مؤتمر القاهرة الدولي.. نواة لتأسيس المشترك

08 نوفمبر 2015
كسر المؤتمر الحاجز بين التيارات السياسية المختلفة (مواقع التواصل)
+ الخط -
يظن بعضهم أن ثورة الخامس والعشرين من يناير جاءت عفوية بشكل كامل وجاءت نتيجة تفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي من بعض الشباب، وأن الرموز الشبابية التي ظهرت مع الثورة كائتلاف شباب الثورة أو غيره هي وليدة الصدفة البحتة، وهذا الحديث ربما ينسحب أيضاً على بعض الرموز الإعلامية والسياسية التي ظهرت عقب الثورة، ولكن الحقيقة غير ذلك فهذه الرموز التي قادت الحراك الثوري وكانت معبرة عنه (في أقل تقدير) لم تأت من فراغ، بل كانت هناك مجهودات وفعاليات أثرت وعي المجموعات السياسية والثقافية المصرية بشكل عام، والشبابية منها بشكل خاص.

ومن هذه الفعاليات التي شكلت وعياً لدى المجموعات النشطة سياسياً، سواء كان وعياً بقضايا الأمة بشكل عام أو بقضايا الوطن بشكل خاص، "مؤتمر القاهرة الدولي ضد الصهيونية - ضد الإمبريالية" والذي جاء أول انعقاد له في عام 2002 عقب أحداث مهمة في مطلع الألفية وهي الانتفاضة الفلسطينية والاحتلال الأميركي للعراق، فجاءت الفكرة من مجموعة من النشطاء السياسيين في مصر لدعم المقاومة بشكل مبتكر، وكانت فكرة مؤتمر دولي يقام في القاهرة وتدعى إليه المقاومة ومناصروها من كل أنحاء العالم، بالإضافة إلى رافضي الاستعمار الصهيوني والأميركي لفلسطين والعراق.

لذلك شهد المؤتمر حضور شخصيات عالمية مثل النائب البريطاني جورج غالاوي، ورموز المقاومة مثل أسامة حمدان (ممثل حماس في لبنان)، وقد بدأ المؤتمر في عامه الأول بتنسيق بين مجموعات يسارية وفي مقدمتها حركة الاشتراكيين الثوريين ومجموعات من القوميين وفي مقدمتهم حزب الكرامة (تحت التأسيس في ذلك الوقت) وشهد مؤتمر الافتتاح حضوراً رمزياً لرموز الأحزاب والتيارات السياسية المختلفة، ولكن العام الثاني للمؤتمر شهد تطوراً مهماً، فقد قام المنظمون بإضافة إلى المؤتمر، وهي عقد ما أطلق عليه منتدى القاهرة الاجتماعي على هامش المؤتمر، وخصص منتدى القاهرة لمناقشة قضايا الداخل المصري، فكانت الجلسات الصباحية تناقش قضايا الأمة (استعمار - عولمة - مقاومة - ..إلخ) وجلسات المساء تناقش قضايا الداخل وقد تم التعامل مع قضايا الداخل بشكل مختلف، فكانت كل جلسة تناقش قضايا فئةٍ ما من المجتمع، فهناك جلسات للعمال تحت عنوان منتدى العمال، وأخرى للمرأة وهكذا..

ولكن نقطة التحول في المنتدى كانت منتدى الطلاب، وهو المنتدى الذي سيخرج فيما بعد كل رموز ثورة 25 يناير؛ فبدخول الطلاب بحماسهم وإبداعهم يتغير المشهد (يذكر أن البداية كانت من طلاب جامعة القاهرة) ليقرروا ألا يكتفوا بالمنتدى وأن يقيموا معارض على هامش المؤتمر في بهو نقابة الصحافيين، والتي كان لها فضل استضافة مؤتمر القاهرة وفعالياته التي استمرت سنوات عدة، وتنوعت بين معارض لوحات تدعم المقاومة، ومعارض تحكي عن الحراك في الداخل المصري، والذي يزداد مع عام 2004 إلى معارض تحكي نضال الطلاب إلى عروض أفلام أو كتب يعبر بها كل فصيل عن أفكاره؛ فهذه طاولة طلاب "الإخوان" والأخرى طاولة طلاب "الاشتراكيون" وهذه للقوميون وهكذا، ليعطوا شكلاً ومضموناً جديدين للمؤتمر.

ومع العام الثالث للمؤتمر والثاني للمنتدى ازداد حضور القوى والرموز السياسية العالمية والمحلية، وأضيفت منتديات جديدة تعالج قضايا مهمة، مثل منتدى "ضد التمييز" والذي بحث العلاقة بين المسلمين والأقباط في مصر، كما أضيفت فعالية أخرى، وهي إقامة ندوات في القاعات الصغرى (أربع قاعات - يعقد في كل قاعة أربع ندوات على الأقل، على التوالي، وعلى مدار يومين) بشكل موازٍ مع عقد جلسات المؤتمر والمنتدى.

وكان يوكل لكل فصيل سياسي مشارك إدارة عدد من الندوات بالإضافة إلى إدخال مجموعات من المستقلين أو المجتمع المدني لتدير بعض الندوات، وكانت الندوات أكثر تخصصية من المنتدى العام، فعلى سبيل المثال كان منتدى الطلاب يناقش القضايا الطلابية ومشاكل الطلاب خلال العام، بينما تناقش الندوات مثلاً اللائحة الطلابية وعيوبها، وهذه الندوات حاضرت فيها تقريباً كل الرموز السياسية في مصر، وغالبية أساتذة الجامعات والمتخصصين في المجالات المختلفة (سياسية واجتماعية واقتصادية وبحث علمي ..إلخ).

وبالإضافة إلى المؤتمر والمنتدى والندوات والمعارض، كان هناك ما هو أهم، وهو الحوار الذي يستمر مدة أربعة أيام في صالونات نقابة الصحافيين بين السياسيين والمتخصصين من ناحية، وبين الشباب والطلاب الحضور (الذين كانوا يشكلون أغلبية الحضور) والحوار فيما بين شباب التيارات المختلفة.

كسر المؤتمر الحاجز بين التيارات السياسية المختلفة وساعدها في التعرف إلى بعضها بعضاً وقد تعدى الأمر الحوار إلى العمل المشترك، فكل منتدى كان يمثل فيه التيارات المختلفة من الفئة الخاصة بالمنتدى، ليس فقط في الحديث على المنصة، ولكن أيضاً في التنظيم للمنتدى (فمنتدى العمال ينظمه اللجان العمالية بالأحزاب والحركات والتنظيمات المختلفة) بالإضافة إلى وجود لجنة تنظيمية تعقد قبل المؤتمر بثلاثة أشهر، ويمثل فيها كل الكيانات المشتركة في المؤتمر بمختلف توجهاتها مما خلف جواً من العمل المشترك بين القوى السياسية المختلفة، ليس فقط على المستوى القيادي، ولكن أيضاً على مستويات مختلفة ومتنوعة، وهو أمر لم يحدث في مصر قبل هذا الحدث.

تبادل الخبرات
كان يتم تبادل الخبرات على مستويات عدة، بين الأجيال المختلفة وبين المحافظات المختلفة وبين الجامعات وبين التيارات السياسية، والأهم بين حركات المقاومة في عالمنا العربي وحركات الاحتجاج في العالم، والاستفادة من خبراتها، مثل حركة "أوقفوا الحرب" وهو ما شكل خبرات مكتسبة لكثير من المجموعات الشبابية استفادت منها في الحراك الذي بدأ منذ عام 2004 ضد نظام مبارك.

ملاحظات:
- النسخة الأولى من المؤتمر كانت عام 2002 وعقدت في فندق كونراد، تحت عنوان "مؤتمر القاهرة لمناهضة الحرب"، ووجهت الدعوة باسم "المجموعة المصرية داخل الحملة الدولية لمناهضة الحرب ضد العراق".

- استضافت نقابة الصحافيين النسخ المختلفة من مؤتمر القاهرة تحت عنوان "مؤتمر القاهرة الدولي.. تحت شعار (مع المقاومة - ضد الصهيونية - ضد الإمبريالية والعولمة)" بدءاً من النسخة الثانية وحتى النسخة السادسة، وعلى هامشه منتدى القاهرة الاجتماعي الأول وحتى الخامس.

- عقد المؤتمر الأول في الفترة من 17 إلى 19 ديسمبر/كانون الأول 2002 بينما عقد المؤتمر في نسخه الأخرى في نهاية شهر مارس/آذار من الأعوام 2003 وحتى 2008.

- منعت السلطات المصرية إقامة المؤتمر السابع في موعده وتم التضييق على الضيوف الأجانب برفض إعطاء التأشيرات وتوقيف بعضهم في المطار، فلم يتم عقد المؤتمر في 2009.

- أصر الطلاب رغم عدم انعقاد المؤتمر على عقد منتداهم الطلابي السنوي، وعقد المنتدى مدة عامين بعد المؤتمر، فعقد المنتدى الطلابي السادس 2009 والسابع 2010 ثم قامت الثورة عام 2011.

- أبرز القوى المنظمة للمؤتمر هم: الاشتراكيون الثوريون - الحزب الشيوعي المصري - حزب الكرامة - الإخوان المسلمون - حزب العمل - حزب الوسط، بالإضافة إلى النقابات المهنية وأبرزها نقابتا الصيادلة والمهندسين، والحركات النقابية والعمالية والطلابية ومجموعات المجتمع المدني، والتي وصلت أحياناً إلى ثلاثين حركة ومنظمة وحزباً، ومن الملاحظ أن الجهات المشاركة كانت تمثل كل طوائف المجتمع، وكان الحضور في أغلبه للتيار اليساري والتيار القومي (الناصري)، وللتيار الإسلامي، ومع حضور رمزي (على مستوى الطلاب) للتيار الليبرالي.

*وفي الختام كانت هذه محاولة سريعة للتعريف والتوثيق لدور مؤتمر القاهرة الدولي في صنع الحراك المصري الثوري ودعم المقاومة في البلدان العربية وتشكيل وعي المجتمع المصري بقضاياه المصيرية، وبالطبع كان وراء هذا المجهود رجال ونساء، هم جنود مجهولون لا يتسع الوقت والمكان لذكرهم. فكل الشكر والتحية لهم وكل العذر لعدم ذكر أسماء.

(مصر)
المساهمون