبحت قوة الدولة مبنية على ثلاث أعمدة تشكل صرحها لتبوّء مراكز النفوذ والتحكم في زمام الأمور.

يتمثل العماد الأول في السياسة التي تستوجب وجود حكومات شرعية في سياق عام يحترم الحريات الفردية، الحقوق الأساسية ويؤمن بالخيار الديمقراطي، حيث يتجه العالم من الديمقراطية الإجرائية المعروفة بآلية التمثيل البرلماني إلى مفهوم التشاركية والتحالف في الحكم، وتتجاوز الأحزاب المنطق الإيديولوجي لتصبح مجموعات ضغط متعددة الروافد الفكرية، مزودة بعرض سياسي طموح وموجهة نحو أهداف محددة كحالة الأحزاب المعنية بالبيئة في أوروبا، علاوة على وجود مؤسسات قويمة، تتميز بحسن إدارتها وكفاءة مسؤوليها، كما ترسخ لمنظومة قيم يسودها الخير، العدل والحلم.

ويتجلى البعد الثاني في الاقتصاد، فالعولمة تفرض سيطرتها على النظام العالمي وتظهر سطوتها عبر الشركات متعددة الجنسيات وتزايد الأنشطة المالية، ينضاف إلى ذلك الانتشار الواسع لتكنولوجيا المعلومات والتواصل الرقمي، الأمر الذي يجعل من المعرفة موردا اقتصاديا استراتيجيا ومن الابتكار غاية منشودة، مما يستدعي إرساء تدبير اقتصادي حكيم واع بالمخاطر وراصد للفرص، قادر على خلق الثقة بين الفاعلين الاقتصاديين، وساعيا للقيام بإنجازات تخدم المواطن بعيدا عن مفارقة اقتصاد الدولة واقتصاد الشعب.

ويكمن المستوى الثالث في رأي عام مؤثر، يتجسد في شعوب شريكة في الحكم وصانعة للقرار الوطني، لها وعي معرفي وغنى معلوماتي يمكّنها من الاختيار ورسم رؤية مستقبلها كما ترتضيها وتحلم بها، ولا تنساق إلى سجالات عقيمة حول الوعود الإيديولوجية وشعارات التصنيف، التنادي والتنابذ بين الإيديولوجيات، فهذا حداثي وذاك محافظ والآخر علماني، بما يكرس صناعة الأضداد.

ماذا عن العرب؟
لقد عانت الشعوب العربية من تداعيات اتفاقية سايكس بيكو سواء خلال الفترة الاستعمارية أو في ما تلاها، حيث غلبت ثنائية الاستبداد والإرهاب على المشهد العربي في ظل غياب عقد اجتماعي يؤطر نظام الحكم، وهيمن الهاجس الأمني على الفاعلية الاقتصادية والمشروع التنموي مع استمرار الصراع العربي – الإسرائيلي، إضافة إلى تفشي الفساد الإداري واستفحال الظلم الاجتماعي بالفقر، التهميش والإقصاء.

وعلى هذا النحو، أصبحت الدول العربية بدون عقل في ظل إدارة للحكم بالجريمة (منطق أنا أو الفوضى) بغرض الترويع من أجل التركيع، والتدبير باللقطة حيث ينصب الاهتمام على المباني وتنسى المعاني ويبحث المسؤول عن التقاط الصور لا عن تقديم الخدمات منتهجا منطق الإغاثة والطوارئ لا الإصلاح والبناء، حيث صارت الإنجازات خالية من مضمونها كمن يسجل نقاطا بأهداف فارغة، واختزل معنى الوطن في الانتماء العائلي، القبلي والطائفي، كما تحول تذكر الوطنية مدعاة لتوقع الكذب، الخداع والنفاق باسمها.

لا شك أن المنطقة العربية تعتبر من ساحات الوغى التي تتبارى فيها القوى الدولية على مواقع النفوذ بين من يسعى للاحتكار، القيادة، التحالف أو حتى استعادة البريق، في وقت تبدو فيه الأطروحة العربية غامضة للحصول على مواقع نافذ على الرغم من أن فرص الشراكة مازالت متاحة، والتي يتجلى إكسيرها في جيل شاب عاصر هذه المتغيرات وتعايش مع صعوباتها وله من الكفاءة والتطلع نصيب كبير، فضلا على أن الزمن السياسي يعطي للعرب أوراق ضغط يجب إدراكها واستغلالها.

يقول كارل ماركس إن التاريخ يعيد نفسه في المرة الأولى كمأساة وفي الثانية كمهزلة، و لقد كانت سايكس بيكو الأولى مأساة حقيقية دفعت الشعوب العربية ثمنها باهظا، ولا أظن أن لدينا مساحة للتقاعس في وقت صار الهزل فيه خطيئة لا تغتفر.

(المغرب)
دلالات
المساهمون