قررت الحكومة الجزائرية وضع الشركات العمومية في المزاد أمام القطاع الخاص، لتوفير الأموال التي كانت تتكبدها الخزينة العمومية سنويا لإبقائها على قيد الحياة "اقتصاديا"، في خطوة ينتظر أن تثير المخاوف من فتح الأبواب أمام الكارتل المالي لاحتكار هذه الشركات من جانب، كما قد تثير غضبا عماليا في وجه حكومة أحمد أويحيى من جانب آخر.
وحذر خبراء اقتصاد وقوى سياسية في الجزائر مما وصفوه بتغول واحتكار عدد قليل من رجال الأعمال لمقدرات الاقتصاد الجزائري، على خلفية اتفاق بين الحكومة وهيئة رجال الأعمال وبمشاركة اتحاد العمال، يقضي بفتح رأس مال المؤسسات الاقتصادية الحكومية لصالح رجال الأعمال، وفي المقابل يرى رجال أعمال أن الخطوة جيدة وستساهم في إنقاذ الشركات العمومية من الإفلاس.
والإعلان الرسمي عن "تنازل" الحكومة الجزائرية عن المؤسسات العمومية لصالح المستثمرين الجزائريين كان بداية الأسبوع الجاري، حين وقعت الحكومة ومنتدى رؤساء المؤسسات (أكبر تكتل لرجال الأعمال) وبحضور الاتحاد العام للعمال الجزائريين الذي احتضن الحدث، على ميثاق سمي "ميثاق الشراكة بين القطاعين العمومي والخاص"، تعهدت فيه الحكومة بتسهيل فتح رأسمال الشركات العمومية المتوسطة والصغيرة أمام القطاع الخاص على أن تتسع العملية لتشمل الشركات الكبرى مستقبلا، شرط أن يلتزم الشريك الخاص بضخ استثمارات وعدم تسريح العمال وهو الشرط الذي وضعه الاتحاد العام للعمال الجزائريين.
وإلى ذلك قال الخبير الاقتصادي فرحات علي إن "ميثاق الشراكة ولد ميتًا، لأن المؤسسات العمومية تعاني من مشاكل مالية وديون لدى الخزينة العمومية، أما القطاع الخاص فهو مديون للبنوك الجزائرية، فكيف يمكن أن تكون الشراكة بين طرفين مفلسين، إلا إذا كانت الحكومة تقصد كبار رجال الأعمال المقربين من السلطة (الكارتل المالي) فهم وحدهم من يملكون المال والسلطة للاستحواذ على الشركات العمومية".
وأشار نفس المتحدث لـ "العربي الجديد" أن "المادة 2 من الميثاق تسند للبنوك مهمة تمويل تلك الشراكة ليصبح الحديث عن شراكة من ثلاثة أقطاب، وهي القطاع الخاص والعمومي والبنوك وعمليا ليس بالإمكان بناء مشروع من هذا النوع".
ويوضح علي أنه "بناء على نص الميثاق لا يمكن قيام أية شراكة قبل سنتين أو ثلاث سنوات على أقل تقدير، وذلك بالنظر إلى إجراءات الشراكة التي تعيد كل المسار إلى البيروقراطية المتمركزة في دواليب السلطة. بالخصوص "مجلس مساهمات الدولة" المالك الرئيسي لرأس أموال المؤسسات العمومية والذي يحق له التنازل عن 66 % من رأس المال، وهو ما لا يمكن حدوثه لأن الأمر يتعلق بمئات المؤسسات".
واستندت الحكومة الجزائرية على المادة 62 من قانون الموازنة العامة لسنة 2016 التي تلزم "المؤسسات العمومية الاقتصادية التي تنجز عمليات شراكة عن طريق فتح الرأسمال الاجتماعي لفائدة المساهمة الوطنية المقيمة، الاحتفاظ بنسبة 34 % من مجموع الأسهم والحصص الاجتماعية، على أن تذهب 66 % المتبقية للمساهم المقيم الذي يحق له التقدم بشراء كامل الأسهم بعد مرور 5 سنوات".
وبرر رئيس الحكومة الجزائري أحمد أويحيى هذا التوجه الاقتصادي الجديد، بالقول في تصريحات صحافية عقب اللقاء إن "الدولة لن تضيع المزيد من الوقت والمال في تسيير المطاحن وشركات أخرى، بل عليها تركيز جهودها في دعم الملفات الكبرى الأكثر أهمية كترقية قطاع الصحة والسكن".
من جانبه قال الخبير الاقتصادي والمستشار السابق للحكومة الجزائرية عبد الرحمن مبتول إن "الحديث عن الشراكة بين القطاعين العام والخاص، هو عودة للحديث عن الخصخصة التي كانت قد طرحتها الحكومة منذ سنوات، وفشلت فيها".
وأشار نفس المتحدث لـ "العربي الجديد" إلى أن "المؤسسات الخاصة تستهدف كل مؤهلات القطاع العام، بما فيها المنشآت وآليات الإنتاج وبالخصوص الأوعية العقارية التي يحتاجها القطاع الخاص القوي، والحكومة أصبحت غير قادرة على تمويل القطاع العام، وبالتالي قررت أن ترمي به لرجال الأعمال للتكفل بتسييره، لكن السؤال المهم هنا هو: هل المؤسسات الخاصة المتقدمة للشراكة تملك مؤهلات الشراكة؟".
ويسود قلق سياسي وعمالي من توسع هيمنة الكارتل المالي وتقاطعه مع أطراف نافذة في السلطة، خاصة بشأن علاقة عدد من رجال الأعمال مع الأحزاب الحاكمة وشخصيات نافذة في السلطة، وكان ذلك سببا في إقالة رئيس الحكومة السابق عبد المجيد تبون في أغسطس/ آب الماضي، بسبب رفضه توسع تواجد الكارتل المالي في المشهد السياسي.
ووصف القيادي في حركة مجتمع السلم نصر الدين حمدادوش القرار بأنه صدر من أقلية تقرّر مصير الجزائريين.
وأضاف: "بالرغم من الشرعية المعطوبة للسلطة، والتي لا تستند إلى أغلبية وشرعية وفق إرادة شعبية حقيقية، والتي لا يمثّل فيها أحمد أويحيى الأغلبية، وبالرغم من أزمة التمثيل النقابي في الاتحاد العام للعمال الجزائريين، والتي لا يمثّل فيها الأغلبية من العمال، وبالرغم من كون منتدى رؤساء المؤسسات، لا يمثّل أغلبية رجال الأعمال في الجزائر، إلا أنّ هذه الأقلية تقرّر خصخصة المؤسسات الاقتصادية العمومية".
وأوضح حمدادوش أن هذا الموقف "ليس موجها ضد رجال الأعمال، بل ضدّ فئةٍ قليلة، تغوّلت على مؤسسات الدولة، واحتكرت سوق المال والأعمال لصالحها دون غيرها". ووصف حزب العمال اليساري الخطوة التي أقدمت عليها الحكومة بالخطيرة، والتي من شأنها أن تفتح الباب لما اعتبره القيادي في الحزب جلول جودي مزيدا من هيمنة الأوليغارشية المالية على الاقتصاد ومقدرات البلاد. كما عبرت جبهة الحكم الراشد أيضاً عن رفضها للقرار الحكومي.
وتتخوف القوى السياسية المعارضة في الجزائر من تكرار السياسات خصخصة المؤسسات العمومية التي جرت في التسعينات من قبل حكومة كان يقودها رئيس الحكومة الحالي أحمد أويحيى، انتهت إلى افلاس تام لهذه المؤسسات التي تم بيعها بالدينار الرمزي، وأدت لتسريح 130 ألف عامل خسروا مناصبهم خلال تلك الفترة.
وفي المقابل، قال رجل الأعمال محمد باريري عضو بمنتدى رؤساء المؤسسات لـ "العربي الجديد" إن "هذا يوم التوقيع على الميثاق تاريخي للاقتصاد الجزائري، الآن مصيرنا بين أيدينا وعلينا العمل لإخراج الجزائر من الأزمة المالية".
وأضاف باريري: "اليوم نحن في اقتصاد السوق الذي لا يفرق بين شركة عمومية وأخرى خاصة، بل يعترف بالشركة الناجحة وفقط". ولفت نفس المتحدث إلى أنه "لا يمكن أن تواصل الحكومة ضخ أموال في شركات عمومية مفلسة أو غير مربحة، من أموال الضرائب التي ندفعها نحن".
اقــرأ أيضاً
وحذر خبراء اقتصاد وقوى سياسية في الجزائر مما وصفوه بتغول واحتكار عدد قليل من رجال الأعمال لمقدرات الاقتصاد الجزائري، على خلفية اتفاق بين الحكومة وهيئة رجال الأعمال وبمشاركة اتحاد العمال، يقضي بفتح رأس مال المؤسسات الاقتصادية الحكومية لصالح رجال الأعمال، وفي المقابل يرى رجال أعمال أن الخطوة جيدة وستساهم في إنقاذ الشركات العمومية من الإفلاس.
والإعلان الرسمي عن "تنازل" الحكومة الجزائرية عن المؤسسات العمومية لصالح المستثمرين الجزائريين كان بداية الأسبوع الجاري، حين وقعت الحكومة ومنتدى رؤساء المؤسسات (أكبر تكتل لرجال الأعمال) وبحضور الاتحاد العام للعمال الجزائريين الذي احتضن الحدث، على ميثاق سمي "ميثاق الشراكة بين القطاعين العمومي والخاص"، تعهدت فيه الحكومة بتسهيل فتح رأسمال الشركات العمومية المتوسطة والصغيرة أمام القطاع الخاص على أن تتسع العملية لتشمل الشركات الكبرى مستقبلا، شرط أن يلتزم الشريك الخاص بضخ استثمارات وعدم تسريح العمال وهو الشرط الذي وضعه الاتحاد العام للعمال الجزائريين.
وإلى ذلك قال الخبير الاقتصادي فرحات علي إن "ميثاق الشراكة ولد ميتًا، لأن المؤسسات العمومية تعاني من مشاكل مالية وديون لدى الخزينة العمومية، أما القطاع الخاص فهو مديون للبنوك الجزائرية، فكيف يمكن أن تكون الشراكة بين طرفين مفلسين، إلا إذا كانت الحكومة تقصد كبار رجال الأعمال المقربين من السلطة (الكارتل المالي) فهم وحدهم من يملكون المال والسلطة للاستحواذ على الشركات العمومية".
وأشار نفس المتحدث لـ "العربي الجديد" أن "المادة 2 من الميثاق تسند للبنوك مهمة تمويل تلك الشراكة ليصبح الحديث عن شراكة من ثلاثة أقطاب، وهي القطاع الخاص والعمومي والبنوك وعمليا ليس بالإمكان بناء مشروع من هذا النوع".
ويوضح علي أنه "بناء على نص الميثاق لا يمكن قيام أية شراكة قبل سنتين أو ثلاث سنوات على أقل تقدير، وذلك بالنظر إلى إجراءات الشراكة التي تعيد كل المسار إلى البيروقراطية المتمركزة في دواليب السلطة. بالخصوص "مجلس مساهمات الدولة" المالك الرئيسي لرأس أموال المؤسسات العمومية والذي يحق له التنازل عن 66 % من رأس المال، وهو ما لا يمكن حدوثه لأن الأمر يتعلق بمئات المؤسسات".
واستندت الحكومة الجزائرية على المادة 62 من قانون الموازنة العامة لسنة 2016 التي تلزم "المؤسسات العمومية الاقتصادية التي تنجز عمليات شراكة عن طريق فتح الرأسمال الاجتماعي لفائدة المساهمة الوطنية المقيمة، الاحتفاظ بنسبة 34 % من مجموع الأسهم والحصص الاجتماعية، على أن تذهب 66 % المتبقية للمساهم المقيم الذي يحق له التقدم بشراء كامل الأسهم بعد مرور 5 سنوات".
وبرر رئيس الحكومة الجزائري أحمد أويحيى هذا التوجه الاقتصادي الجديد، بالقول في تصريحات صحافية عقب اللقاء إن "الدولة لن تضيع المزيد من الوقت والمال في تسيير المطاحن وشركات أخرى، بل عليها تركيز جهودها في دعم الملفات الكبرى الأكثر أهمية كترقية قطاع الصحة والسكن".
من جانبه قال الخبير الاقتصادي والمستشار السابق للحكومة الجزائرية عبد الرحمن مبتول إن "الحديث عن الشراكة بين القطاعين العام والخاص، هو عودة للحديث عن الخصخصة التي كانت قد طرحتها الحكومة منذ سنوات، وفشلت فيها".
وأشار نفس المتحدث لـ "العربي الجديد" إلى أن "المؤسسات الخاصة تستهدف كل مؤهلات القطاع العام، بما فيها المنشآت وآليات الإنتاج وبالخصوص الأوعية العقارية التي يحتاجها القطاع الخاص القوي، والحكومة أصبحت غير قادرة على تمويل القطاع العام، وبالتالي قررت أن ترمي به لرجال الأعمال للتكفل بتسييره، لكن السؤال المهم هنا هو: هل المؤسسات الخاصة المتقدمة للشراكة تملك مؤهلات الشراكة؟".
ويسود قلق سياسي وعمالي من توسع هيمنة الكارتل المالي وتقاطعه مع أطراف نافذة في السلطة، خاصة بشأن علاقة عدد من رجال الأعمال مع الأحزاب الحاكمة وشخصيات نافذة في السلطة، وكان ذلك سببا في إقالة رئيس الحكومة السابق عبد المجيد تبون في أغسطس/ آب الماضي، بسبب رفضه توسع تواجد الكارتل المالي في المشهد السياسي.
ووصف القيادي في حركة مجتمع السلم نصر الدين حمدادوش القرار بأنه صدر من أقلية تقرّر مصير الجزائريين.
وأضاف: "بالرغم من الشرعية المعطوبة للسلطة، والتي لا تستند إلى أغلبية وشرعية وفق إرادة شعبية حقيقية، والتي لا يمثّل فيها أحمد أويحيى الأغلبية، وبالرغم من أزمة التمثيل النقابي في الاتحاد العام للعمال الجزائريين، والتي لا يمثّل فيها الأغلبية من العمال، وبالرغم من كون منتدى رؤساء المؤسسات، لا يمثّل أغلبية رجال الأعمال في الجزائر، إلا أنّ هذه الأقلية تقرّر خصخصة المؤسسات الاقتصادية العمومية".
وأوضح حمدادوش أن هذا الموقف "ليس موجها ضد رجال الأعمال، بل ضدّ فئةٍ قليلة، تغوّلت على مؤسسات الدولة، واحتكرت سوق المال والأعمال لصالحها دون غيرها". ووصف حزب العمال اليساري الخطوة التي أقدمت عليها الحكومة بالخطيرة، والتي من شأنها أن تفتح الباب لما اعتبره القيادي في الحزب جلول جودي مزيدا من هيمنة الأوليغارشية المالية على الاقتصاد ومقدرات البلاد. كما عبرت جبهة الحكم الراشد أيضاً عن رفضها للقرار الحكومي.
وتتخوف القوى السياسية المعارضة في الجزائر من تكرار السياسات خصخصة المؤسسات العمومية التي جرت في التسعينات من قبل حكومة كان يقودها رئيس الحكومة الحالي أحمد أويحيى، انتهت إلى افلاس تام لهذه المؤسسات التي تم بيعها بالدينار الرمزي، وأدت لتسريح 130 ألف عامل خسروا مناصبهم خلال تلك الفترة.
وفي المقابل، قال رجل الأعمال محمد باريري عضو بمنتدى رؤساء المؤسسات لـ "العربي الجديد" إن "هذا يوم التوقيع على الميثاق تاريخي للاقتصاد الجزائري، الآن مصيرنا بين أيدينا وعلينا العمل لإخراج الجزائر من الأزمة المالية".
وأضاف باريري: "اليوم نحن في اقتصاد السوق الذي لا يفرق بين شركة عمومية وأخرى خاصة، بل يعترف بالشركة الناجحة وفقط". ولفت نفس المتحدث إلى أنه "لا يمكن أن تواصل الحكومة ضخ أموال في شركات عمومية مفلسة أو غير مربحة، من أموال الضرائب التي ندفعها نحن".