مؤتمر برلين الليبي يتصدر أجندة قمة السيسي وميركل

18 نوفمبر 2019
يشارك السيسي بفعاليات مجموعة الـ20 وأفريقيا (توبياس شوارتز/فرانس برس)
+ الخط -
يحضر الملف الليبي بنداً رئيسياً خلال لقاء القمة المرتقب خلال ساعات بين المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في برلين، على هامش الزيارة التي بدأها الأخير أمس الأحد إلى ألمانيا للمشاركة في فعاليات مجموعة العشرين وأفريقيا، التي أطلقتها الرئاسة الألمانية عام 2017. وسيشهد هذا اللقاء، على هامشه، حضور عدد من الوزراء والمسؤولين ورجال الأعمال المصريين والألمان، لبحث تطوير سبل التعامل بين البلدين، وفقاً لما تم الاتفاق عليه نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي خلال زيارة وزير الخارجية الألماني هايكو ماس إلى القاهرة. وقالت مصادر دبلوماسية مصرية، في حديث مع "العربي الجديد"، إن ميركل مصممة حالياً، وأكثر من أي وقت مضى، على إنجاح المؤتمر حول ليبيا، الذي من المنتظر عقده في ديسمبر/ كانون الأول المقبل في العاصمة الألمانية، بحضورٍ دولي وإقليمي كبير. وتراهن المستشارة الألمانية على حياد برلين منذ بداية الصراع، وهي مدركةٌ في المقابل لعدم موضوعية مواقف ونوايا الطرفين الأوروبيين المرتبطين بالقضية، فرنسا وإيطاليا، وعجز هاتين الدولتين حتى الآن عن حسم الموقف السياسي المشتعل منذ الربيع الماضي حول العاصمة الليبية طرابلس لصالح أي منهما. كما تدرك ميركل خطورة تحول الأراضي الليبية إلى ميدان حربٍ بالوكالة، بل وظهور مجموعاتٍ قتالية مأجورة، خصوصاً من طرف الدول المؤيدة والداعمة لوجستياً وتسليحاً وتدريباً لقائد مليشيات شرق ليبيا اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وعلى رأسها مصر والإمارات وروسيا، مع استمرار تعثر الأخير عسكرياً واستراتيجياً، وفشله في تحقيق مساعيه للسيطرة على طرابلس.

وأضافت المصادر أن الموقف المصري بشأن خطة ألمانيا للمؤتمر، الذي لم يُعلَن عنه رسمياً حتى الآن، لكن السيسي أبلغه لوزير الخارجية الألماني نهاية الشهر الماضي، يرتكز على ضرورة استبعاد جميع التيارات الإسلامية من المشهد السياسي الليبي قبل الدخول في أي مفاوضات، وكذلك اعتبار مليشيات حفتر جيشاً نظامياً، ورفع حظر التسليح عنه.

وبحسب المصادر، فإن السيسي متحفظٌ حالياً على الهدف الأول المعلن من المؤتمر، وهو الوقف الفوري لإطلاق النار، فضلاً عن تنافر موقفه مع الهدف الثاني (بحسب ما أعلنت عنه برلين والمبعوث الدولي غسان سلامة)، والذي يتمثل في خلق آلية تمكن لجنة العقوبات من محاسبة الدول المزودة للأطراف المتصارعة بالسلاح وتجار السلاح. ويأتي هذا الهدف في ظلّ شواهد وتقارير دولية عدة، تؤكد تزايد خرق قرار حظر التسليح في ليبيا، علماً أن ألمانيا نفسها هي رئيسة لجنة العقوبات في مجلس الأمن الدولي، وبالتالي لديها الفرصة لإدارة تلك الآلية. 


وفي العلن والمحافل الدولية، يتحدث المسؤولون المصريون، وعلى رأسهم السيسي، عن مسؤولية المجتمع الدولي في مواجهة انتهاكات قرارات مجلس الأمن، وتقديم الدعم السياسي والأيديولوجي واللوجستي من سلاح وعتاد لتنظيمات إرهابية. كذلك يحمل المصريون المجتمع الدولي مسؤولية تكريس فوضى المليشيات، وحرمان الشعب الليبي من السيطرة على مقدراته وموارده، وضرورة عمل دول جوار ليبيا، وفي إطار الاتحاد الأفريقي ومع الأمم المتحدة، لدفع جهود التسوية في هذا البلد، انطلاقاً من الاتفاق السياسي، ومواجهة التدخلات الخارجية المرفوضة شكلاً ومضموناً، وإنهاء حالة الانسداد السياسي وتغليب الأهواء الشخصية والضيقة على المصالح الوطنية.   

لكن على صعيد آخر، يؤكد الرئيس المصري تحديداً، في لقاءات سياسية عديدة، كان آخرها خلال استقباله المتكرر لحفتر ورئيس البرلمان الموالي له عقيلة صالح، الصيف الماضي، ثبات موقف بلاده "الذي لم ولن يتغير" في دعم ما تصفه القاهرة بـ"الجيش الوطني الليبي" (في إشارة إلى مليشيات حفتر)، في "حملته للقضاء على العناصر والتنظيمات الإرهابية". 

وأوضحت المصادر أن الخارجية الألمانية تتولى حالياً فقط الاستعدادات الإجرائية لعقد المؤتمر، مثل التواصل مع العواصم المعنية، والاتفاق على عناوين المواضيع التي ستطرح، وشواغل الأطراف المختلفة. من جهتها، عهدت ميركل بالتحضير الفني والموضوعي للمؤتمر إلى فريق خاص بالمستشارية الألمانية برئاسة يان هيكر، مستشارها للشؤون الخارجية. وسبق لهيكر أن عمل في قضايا الشرق الأوسط إبان توليه إدارة تنسيقية شؤون اللاجئين بالمستشارية، ثم استقال من منصبه القضائي نهاية العام الماضي ليصبح مسؤولاً عن تنسيق المواقف الرسمية تجاه القضايا الخارجية.

واعتبرت المصادر تعيين هيكر دليلاً على جدية ميركل في عقد المؤتمر، وعزمها بذل كل ما في وسعها لتلافي تكرار التجربتين السابقتين لعقد مؤتمر دولي حول ليبيا، في باريس وباليرمو، وبالطبع مشروع المؤتمر الأممي الذي كان مقرراً عقده في إبريل/نيسان الماضي، وتم إفشاله بسبب عدوان حفتر على العاصمة.

وأشارت المصادر إلى وجود نقطة أخرى خلافية تثير تحفظ الخارجية المصرية، وهي ما إذا كان مؤتمر برلين سيوجه دعوة لقادة الطرفين الأساسيين المتنازعين، حفتر ورئيس حكومة الوفاق فايز السراج. وتسود رؤية في برلين لاستبعاد جميع القادة المحليين من المؤتمر لتفادي التأثير السلبي على المناقشات، بينما ترى الخارجية المصرية أن هذا الاستبعاد سيقلل جدية مخرجات اللقاء.

أما الأمر الذي يرحب به السيسي بشدة، فهو المشاركة الأميركية، التي من المنتظر أن تكون كبيرة ومتميزة في الفعاليات. وترحب القاهرة بالحضور الأميركي لاستكمال الجهود التي سبق أن بذلتها للحصول على مباركة أميركية رسمية لتحركات حفتر، قبل انعقاد قمة الدول السبع الكبرى في فرنسا نهاية أغسطس/آب الماضي. وحاول السيسي نفسه آنذاك إقناع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب باتخاذ خطوات أكثر فعالية لدعم حفتر، والبناء على التواصل الذي جرى بين ترامب واللواء الليبي المتقاعد بوساطة مصرية قبيل بدء حملة الأخير على طرابلس. 

وعلى الرغم من أن واشنطن دعت يوم الجمعة الماضي حفتر لوقف هجماته على طرابلس، وذلك في بيان صدر بعد اجتماع بين ممثلين لحكومة الوفاق، المعترف بها دولياً، ومسؤولين أميركيين، في واشنطن، إلا أن ذلك جاء على خلفية تقارير عن قتال مجموعات مرتزقة روسية في صفوف مليشيات حفتر. وحذر البيان مما وصفه "استغلال روسيا للصراع ضد إرادة الشعب الليبي".

وكان ترامب قد تواصل مع حفتر في في إبريل الماضي. ونقل البيت الأبيض آنذاك "إشادة" الرئيس الأميركي بدور اللواء الليبي المتقاعد "في الحرب على الإرهاب". وبعد أشهر، ذكرت تقارير صحافية أميركية أن ترامب أصابه فتور تجاه حفتر بسبب فشل الأخير في السيطرة على طرابلس، في خيبة أمل قريبة من تلك التي سيطرت على العلاقة بين الإمارات وحفتر بسبب عجزه عن تنفيذ خططها وإساءة استخدام مساعداتها العسكرية له. وشكلّت هذه الخيبة موضع بحث مرات عدة بين ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، والرئيس المصري، بحسب ما كشفت مصادر مصرية لـ"العربي الجديد" في تقارير سابقة.

وسبق لكل من مصر وإيطاليا والإمارات وفرنسا دراسة مشاريع عقد مؤتمرات كبرى بشأن ليبيا هذا العام، لكن اختلاف الأهداف بين هذه الدول الأكثر التصاقاً بالوضع الليبي، أجهض جميع تلك الأفكار، بما فيها مقترح عقد مؤتمر في مصر يتم استبعاد ممثلي تيارات الإسلام السياسي منه.

وقدمت مصر لحفتر منذ بدء حملته على طرابلس في إبريل الماضي مساعدات عديدة على أكثر من مستوى، من مدّ يد العون بالمعلومات الاستخبارية، والإمدادات الغذائية واللوجستية ومواد الإعاشة خاصة في فترة شهر رمضان والصيف، إلى تدريب العناصر الجديدة على أيدي ضباط مصريين في معسكرات بصحراء غرب النيل بمحاذاة الحدود بين البلدين، فضلاً عن تعزيز المساعدات التسليحية، خصوصاً الذخيرة وقطع الغيار.