تشهد حركة "النهضة" التونسية، منذ أشهر، خلافات داخلية بسبب موعد المؤتمر الـ11 للحزب، مع الاتجاه نحو تأجيل جديد على وقع تفشي وباء كورونا واستحالة التجمع، في ظلّ منع السلطات التونسية مختلف الأنشطة السياسية والحزبية في البلاد. وتزايدت مؤشرات تأجيل مؤتمر "النهضة" الذي كان متوقعاً في مايو/أيار المقبل، مع تواصل الحجر الصحي وإقرار مجلس الأمن المركزي تمديده إلى شهر مايو المقبل، ما زاد الصعوبات أمام انعقاد المؤتمر في موعده، في غياب التحضيرات المعتادة للحركة. في السياق، أكد القيادي في "النهضة" النائب أسامة الصغيّر، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الوضع الراهن الذي تعيشه البلاد يتسم بكثير من الضبابية وعدم الوضوح، وأن تفشي وباء كورونا أحدث نقلة نوعية في سلّم اهتمامات الدولة وحتى داخل الأحزاب، معتبراً أن كل الجهود المبذولة الآن، سواء من قبل الكتلة البرلمانية للحركة أو داخل هياكل الحزب، تتجه نحو معاضدة دور الحكومة ودور الدولة في مواجهة هذه الأزمة.
ونوّه الصغيّر إلى أن مسألة عقد المؤتمر الحادي عشر للحركة لم تطرح بتاتاً خلال هذه الفترة، ولم يتم النظر فيها مطلقاً، على الرغم من أن الحركة لم تعلّق أشغالها ولا أشغال مؤسساتها، ولكن كل الاجتماعات التي عُقدت في مؤسسات الحركة موجّهة نحو مساندة جهود الدولة في مكافحة الوباء. ورأى أن صعوبة الوضع الراهن في البلاد حالت دون التطرق إلى أي ملف آخر، مرجحاً أن تظهر الأسابيع المقبلة بشكل أوضح تطور الوباء في تونس، وبناء عليه يمكن للحركة أن تنظر في ملفاتها الداخلية. وذكر أن أحداً لم يتوقع تدهور الوضع بهذا الشكل، والحركة لم تضع في اعتبارها وجود أزمة بهذا الحجم يمكن أن تحدث تغييراً كبيراً في أجندات كل الأحزاب في العالم، ليس فقط داخل "النهضة".
مع العلم أن "النهضة" غرقت أخيراً في خلافات داخلية عديدة، أبعدت عدداً من قياداتها إلى خارج دائرة القرار وأدت بآخرين إلى الاستقالة بسبب معارضتهم خيارات زعيم الحزب راشد الغنوشي، وآخرهم القيادي البارز عبد الحميد الجلاصي، وذلك نتيجة تراكم الملفات منذ الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول الماضيين، ثم تشكيل الحكومة، وصولاً إلى تسيير الحزب بعد تولي الغنوشي رئاسة البرلمان.
وارتفعت حدة الصراع داخل "النهضة" مع اقتراب المؤتمر، ما أدى إلى بروز تيارين، كشفتهما التصريحات الصحافية لقادة "النهضة"، وكل تيار منهما يعبّر عن توجّه، ويمكن وضعهما بين خط المؤسس راشد الغنوشي، وخط ثان من المعارضين لسياسته والراغبين في التغيير بعد انتهاء حقبته على رأس الحركة. مع العلم أن "النهضة" شهدت قبل مؤتمريها التاسع (2012) والعاشر (2016) تجاذبات داخلية أيضاً.
في هذا الإطار، قال القيادي في "النهضة" محمد القوماني، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن "الجميع حاول التدارك من خلال الإجراءات الاستثنائية ومنح التفويض للحكومة لسنّ إجراءات استثنائية في البرلمان، وغيرها من الإجراءات التي تتناسب مع الحجر الصحي، والنهضة كفريق رئيسي في البلاد، معنية بالتكيف مع الوضعية الجديدة لمجابهة كورونا وما بعدها. ومن المنتظر أن يعقد مجلس شورى الحركة دورة تعتمد التواصل عن بعد، من أجل البت في جملة من القضايا، وعلى رأسها عقد المؤتمر، وأساليب قيادة الحركة في الفترة المقبلة".
وأضاف القوماني أنه "في مراحل الأزمات تبرز أدوار الأحزاب في مساندة جهود الحكومة والمساهمة في رفع المعنويات وتقديم الخدمات، والنهضة مشاركة رئيسية في الحكم ووزراؤها يتحملون مسؤوليات في وزارات المواجهة، على غرار النقل والصحة والتجهيز، لذلك عليها أن تحسم أمرها وتلعب أدوارها المطلوبة منها". وشدّد على أن "عقد المؤتمر قائم وضروري، ومن الممكن أن تؤجله الأزمة بضعة أشهر"، مشيراً إلى أنه "كان من المفترض أن يعقد في شهر مايو، ولكنه قد يعقد في وقت لاحق من هذا العام أو في العام المقبل. وقد يكون هذا الوضع هو الأنسب لحركة تريد أن تلعب أدواراً مختلفة ومتميزة بعد انجلاء أزمة كورونا، في بلاد ستواجه انكماشاً اقتصادياً غير مسبوق وفق توقعات صندوق النقد الدولي، ومطالب اجتماعية قوية، إضافة إلى صعوبات اقتصادية تعيشها حالياً".
واعتبر القوماني أن على "حركة النهضة أن تعجّل بعقد مؤتمرها بعد ما عاشته من خلافات واستقالات، وهي فرصة لتحصين الجسم الحزبي وإدخال جرعة جديدة تناسب التطور الحاصل في العالم". وتابع: "مجلس الشورى هو صاحب القرار ولم يبت بعد في هذا الموضوع، لذلك لا يمكن الحديث عن تأجيل أو سيناريوهات أخرى لا وجود لها إلا في أذهان أصحابها". وذكر مراقبون أن مسألة خلافة الغنوشي في الحركة هي سبب التأجيل الرئيسي، في وقت لم يتضح بعد ما إذا كان الرجل مستعداً لمغادرة رئاسة "النهضة" أم لا. ولم تكشف الحركة عن الآليات القانونية في منحه ولاية جديدة، خصوصاً بالعودة إلى إجابة الغنوشي السابقة لـ"العربي الجديد"، حول مواصلة رئاسة حركة "النهضة" قائلاً إن ذلك سيحدد بناءً على المصلحة العامة ومصلحة البلاد ومصلحة الحركة. ما يعني أنه لن يتنحى آلياً، بل سيطرح الأمر للنقاش داخل الحركة.
ورأى المحلل محمد الغواري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن وباء كورونا ساهم في تمديد عمر القيادة الحالية لـ"النهضة" وولاية الغنوشي، مشيراً إلى أن هذا الوباء كان بمثابة الضارة النافعة للزعيم التاريخي للحركة، الذي لا يبدو متحمساً لعقد المؤتمر أو ترك رئاسة "النهضة". وأضاف الغواري أنه من الطبيعي أن تتجه أنظار المتابعين جميعاً إلى مؤتمر "النهضة"، لكونها الأكبر عددياً في البرلمان وفي الحكومة، إلى جانب ميزتها التنظيمية وانتشارها الشعبي، ما يجعلها متصدرة للمشهدين الحزبي والسياسي في تونس، من دون منازع.