جاء ذلك خلال كلمة الجامعة العربية التي ألقتها السفيرة هيفاء أبو غزالة، الأمينة العامة المساعدة، رئيسة قطاع الشؤون الاجتماعية في الجامعة، بمؤتمر "دور المرأة في مرحلة ما بعد النزاعات"، الذي بدأت أشغاله اليوم الأربعاء في القاهرة، بالتعاون بين الجامعة العربية وكل من الاتحاد الأوروبي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وبحضور السفير إيفان سركوش، سفير الاتحاد الأوروبي في القاهرة، والسيدة فرانسيس جاي - ممثلة البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة. ويبحث المؤتمر على مدى يومين وسائل تعزيز دور المرأة في مرحلة ما بعد انتهاء الصراع في دول المنطقة.
وأوضحت أبو غزالة أنّ المؤتمر يمثل جزءاً من جهود الدول العربية والأمانة العامة المستمرة لدعم دور المرأة بصورة عامة، وخلال النزاعات المسلحة والحروب بصورة خاصة.
ولفتت إلى أن المرأة تواجه أشكالاً متعددة من المعاناة خلال النزاعات المسلحة، منها ما هو اجتماعي نتيجة لعمليات النزوح والهجرة والتفكك الأسري، ومنها ما هو اقتصادي نظراً لارتباط الحروب بالفقر والبطالة، خاصة في حالة فقدان الزوج أو المعيل. كذلك تمتد أيضاً لتشمل آثاراً نفسية وجسدية نتيجة ما تتعرض له المرأة من عنف وتعذيب واستغلال واغتصاب في بعض النزاعات. وفي السياق العربي، واجهت المرأة العربية في السنوات الأخيرة معاناة كبيرة، في ظل ما تشهده بعض بلادنا العربية من نزاعات مسلحة.
وأضافت أن الممارسات التي انتهجتها المنظمات الإرهابية ضد المرأة في منطقتنا واستهدفت من خلالها النساء، توضح بجلاء الدرجة التي وصلت إليها هذه الانتهاكات في منطقتنا، حيث اتبعت هذه المنظمات ممارسات ممنهجة من سبي واسترقاق واغتصاب وزواج قسري وحبس واعتقال وتعذيب وخطف. ويظل حاضراً أمام أعيننا معاناة المرأة الفلسطينية تحت الاحتلال الإسرائيلي الذي يرسم أبشع صورة في سجل انتهاكات حقوق الإنسان، لما يقوم به ضد الشعب الفلسطيني بصورة عامة والمرأة الفلسطينية بصورة خاصة.
ونبهت أبو غزالة إلى أنه بالرغم من معاناة المرأة خلال مرحلة النزاع المسلح، فإنه يجري تجاهل دورها في الأنشطة والبرامج التي تُنفَّذ في مرحلة ما بعد النزاع. فالإحصاءات تشير إلى أن نسبة مشاركة المرأة متواضعة في عمليات التفاوض الخاصة بعمليات السلام، وعمليات نزع السلاح والتسريح والدمج، وعمليات إعادة الإعمار والبناء الاقتصادي في مرحلة ما بعد انتهاء النزاع.
وأوضحت أن قرار مجلس الأمن المهم رقم (1325) لعام (2000) هدف إلى إصلاح هذا الخلل، وحثّ الدول على زيادة تمثيل المرأة في المؤسسات الوطنية والإقليمية وآليات منع نشوب الصراعات وإدارتها وحلها. وتبع ذلك العديد من القرارات التي هدف جميعها إلى حماية المرأة خلال النزاع وتعزيز الدور الذي تقوم به بعد انتهائه. وقامت جامعة الدول العربية من جانبها بمجهودات كثيرة لتعزيز دور المرأة وحمايتها منذ إنشاء لجنة المرأة العربية عام 1971، وإعداد الاستراتيجية الإقليمية وخطة العمل التنفيذية المعنونة "حماية المرأة العربي: الأمن والسلام"، وأيضاً إنشاء لجنة طوارئ لحماية النساء في أثناء النزاعات المسلحة بالمنطقة العربية، التي تجتمع عند تفاقم الأحداث ضد النساء في مناطق النزاعات في المنطقة العربية، وتتكون عضويتها من الدول الأعضاء وأصحاب الخبرة المتخصصين في مجال حماية المرأة في أثناء النزاعات المسلحة على المستويين الإقليمي والدولي. وأخيراً بدء المناقشات لتأسيس الشبكة العربية لوسيطات السلام التي تسعى إلى تعزيز مشاركة النساء في عمليات الوساطة.
وقالت أبو غزالة إن مؤتمر اليوم يُعقد في ظل تطورات عصيبة تشهدها المنطقة استمرت لسنوات عدة، واجهت خلالها المرأة العربية صنوفاً من المعاناة، وحاولت قدر طاقتها أن تقاوم وتقوم بدور فاعل في عمليات التفاوض والوساطة والحماية، وواصلت النساء ضغوطهن لإصدار تشريعات تسبغ المزيد من الحماية للنساء والفتيات والأطفال. وقد أدى ذلك إلى صدور إصلاح تشريعي تضمّن تجريماً لبعض ممارسات العنف التي لم تكن مجرَّمة، وتشديداً للعقوبات المنزلة على بعض تلك الممارسات، كما هو الحال بالنسبة إلى التحرش وتزويج القاصرات.
وقد أثمر الضغط الذي مارسته النساء في الساحة التشريعية والسياسية ثماراً واضحة على مستوى توسيع نطاق الحماية وتعزيزها كمّاً وكيفاً. وكنتيجة لجهود النساء المجتمعية، صاغت بلدان عربية، مثل لبنان، استراتيجيات للوقاية من التطرف، ودمجت منظار النوع الاجتماعي في هذه الاستراتيجيات دمجاً واسع النطاق. وأصدر عدد لا بأس به من البلدان العربية خطة العمل الوطنية، تنفيذاً لقرار مجلس الأمن رقم 1325 لسنة 2000. وهذا يشمل فلسطين والعراق والأردن تونس ولبنان.
ومع ترقب المنطقة لانتهاء هذه المرحلة الصعبة والانتقال إلى مرحلة ما بعد النزاع، أكدت أبو غزالة ضرورة تخطي فكرة استصدار قرارات دولية جديدة تدعم دور المرأة، والتركيز على عدة محاور، منها الاستمرار في عملية الدمج والتأسيس على المستوى الوطني، ومنح النساء دورا أكبر في نظم الإنذار المبكر ومنع الحروب. كذلك يجب إشراك النساء في عمليات السلام، وبناء السلام، وإعادة الإعمار والمراحل الانتقالية التي تشهدها هذه المجتمعات في فترات ما بعد الصراعات.
وأضافت أن قضية تعزيز قدرات المرأة اقتصادياً بعد انتهاء الصراع، من القضايا المهمة التي يجب أن تحظى باهتمام المجتمع الدولي بصفة عامة ومنطقتنا العربية بصورة خاصة خلال عمليات بناء السلام وصياغة برامج التنمية المستدامة. ويجب في هذا الصدد دمج منظور النوع الاجتماعي في برامج التعاون الاقتصادي، بالإضافة إلى تأهيل النساء وتدريبهنّ لزيادة فرصهن في تحسين أوضاعهن الاقتصادية.
وأوضحت ضرورة أن تتضمن استراتيجيات تعزيز دور المرأة بعد انتهاء النزاع جزءاً خاصاً يتعلق بتكثيف برامج التدريب الخاص بمشاركة النساء في الأنشطة المختلفة، وصياغة برامج تدريبية للأجيال الجديدة ترسّخ لأفكار عدم التمييز ومشاركة المرأة في المجتمع.
يضاف إلى ذلك كله أن تعمل الدول التي تشهد نزاعات في منطقتنا العربية على الاستفادة من تجارب الدول الأخرى التي تمكنت من منح المرأة دوراً أكبر في مرحلة ما بعد النزاع. فلا شك في أن تبادل الخبرات وأفضل الممارسات سيمكن منطقتنا من رسم خريطة طريق واضحة لتخطى كل الصعوبات في هذه المجال.
ولفتت إلى أن هناك عدداً كبيراً من التحديات التي تواجه تنفيذ تلك الاستراتيجيات التي تمنح المرأة دوراً أكبر بعد انتهاء النزاع. وتشمل هذه التحديات ضعف الموارد المالية، وقلة الوعي بقضايا النوع الاجتماعي، في ظل الثقافات السائدة في المجتمع. وتشمل تلك أيضاً ضعف التنسيق بين منظمات الأمم المتحدة المختلفة والمجتمع المدني والدول. ويبرز أيضاً في هذا السياق الصعوبات الخاصة بقلة توافر المعلومات النوعية والكمية حول المشاكل والانتهاكات التي تواجهها المرأة في مناطق الصراع، بالإضافة إلى محدودية دور النشطاء والمنظمات غير الحكومية على المستويات المحلية.
إلا أن هذه التحديات المعروفة لخبراء النوع الاجتماعي ونشطائه يمكن تجاوزها بتضافر الجهود والعمل الجماعي من أجل واقع أفضل للمرأة العربية.
وأشارت إلى أن هذا المؤتمر يُعقد مع اقتراب مرور عشرين عاماً على صدور قرار مجلس الأمن رقم (1325)، وخمسة وعشرين عاماً على مؤتمر بكين، وأربعين عاماً على اتفاقية إزالة كل أشكال التمييز ضد المرأة، وخمس سنوات على إصدار أهداف التنمية المستدامة 2030، ومرور خمسة وسبعين عاماً على تأسيس جامعة الدول العربية. وأعربت عن أملها أن تكون تلك الاحتفالات دافعاً للخروج بتوصيات محددة لدعم دور المرأة في مرحلة ما بعد النزاعات.