مؤشرات خطرة للاقتصاد المصري

14 أكتوبر 2019
السيسي أنفق مبالغ ضخمة على مشروعات بلا عائد (Getty)
+ الخط -
غير مرة أكدت الدراسات الاقتصادية على خطأ التوجه الاقتصادي بمصر بعد الانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013، لكن واقع تفاعل حكومة السيسي مع ما تذهب إليه هذه الدراسات، ينطبق عليه قول الشاعر "قد أسمعت لو ناديت حيًا.. ولكن لا حياة لمن تنادي".

فحقيقة الأداء المتراجع للاقتصاد المصري، من حيث بنيته الهيكلية، وزيادة تبعيته للخارج، تتعامى عنه حكومات ما بعد الانقلاب العسكري، فأهملت تلك الحكومات ضرورة أن تتحول مصر إلى دولة منتجة، وأن تستفيد مما لديها من ثروات بشرية وطبيعية، وأن تُؤمن احتياجاتها الاستراتيجية عبر إنتاجها المحلي.

والملاحظ أن أداء حكومة السيسي تنطبق عليه المقولة المصرية "خيرنا لغيرنا"، ففي الوقت الذي تعاني فيه البلاد أزمة تمويلية لا تخفى على أحد، تتزايد تدفقات العائد على استثمارات الأجانب للخارج لتصل إلى 9.3 مليارات دولار، مقابل نحو 7.1 مليارات دولار العام الماضي، وفق ما أظهرته بيانات ميزان المدفوعات لعام 2018/ 2019.

ولم يكن استمرار استنزاف الأجانب لخيرات مصر قاصرًا على العوائد على استثماراتهم في الداخل فقط، بل هناك العديد من السلبيات التي تكرس زيادة اعتماد البلاد على الخارج، في الوقت الذي يصل فيه عدد السكان لأكثر من 105 ملايين فرد.

فالصادرات السلعية غير النفطية، شهدت تراجعًا خلال عام 2018/ 2019 بنحو 116 مليون دولار، لتصل إلى 16.9 مليار دولار، وهو ما يعني أن دعم الصادرات الذي تتحمله الموازنة العامة للدولة يُهدر بلا عائد، فالمصدرون يحصلون على نحو 6 مليارات جنيه، دعم الصادرات، وفي الوقت نفسه تتراجع الصادرات السلعية، وثمة مؤشر آخر يؤكد على هشاشة القاعدة الإنتاجية لمصر، من خلال تراجع الصادرات السلعية، كونها عاجزة عن المنافسة الخارجية.

ويدلل على عجز القاعدة الإنتاجية لمصر، وزبدة تبعيتها للخارج، مؤشر آخر هو زيادة قيمة فاتورة الواردات السلعية، حيث ارتفعت في 2018/ 2019 إلى 54.9 مليار دولار بعد أن كانت العام الماضي 50.6 مليار دولار، أي أن الزيادة هذا العام بلغت 4.3 مليارات دولار.

وهنا نجد أن سؤالًا مهمًا يطرح نفسه، وهو: ماذا قدمت 4 تريليونات جنيه التي أعلن السيسي أنه أنفقها على المشروعات الجديدة؟ لقد ذهبت، إن صحت من حيث قيمتها التي ذكرها السيسي، على مشروعات بلا عائد، أو قد لا يحتاج إليها الاقتصاد في الأجلين القصير والمتوسط، وفق أجندة التنمية.

وفي إطار الحسابات المغلوطة، والتي تحتاج إلى شفافية من قبل حكومة السيسي، نجد أن بيانات ميزان المدفوعات تذكر أن الصادرات السلعية النفطية بلغت 11.5 مليار دولار، بزيادة 2.8 مليار دولار، وقد ينظر القارئ إلى الزيادة على أنها من الأمور الإيجابية، فالصادرات أياً كان نوعها تدر عملات صعبة للبلاد.

ويجب أن نتمهل هنا قبل الحكم على الأرقام التي تفتقد إلى الشفافية، فالصادرات السلعية النفطية تتضمن حصة الشريك الأجنبي، والتي لا تقل بحال من الأحوال عن 40% من إجمالي الصادرات النفطية لمصر، وبالتالي فحصة مصر من المبلغ قد تكون بحدود 6.9 مليارات دولار فقط.

ولو كان نظام السيسي لديه شفافية في البيانات الاقتصادية لأشار البنك المركزي إلى مقدار حصة الشريك الأجنبي من هذه الصادرات، كما كان يفعل من قبل.. ليس هذا فحسب، ولكن الشفافية تقتضي أيضًا أن تعرض بنود عقود إنتاج وتصدير النفط والغاز الطبيعي مع الشريك الأجنبي، حتى لا تكون هناك بنود تعرض أمن مصر القومي للخطر، كما فعلت حكومة نظيف في عهد مبارك، حيث قدم سامح فهمي صادرات مصر النفطية كضمان لسندات مصر في السوق الدولية، التي بلغت وقتها 1.5 مليار دولار.

 

أداء سلبي للاستثمار الأجنبي

لكم تحدث السيسي ووزراؤه عن أهمية تهيئة الاقتصاد لاستقبال الاستثمارات الأجنبية وعولوا عليها كثيرًا، لكن بيانات ميزان المدفوعات تبين تراجع هذه الاستثمارات، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، وهو أمر يستدعي مساءلة وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي، التي لا تتوقف رحلاتها للخارج، لتكون ثمرة سفرياتها زيادة قيمة الديون الخارجية، وتراجع قيمة الاستثمارات الأجنبية.

فالاستثمارات الأجنبية المباشرة تراجعت إلى 5.9 مليارات دولار، مقابل 7.7 مليارات دولار عام 2017/ 2018، بتراجع 1.8 مليار دولار، وبنسبة 23%. ولا يخفى على أحد أن من أهم أسباب هروب الاستثمارات الأجنبية حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني، وكذلك غياب دولة القانون، وضعف الرقابة التشريعية، وهي أمور واضحة للعيان في مصر منذ الانقلاب العسكري.

والملاحظة المهمة التي يجب ألا تغيب عن تقويم وضع الاستثمارات الأجنبية بمصر، هي أن تلك الاستثمارات تتركز بشكل كبير في الصناعات الاستخراجية من النفط والغاز، وهي تذهب بشكل كبير لصالح المستثمرين الأجانب، فضلًا عن أن قيمتها المضافة ضعيفة للاقتصاد القومي، ولا تقدم فرص عمل كبيرة تتناسب مع رؤوس الأموال المستثمرة فيها.

ولم يكن وضع الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة بأحسن حال من الاستثمارات المباشرة، فالبيانات تكشف عن تراجع كبير في تلك الاستثمارات، حيث بلغت 4.2 مليارات دولار، مقابل 12.09 مليار دولار عام 2017/ 2018. أي أن قيمة التراجع تصل إلى 7.8 مليارات دولار، وبنسب تصل إلى 65%.

وتراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة، يعكس عدم جدية الاستثمار في مصر، فالمستثمر الأجنبي لا يأتي إلى سوق ما إلا إذا كانت هناك شواهد على نجاح المستثمرين المحليين، لذلك ينتبه المستثمر الأجنبي لهذه الفرصة، ويأتي لكي يكون شريكًا في عوائد هذه الاستثمارات، فالاستثمار الأجنبي على وجه التحديد لا يهدف إلى التنمية، ولكنه يهدف إلى تحقيق أكبر عائد من الربح.

 

رهانات خاسرة

غير مرة اعتمدت الحكومات المصرية المتتالية على العوائد الريعية من النقد الأجنبي، ولكن حينما كانت تحدث تقلبات في السوق الدولية، كان الاقتصاد يتأثر سلبيًا بشكل كبير، كما حدث في قطاع السياحة وقناة السويس وسوق النفط، وكذلك أسواق العمالة المصرية. حيث تشير بيانات ميزان المدفوعات إلى ارتفاع رسوم المرور بالقناة بنحو 24 مليون دولار عن العام الماضي، كما ارتفعت عوائد قطاع السياحة إلى 12.5 مليار دولار، بعد أن كانت 9.8 مليارات دولار عام 2017/ 2018.

والجديد هذا العام أن تحويلات العاملين بالخارج بدأت في التراجع بعد أعوام من الزيادة المتتالية، حيث بلغت 25.1 مليار دولار، بعد أن كانت 26.3 مليار دولار عام 2017/ 2018، بتراجع 1.2 مليار دولار. وثمة تخوفات من استمرار التراجع في المرحلة المقبلة، بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية التي تمر بها بلدان الخليج، خاصة السعودية، التي يقطنها نحو مليوني عامل مصري، في حين تتجه السياسات الاقتصادية هناك لتقليص العمالة الوافدة.

وعامل الضعف هنا أن عوائد النقد الأجنبي لمصر ما زالت تتركز في الجوانب الريعية، ويتم تهميش الجوانب الإنتاجية، ففي الوقت الذي تقل فيها الصادرات السلعية غير النفطية عن 17 مليار دولار، نجد أن العوائد الريعية تبلغ أضعاف هذه القيمة (السياحة 12.5 مليار دولار، قناة السويس 5.7 مليارات دولار، الصادرات النفطية 11.5 مليار دولار، تحويلات العاملين 25.1 مليار دولار).

المساهمون