مأساة النازحين في طرابلس

23 ابريل 2019
المدنيون متأثرون بجولات القتال (حازم تركية/ الأناضول)
+ الخط -
ما زالت الأزمة الإنسانية التي خلقتها الحرب القائمة في العاصمة الليبية طرابلس تتسع، وسط تزايد في أعداد القتلى والنازحين من مناطق الاشتباكات، جنوبي العاصمة. وفي آخر إعلانات منظمة الصحة العالمية، فإنّ عدد ضحايا المعارك ارتفع إلى 254 قتيلاً، و1228 جريحاً. لكنّ بيانا آخر للمنظمة، السبت الماضي، يوضح بشكل مباشر تأثير الحرب على المدنيين، فمن بين قتلى الحرب 18 مدنياً وعشرات المصابين.

في المقابل، تؤكد تصريحات قادة قوات حكومة الوفاق، التي تسيطر على طرابلس، ابتعاد محاور القتال إلى القطاعات الجنوبية للعاصمة وسيطرتها على مناطق التوتر في وادي الربيع وعين زاره شرقاً والسواني والزهراء غرباً. مع ذلك، فإنّ الأوضاع الإنسانية ما زالت في أسوأ مستوى، وسط استمرار عمليات نزوح السكان من منازلهم.




وفي آخر إعلانات جهاز الهلال الأحمر الليبي، جرى إجلاء 34 أسرة من مناطق الاشتباكات، آخرها أسرتان من حي خلة الفرجان وحي عين زاره. وأشار الجهاز إلى أنّ عمليات الإجلاء مستمرة بسبب وجود أسر عالقة داخل تلك المناطق. وتزداد أحوال سكان المناطق الجنوبية سوءاً، لا سيما بعد انتقال عمليات القتال الحالية إلى مناطق الساعدية وسوق الخميس، جنوبي العاصمة، فيما لا يعرف حتى الآن عدد النازحين من تلك المناطق إلى المناطق المجاورة لطرابلس، بسبب عدم دخولها في الإحصاءات الرسمية لحكومة الوفاق.

ومع ازدياد عدد النازحين، لجأت وزارة شؤون اللاجئين والنازحين بالحكومة إلى توزيع النازحين على بلديات ومناطق جوار العاصمة، وتوفير مراكز لإيوائهم ممثلة في مقرات حكومية ومدارس. ويؤكد مسؤولو البلديات أنّ جهودهم في إيواء النازحين لم تتلقَ أي دعم من الحكومة بعد.

تعتبر منطقتا عين زاره ووادي الربيع أكثر مناطق العاصمة تضرراً بالحرب إذ شهدتا أشرس المعارك بين قوات الحكومة وقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وبحسب التقديرات الحكومية فإنّ أكثر من 12 ألفاً من سكان المنطقتين غادروهما. وأعلنت بلدية عين زاره عن إنشاء مخازن إغاثية للدواء والغذاء، وتأسيس لجنة أزمة لمتابعة أوضاع نازحي المنطقة داخل أحياء طرابلس. وبحسب توضيحات رئيس البلدية، عبد الواحد بلوق، فإنّها تسعى لجمع التبرعات، وأقدمت على فتح بعض أجزاء مبنى جامعة "ناصر" لاستقبال النازحين. وقال بلوق إنّ لجنة الأزمة توزع يومياً أطناناً من المساعدات من خلال سلال غذائية وأغطية وأدوية وإعانات إنسانية أخرى. لكنّ بلوق اشتكى من تزايد أعداد النازحين وعدم كفاية مقرات الإيواء، فمباني الجامعة المخصصة للإيواء لم تعد تتسع لمزيد من النازحين. وأكد أنّ هناك تقصيراً حكومياً ودولياً في تقديم المساعدة للنازحين، وقال: "بعض المنظمات الدولية قدمت إعانة لا تذكر من الدواء والغذاء فقط لتسجل نفسها ضمن المتبرعين" مؤكداً أنّ الإغاثات التي تقدمها البلدية مصدرها التجار والمتبرعون من رجال الأعمال. لكنّ تصريحات بلوق تحمل مخاوف أخرى تتمثل في أوضاع هؤلاء النازحين في مقرات البلدية إذا ما تطورت أوضاع الحرب واستمرت، فالبلدية بحسب تأكيده لا تتوفر لديها الإمكانيات لمساعدة النازحين لوقت أطول.

لا تختلف أوضاع النازحين في بلديات طرابلس الأخرى عن أوضاع نازحي عين زاره، فبلدية تاجوراء تستقبل نازحي منطقة وادي الربيع في مقرات حكومية من بينها مقر لمصنع متوقف عن العمل. وتؤكد منشورات بلدية تاجوراء على صفحتها الرسمية عدم صلاحية مقر المصنع لعيش النازحين، مؤكدة أنّ الحلّ مؤقت ولن يستمر أكثر من شهر على الأكثر.

وتتفق مطالب بلدية تاجوراء مع بلدية عين زاره في ضرورة أن توفر الحكومة مراكز لائقة بسكن النازحين، وإمدادات غذائية ودوائية كافية لتلبية الأوضاع الإنسانية.

تأثيرات الحرب لم تتوقف عند حد تهجير السكان، فمصابو الحرب من المدنيين يمثلون جانباً آخر من تلك المعاناة، إذ أكد تقرير منظمة الصحة العالمية الأخير، على أنّ الأطقم الطبية في ليبيا أجرت 152 عملية جراحية لمصابي الحرب من المدنيين من بينها عمليات جراحية كبرى استهدفت إنقاذ حياة بعض المصابين بإصابات بليغة، من جراء المعارك الأخيرة في العاصمة طرابلس.



بدورها، أكدت الشركة العامة للكهرباء في ليبيا، تمكن فرق الصيانة من إعادة التيار الكهربائي إلى أربعة أحياء في جنوب العاصمة، فيما أطلقت جهوداً لحصر الأضرار داخل المناطق التي تمكنت قوات الحكومة من السيطرة عليها أخيراً، وتحديداً منطقة عين زاره التي شهدت مواجهات عنيفة أدت إلى انقطاع الكهرباء لأكثر من أسبوعين.