لم يكن حوار المخرجة المصرية ساندرا نشأت مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مجرد حوار دعائي سبق الانتخابات الرئاسية المحسومة نتائجها سلفًا؛ بل كان مؤشراً لشكل الإعلام الذي يرغبه النظام وسيفرضه فيما بعد.
الاختبار الأول والتالي لهذا المنتج الدعائي للرئيس، ظهر مباشرة في التغطية الصحافية للانتخابات الرئاسية المصرية، فالجميع التزم بالتعليمات، بل وحتى باللقطات الصحافية والإنسانية، فخرجت التغطية الصحافية شبه متطابقة.
وقال رؤساء أقسام سياسية في عدة صحف ومواقع إخبارية مصرية، إنه كان أمامهم مواد صحافية جيدة جدًا وتغطية متميزة ونوعية للانتخابات؛ لكن السقف المسموح به حال دون نشرها، وأكدوا، في أحاديث ودية مع زملائهم، أنهم غير راضين عن ما خرجت عليه تغطية الانتخابات في صحفهم ومواقعهم الإخبارية.
وظهر الاختبار الثاني في تعامل أجهزة النظام مع مانشيت صحيفة "المصري اليوم"، صبيحة اليوم التالي لغلق باب الاقتراع، والذي كان "الدولة تحشد الناخبين في آخر أيام الانتخابات"، وألحقته بعنوان فرعي شارح "الهيئة الوطنية للانتخابات تلوّح بالغرامة.. ومسؤولون يعدون بمكافآت مالية.. وهدايا أمام اللجان". فما كان من النظام المصري، إلا أن حرّك محاميه الشهير بهذه البلاغات، سمير صبري، لتقديم بلاغ عاجل أمام النائب العام المصري، ضد "المصري اليوم"، للتحقيق العاجل في نيابة أمن الدولة العليا، بسبب الصفحة الأولى من الطبعة الأولى للجريدة، بتهمة "احتقار المصريين".
وقال البلاغ، الذي أحاله النائب العام للتحقيق بالفعل، إن عدد "المصري اليوم"، تصدّره "مانشيت مسموم مغرض، سُطّر بمِداد أسود خسيس أهان المصريين جميعا، ووجه عبارات قذرة أساءت لكل مصري شارك وأدلى بصوته، موجها اتهامات حقيرة لكل أجهزة الدولة ومؤسساتها، يعف اللسان والقلم عن ذكرها"، بحسب نص البلاغ.
وفي اليوم التالي مباشرة، نشر موقع صحيفة "الأهرام" القومية بيانًا صادراً عن صحافيين مجهولين من "المصري اليوم"، تبرأوا فيه من مانشيت الصحيفة "غير المهني" بسحب البيان المجهول. وجاء في البيان، الذي تم نشره من دون الإشارة إلى أسماء أو عدد الموقّعين عليه "إن الصحافيين في المصري اليوم يتبرأون من هذا العنوان المسيء، وكان الحوار بين أغلبهم يبحث عن إجابة لسؤال حول الغرض من مثل هذا العنوان، الذي يحمل اتهامًا جزافيًا، نبدو فيه كصحافيين مأجورين لجهات أخرى".
لاحقًا؛ وبسؤال العشرات من صحافيي "المصري اليوم"، نفوا علمهم بالبيان أو توقيعهم عليه، وأكدوا أنه لم ينشر إلا في "الأهرام"، وأن موقف الجريدة والعاملين فيها تم نشره على صفحاتها في اليوم التالي لنشر المانشيت، 29 مارس/آذار 2018، في افتتاحية بعنوان "الحشد الإيجابي" والتي جاء فيها "كلمة الحشد تكررت في بيانات رسمية وإعلامية في الصحف والمواقع والفضائيات لعشرات المرات طوال أيام الانتخابات. عندما جعلنا منها أمس مادة لمانشيت الصحيفة "الدولة تحشد"، انقلبت الدنيا علينا، هوجمنا من الزملاء لساعات ممتدة على الفضائيات والمواقع، مقالات وتقارير سُطرت بسرعة، معظمها لزملاء لم يقرأوا ما كتبناه، "الدولة الرسمية" أذكى بمراحل من هؤلاء. لم يصدر عنها ما يسيء إلينا. تركت عدد الجريدة يظهر للنور، ما قاله بعض الزملاء على الهواء وفي المواقع هو الذي أعطى تفسيراً سلبياً لمانشيت الصحيفة".
وأمس، قرر المجلس الأعلى للإعلام في مصر توقيع غرامة مالية على صحيفة "المصري اليوم" اليومية بواقع 150 ألف جنيه، وإحالة رئيس تحريرها، وأحد صحافييها، إلى نقابة الصحافيين للتحقيق معهما، وتغريم موقع "مصر العربية" الإلكتروني (محجوب داخل البلاد) مبلغ 50 ألف جنيه، على خلفية نشرهما تقارير تفضح انتهاكات الانتخابات الرئاسية المنقضية أخيراً.
اقــرأ أيضاً
كانت هذه نظرة سريعة على الأداء الإعلامي المتوقع خلال المرحلة المقبلة (الولاية الثانية للسيسي)، والذي يزيد من الخناق والتضييق على المجال العام عما كانت عليه سابقًا (الولاية الأولى). فقد أكد عضو مجلس نقابة الصحافيين المصريين، جمال عبد الرحيم، في كلمة له في مؤتمر "التقرير السنوي لحرية الصحافة والإعلام" الذي نظمه المركز المصري لدراسات السياسات العامة، أن عام 2017 على الصحافة والإعلام جاء برياح لا تشتهيها السفن، وما يؤكد ذلك وضع مصر الذي جاء في الترتيب 161 بين 180 دولة أخرى في حرية الصحافة بناء على تقرير منظمة مراسلون بلا حدود.
وفي ما يتعلق بالحبس والتجاوزات، ذكر عبد الرحيم، عدة انتهاكات حدثت لصحافيين زملاء أو كما قالها "مصائب"، وأنه يتم التعامل مع الصحافيين بناءً على القوانين القديمة التي سبقها الزمن بتطوراته، رغم أنّ النقابة تقدمت بمشروع قانون منفصل لمجلس النواب، بمنع الحبس في قضايا النشر، وما زال حبيس الأدراج حتى الآن.
وشدد عبد الرحيم، على أن ما تشهده الصحافة المصرية حاليًا، هو الأسوأ في تاريخها، بعد السيطرة عليه سيطرة تامة من مؤسسات صحافية مملوكة لرجال الأعمال الذين سيطروا على ممتلكات الشعب المصري، ووسط بيئة تشريعية تؤكد أن الأمور في الفترة المقبلة ستزداد سوءًا.
وأوصى عضو مجلس النقابة، بأن يتم تشكيل لجنة من 50 شخصا تدرس جميع مشاريع القوانين المقدمة وتتباحثها مع الهيئات المختلفة من صحف قومية وحزبية ومستقلة وتعقد جلسات استماع، إلى أن تصل إلى صياغة قانون يعرض على الجمعية العمومية مكتملة لتناقشه نصا نصا.
من جانبه، وصف الباحث في المركز المصري لدراسة السياسات، أحمد أبو المجد، عام 2017، فيما يخص حرية الصحافة والإعلام، بأنه عام "إعادة ضبط المشهد الإعلامي وإحكام السيطرة" بحجة الانفلات الإعلامي.
وقال "شهد هذا العام، إعادة هيكلة الهيئة العامة للاستعلامات، وأسندت رئاستها لنقيب الصحافيين الأسبق، ضياء رشوان، وتشكيل الهيئات الصحافية والإعلامية المُنظمة، بالإضافة إلى تشكيل اللجنة التأسيسية لإنشاء نقابة الإعلاميين".
وألقى الباحث الضوء على أهم وأبرز الأحداث كرصد سنوي فيما يتعلق بحرية الصحافة والإعلام، وأوضح أن عوامل الرصد والتحليل التي جاءت في التقرير السنوي الذي أصدره المركز تتمثل في تعددية الإعلام وتنوعه، واستقلالية الإعلام ومدى ابتعاده عن التأثير، سواء كان مصدر التأثير الحكومة أو المال وخلافه، بيئة العمل الإعلامي والرقابة الذاتية، والإطار القانوني للأنشطة الإعلامية والمعلوماتية، وقياس الشفافية في المؤسسات والإجراءات التي تؤثر على إنتاج الأخبار والمعلومات، وجودة البنية التحتية التي تدعم إنتاج الأخبار والمعلومات والانتهاكات والعنف ضد الصحافيين والإعلاميين.
وقال رؤساء أقسام سياسية في عدة صحف ومواقع إخبارية مصرية، إنه كان أمامهم مواد صحافية جيدة جدًا وتغطية متميزة ونوعية للانتخابات؛ لكن السقف المسموح به حال دون نشرها، وأكدوا، في أحاديث ودية مع زملائهم، أنهم غير راضين عن ما خرجت عليه تغطية الانتخابات في صحفهم ومواقعهم الإخبارية.
وظهر الاختبار الثاني في تعامل أجهزة النظام مع مانشيت صحيفة "المصري اليوم"، صبيحة اليوم التالي لغلق باب الاقتراع، والذي كان "الدولة تحشد الناخبين في آخر أيام الانتخابات"، وألحقته بعنوان فرعي شارح "الهيئة الوطنية للانتخابات تلوّح بالغرامة.. ومسؤولون يعدون بمكافآت مالية.. وهدايا أمام اللجان". فما كان من النظام المصري، إلا أن حرّك محاميه الشهير بهذه البلاغات، سمير صبري، لتقديم بلاغ عاجل أمام النائب العام المصري، ضد "المصري اليوم"، للتحقيق العاجل في نيابة أمن الدولة العليا، بسبب الصفحة الأولى من الطبعة الأولى للجريدة، بتهمة "احتقار المصريين".
وقال البلاغ، الذي أحاله النائب العام للتحقيق بالفعل، إن عدد "المصري اليوم"، تصدّره "مانشيت مسموم مغرض، سُطّر بمِداد أسود خسيس أهان المصريين جميعا، ووجه عبارات قذرة أساءت لكل مصري شارك وأدلى بصوته، موجها اتهامات حقيرة لكل أجهزة الدولة ومؤسساتها، يعف اللسان والقلم عن ذكرها"، بحسب نص البلاغ.
وفي اليوم التالي مباشرة، نشر موقع صحيفة "الأهرام" القومية بيانًا صادراً عن صحافيين مجهولين من "المصري اليوم"، تبرأوا فيه من مانشيت الصحيفة "غير المهني" بسحب البيان المجهول. وجاء في البيان، الذي تم نشره من دون الإشارة إلى أسماء أو عدد الموقّعين عليه "إن الصحافيين في المصري اليوم يتبرأون من هذا العنوان المسيء، وكان الحوار بين أغلبهم يبحث عن إجابة لسؤال حول الغرض من مثل هذا العنوان، الذي يحمل اتهامًا جزافيًا، نبدو فيه كصحافيين مأجورين لجهات أخرى".
لاحقًا؛ وبسؤال العشرات من صحافيي "المصري اليوم"، نفوا علمهم بالبيان أو توقيعهم عليه، وأكدوا أنه لم ينشر إلا في "الأهرام"، وأن موقف الجريدة والعاملين فيها تم نشره على صفحاتها في اليوم التالي لنشر المانشيت، 29 مارس/آذار 2018، في افتتاحية بعنوان "الحشد الإيجابي" والتي جاء فيها "كلمة الحشد تكررت في بيانات رسمية وإعلامية في الصحف والمواقع والفضائيات لعشرات المرات طوال أيام الانتخابات. عندما جعلنا منها أمس مادة لمانشيت الصحيفة "الدولة تحشد"، انقلبت الدنيا علينا، هوجمنا من الزملاء لساعات ممتدة على الفضائيات والمواقع، مقالات وتقارير سُطرت بسرعة، معظمها لزملاء لم يقرأوا ما كتبناه، "الدولة الرسمية" أذكى بمراحل من هؤلاء. لم يصدر عنها ما يسيء إلينا. تركت عدد الجريدة يظهر للنور، ما قاله بعض الزملاء على الهواء وفي المواقع هو الذي أعطى تفسيراً سلبياً لمانشيت الصحيفة".
وأمس، قرر المجلس الأعلى للإعلام في مصر توقيع غرامة مالية على صحيفة "المصري اليوم" اليومية بواقع 150 ألف جنيه، وإحالة رئيس تحريرها، وأحد صحافييها، إلى نقابة الصحافيين للتحقيق معهما، وتغريم موقع "مصر العربية" الإلكتروني (محجوب داخل البلاد) مبلغ 50 ألف جنيه، على خلفية نشرهما تقارير تفضح انتهاكات الانتخابات الرئاسية المنقضية أخيراً.
كانت هذه نظرة سريعة على الأداء الإعلامي المتوقع خلال المرحلة المقبلة (الولاية الثانية للسيسي)، والذي يزيد من الخناق والتضييق على المجال العام عما كانت عليه سابقًا (الولاية الأولى). فقد أكد عضو مجلس نقابة الصحافيين المصريين، جمال عبد الرحيم، في كلمة له في مؤتمر "التقرير السنوي لحرية الصحافة والإعلام" الذي نظمه المركز المصري لدراسات السياسات العامة، أن عام 2017 على الصحافة والإعلام جاء برياح لا تشتهيها السفن، وما يؤكد ذلك وضع مصر الذي جاء في الترتيب 161 بين 180 دولة أخرى في حرية الصحافة بناء على تقرير منظمة مراسلون بلا حدود.
وفي ما يتعلق بالحبس والتجاوزات، ذكر عبد الرحيم، عدة انتهاكات حدثت لصحافيين زملاء أو كما قالها "مصائب"، وأنه يتم التعامل مع الصحافيين بناءً على القوانين القديمة التي سبقها الزمن بتطوراته، رغم أنّ النقابة تقدمت بمشروع قانون منفصل لمجلس النواب، بمنع الحبس في قضايا النشر، وما زال حبيس الأدراج حتى الآن.
وشدد عبد الرحيم، على أن ما تشهده الصحافة المصرية حاليًا، هو الأسوأ في تاريخها، بعد السيطرة عليه سيطرة تامة من مؤسسات صحافية مملوكة لرجال الأعمال الذين سيطروا على ممتلكات الشعب المصري، ووسط بيئة تشريعية تؤكد أن الأمور في الفترة المقبلة ستزداد سوءًا.
وأوصى عضو مجلس النقابة، بأن يتم تشكيل لجنة من 50 شخصا تدرس جميع مشاريع القوانين المقدمة وتتباحثها مع الهيئات المختلفة من صحف قومية وحزبية ومستقلة وتعقد جلسات استماع، إلى أن تصل إلى صياغة قانون يعرض على الجمعية العمومية مكتملة لتناقشه نصا نصا.
من جانبه، وصف الباحث في المركز المصري لدراسة السياسات، أحمد أبو المجد، عام 2017، فيما يخص حرية الصحافة والإعلام، بأنه عام "إعادة ضبط المشهد الإعلامي وإحكام السيطرة" بحجة الانفلات الإعلامي.
وقال "شهد هذا العام، إعادة هيكلة الهيئة العامة للاستعلامات، وأسندت رئاستها لنقيب الصحافيين الأسبق، ضياء رشوان، وتشكيل الهيئات الصحافية والإعلامية المُنظمة، بالإضافة إلى تشكيل اللجنة التأسيسية لإنشاء نقابة الإعلاميين".
وألقى الباحث الضوء على أهم وأبرز الأحداث كرصد سنوي فيما يتعلق بحرية الصحافة والإعلام، وأوضح أن عوامل الرصد والتحليل التي جاءت في التقرير السنوي الذي أصدره المركز تتمثل في تعددية الإعلام وتنوعه، واستقلالية الإعلام ومدى ابتعاده عن التأثير، سواء كان مصدر التأثير الحكومة أو المال وخلافه، بيئة العمل الإعلامي والرقابة الذاتية، والإطار القانوني للأنشطة الإعلامية والمعلوماتية، وقياس الشفافية في المؤسسات والإجراءات التي تؤثر على إنتاج الأخبار والمعلومات، وجودة البنية التحتية التي تدعم إنتاج الأخبار والمعلومات والانتهاكات والعنف ضد الصحافيين والإعلاميين.