مؤتمر عمّان للفصائل السنيّة العراقيّة.. النتائج تعاكس الأهداف
أثار مؤتمر القوى السنية العراقية المعارضة لحكومة رئيس الوزراء المنتهية ولايته، نوري المالكي، وعقد في عمان أخيراً، ردود أفعال غاضبة من أطراف شيعية وسنية على حد سواء. وبدأت تداعياته في الواقع العراقي المثخن أصلاً بالتدهور الأمني والتوتر الطائفي اللذين قد يفضيان إلى تقسيم العراق.
وكان المؤتمر، الذي أطلق عليه اسم "المؤتمر التمهيدي لثوار العراق"، واستمرت أعماله على مدار يومي الخامس والسادس عشر من يوليو/ تموز الجاري، وشاركت فيه نحو 250 شخصية عربية سنية معارضة لحكومة المالكي، ومن بينها قيادات عشائرية ودينية، مثل المرجع الديني، عبد الملك السعدي، وأعضاء "هيئة علماء المسلمين"، وشخصيات من حزب "البعث" المنحل، وشخصيات أكاديمية وعسكرية أخرى.
غضب حكومي
جاء رد الفعل الحكومي الغاضب متوقعاً، خصوصاً أن المؤتمر تزامن مع سقوط أراضٍ واسعة في أيدي المسلحين من ثوار العشائر والفصائل الإسلامية والحزبية الوطنية الأخرى، بالإضافة إلى تنظيم الدولة الإسلامية "داعش". وتمثَّل هذا الرد في إجراءات واتهاماتٍ شنّها مسؤولون عراقيون ضد المؤتمرين والدولة المضيفة، الأردن.
وصعّد نوري المالكي من هجومه ضدهما، متهماً "سفارات في العراق بالتحوّل إلى بوابة للمؤامرات"، وقال إن "بغداد عصيّة على داعش، ومَن ركبت ظهورهم". واعتبرت وزارة الخارجية العراقية أن سماح الأردن بعقد المؤتمر في عمّان، لشخصيات "تلطخت أياديها بدماء العراقيين"، تدخلاً في الشأن العراقي الداخلي، وأعلنت عن استدعاء السفير العراقي من العاصمة الأردنية.
وطالب المتحدث باسم قائد القوات المسلحة العراقية، قاسم عطا، السلطات الأردنية بترحيل الذين شاركوا في المؤتمر، وهدد بتحريك قضايا ضدهم عن طريق الإنتربول، وذلك بالتزامن مع تصاعد الحملة التي يقودها أنصار المالكي ضد الحكومة الأردنية، مطالبين الحكومة العراقية بفرض عقوبات اقتصادية على الأردن، منها وقف تزويده بالنفط العراقي المخفّض الأسعار، وعدم استيراد السلع والمحاصيل الزراعية منه.
أما رد فعل الأطراف الشيعية المعارضة للمالكي، والتي كانت تعاطفت، نوعاً ما، مع الحراك السني، فكان لافتاً. وأعلن زعيم المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، عمار الحكيم، عن "الرفض القاطع لأي مفاوضات مع الأطراف والجهات الداعية إلى إسقاط العملية السياسية والدستور في البلاد"، فيما دعا زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، إلى إفشال مشروع مؤتمر عمان، مطالباً الميليشيا المسلحة المرتبطة به، جيش المهدي، "التوجه إلى جبهات القتال للدفاع عن الدولة العراقية"، واصفاً المؤتمرين بأنهم "أدوات بيد التكفيريين والبعثيين"، وهدفهم "طائفي بحت".
قلق شيعي
قد يعزى رد الفعل الشيعي على انعقاد المؤتمر ومخرجاته، وضد الدولة المضيفة، إلى الأسباب التالية:
1- اعتبر الطرف الشيعي تصريحات بعض المؤتمرين، ومنهم المرجع السعدي، والتي تفيد بأن "داعش تمثّل جزءاً صغيراً من حركة الكفاح المسلح"، والتي جاءت محاولة للدفاع عن سيطرة ثوار العشائر والفصائل المسلحة على مناطق واسعة من العراق، اعترافاً بالتنظيم المتطرف.
2- إصرار المؤتمرين على مواصلة القتال حتى السيطرة على بغداد واسقاط الحكومة الحالية، ما اعتبره الشيعة تهديداً للعملية السياسية التي بُنيت بعد غزو العراق في 2003، ويشكل الشيعة أهم أركانها.
3- لم ينجح المؤتمرون باستقطاب أطرافٍ أخرى، غير المكوّن العربي السني، ما أعطى المؤتمر طابعاً طائفياً، بسبب تصاعد الاستقطاب الطائفي الذي يشهده العراق، بصورة خاصة، والمنطقة، بصورة عامة.
4- أكد البيان الختامي للمؤتمر على وحدة العراق، لكن هناك قيادات عشائرية وحزبية، من داخل أروقة المؤتمر، أيّدت منح الأكراد إقليماً مستقلاً، وهو ما يرفضه المكونان الشيعي والسني معاً، لكن الأخير قد يتجنب التطرق إلى هذه المسألة، لئلا يفتح جبهة أخرى في هذه المرحلة، خصوصاً أن قياداته تحتمي في الإقليم الكردستاني، هرباً من بطش حكومة المالكي.
5- دعا المؤتمر المجتمع الدولي إلى فرض حظر جوي فوق المحافظات المنتفضة، ما اعتبره الشيعة محاولة لإضعاف الحكومة، ودعوة للتمهيد للاستقلال عنها، كما حصل مع المحافظات الجنوبية والكردية إبان حكم البعث.
أهداف ونتائج
ولانعقاد المؤتمر في هذه الفترة الحساسة التي يمر بها العراق والمنطقة، مدلولات وتبعات مركّبة انعكست على الوضع السياسي في العراق، حيث كان الهدف من انعقاد المؤتمر، الذي سُبق بحملة دعائية كبيرة، وشاركت فيه شخصيات عديدة، منح العمل المسلح في المناطق المنتفضة بعداً سياسياً، وإضفاء الشرعية على الحراك الشعبي، الذي بدأ منذ نهاية عام 2012، وبلغ ذروته بعد 9 يونيو/ حزيران الماضي.
كما حصل المؤتمر على دعم معنوي من دول عربية، وعكست رعاية الأردن الرسميةً له، وجود اتفاق بين هذه الدول والولايات المتحدة وبريطانيا، تحديداً، على تغيير العملية السياسية الحالية في العراق، وتشكيل حكومة توافقية تشمل جميع مكونات الشعب العراق.
كان القصد من المؤتمر تمييز الحركة الوطنية المسلحة، بكل فصائلها، عن تنظيم "داعش"، لكن، يبدو أنه لم ينجح في إيصال هذه الرسالة إلى الأطراف الشيعية في داخل العراق. وأراد المؤتمرون الحصول على دعم كردي، وهذا يفسّر تلميح بعضهم إلى الموافقة على استقلال الأكراد، على الرغم من أنهم يدعون إلى "رفض تقسيم العراق تحت أي مسمى". أما حضور شخصيات دينية رفيعة، مثل المرجع عبد الملك السعدي، ومحمد بشار الفيضي، فلم يلزم الفصائل السنية المعارضة، التي تمسك الأرض، الانصياع لقرارات المؤتمر.
وبدا أن المؤتمر جاء بعكس النتائج المرجوّة منه، فلم يتحقق توحيد القوى الوطنية، وإنما عمّق التخندق الطائفي والتمسك بالسياسات الطائفية المعمول بها في العراق منذ غزوه في العام 2003.
ولم يؤد انعقاد المؤتمر إلى تعميق الخلاف السني ـ الشيعي في العراق وحسب، بل عَقّدَ الخلاف السني ـ السني. وعليه، يمكن القول بفرضية أنه جاء بنتائج خلاف تلك المرجوّة منه، فقد اتهمت قيادات سنية، من أبرزها الشيخ علي حاتم السليمان، ناجح الميزان، وخميس الخنجر، وهم أصحاب تمثيل حقيقي للفصائل المسلحة في العراق، المشاركين في المؤتمر بدعم "توجهات المالكي"، وأكدوا أن منظميه لا يمثلونهم، معتبرين "المؤتمر الذي يعقد خارج العراق، ليس له قيمة، لأن الشخصيات التي شاركت فيه لم تقدم التضحيات لتحرير أرضها واسترجاع كرامتها"، وانتقدوا عدم مطالبة المؤتمر بإقليم سني، "كي يقطعوا يد إيران في العراق"، كما أن المؤتمرين رفضوا انضمام القوى السنية المتحالفة مع المالكي، مثل الصحوات، وقادة الحكومات المحلية في المحافظات السنية، ما أفقدهم الفرصة لفتح حوار مع الحكومة في بغداد.