مآسي سيناء في قصة عائلة يوسف زريعي سلمي

06 مارس 2015
وسّع الجيش عملياته في سيناء (عبد الرحيم الخطيب/الأناضول)
+ الخط -

تختفي مئات القصص والمآسي الإنسانية، وراء التعتيم الإعلامي الشديد على ما يجري في سيناء المصرية. ومع تصاعد وتيرة الحملة العسكرية التي يشنها الجيش المصري، منذ سبتمبر/أيلول 2013، أصبح التعرف إلى معاناة أبناء مدن وقرى المنطقة محفوفاً بالصعوبات والمخاطر، نتيجة هذا التعتيم. وللضحايا المدنيين عيّنات، منها قصة عائلة يوسف زريعي سلمي التي تنشر "العربي الجديد" بعض تفاصيلها على اعتبار أنها تجسيد لمعاناة عمرها 3 سنوات.

المشهد الأول

في 6 أغسطس/آب 2012، قام مجهولون باستهداف كمين للجيش المصري في رفح، وأسفر هذا الهجوم عن مقتل 16 جندياً من القوات المسلحة؛ وهي الجريمة التي عرفت إعلامياً في ما بعد بـ "مذبحة رفح الأولى". بدأ الهجوم الإعلامي وضرورة القصاص من القتلة المجرمين، وبكى أغلب أهالي سيناء على هؤلاء الجنود وانتقدوا هذا الفعل واستنكروه بشدة. من ضمن الذين استنكروا هذا العمل وبشدة، المواطن يوسف زريعي سلمي، مثله مثل أغلب أهالي سيناء.

يسكن يوسف في منطقة الجورة، جنوب مدينة الشيخ زويد، هو رجل يبلغ من العمر حوالي 60 عاماً، ليس له انتماء سياسي أو حزبي ولا ينتمي إلى أي جماعة مسلحة. نظراً لإعاقته في يده تقدم لوظيفة مخصصة لذوي الإعاقة، ونجح في الحصول على الوظيفة بعدما وصل عمره فوق سن الأربعين، وكان يعمل قبل ذلك في مشروعه الخاص الذي أقامه في منطقة الجورة. أصبح مشروعه الخاص مصدر دخل له ولابنيه محمد وعمار. كان قلقاً جداً على ابنه عمار نظراً لما يعانيه من بعض المشاكل في قواه العقلية، وكان حريصاً على تأمين مصدر دخل له. عمل الأب مع ولديه، واستطاع أن يجد لابنه عمار زوجة تهتم به، وتزوج ابنه الثاني محمد، وكلهم سكنوا في نفس المكان بجوار عملهم وبجوار أمهم (أم عمار). بعد "مذبحة رفح الأولى"، بدأت حملة عسكرية سميت آنذاك "بالعملية نسر"، وصفها مراقبون بأنها "متخبطة نوعاً ما في تحديد أهدافها"، ونتيجة لذلك تم استهداف جزء من منزل يوسف زريعي بصاروخ من الطائرات المصرية التي شاركت في العملية، ما تسبب بأضرار محدودة للبيت.

استطاع هذا المواطن أن يصل بصوته إلى العالم وإلى باقي المحافظات، ويعلن أنه بريء من أي منظمات إرهابية، وأنه تم استهداف بيته ظلماً وعدواناً، وتوالت عليه الصحافة والوكالات الإخبارية ليصل صوته إلى أعلى المستويات، ويتأكد للجميع أن الحملة العسكرية متخبطة في تحديد أهدافها، والدليل هذا المواطن المسن البريء من أي تهم. انتهت العملية "نسر" من دون تحقيق شيء، وبدأ الهدوء يعود مرة أخرى، وعاد يوسف زريعي إلى التركيز في عمله وحياته اليومية مع أولاده.

إقرأ أيضاً: مخاوف إسرائيلية من نقل قوات مصرية بسيناء للحدود الليبية

المشهد الثاني

بعد أحداث الثالث من يوليو/تموز 2013، وفي 19 أغسطس/آب 2013 تحديداً، حدثت "مذبحة رفح الثانية"، بعدها بدأت حملة عسكرية في سيناء هدفها المعلن هو "القضاء على الإرهاب".

في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2013، كان يوسف زريعي في طريق العودة إلى بيته في الجورة، ولكنه لا يعلم أن الحملة العسكرية كانت موجودة في بيته وأخذت ولديه محمد وعمار، وطلبوا من أمهم تسليم الأب نفسه إلى معسكر الزهور في الشيخ زويد. دخل الأب إلى البيت وجد الأم منهارة وتبكي على ولديها وأبلغته ما قاله الضابط. كان الأب في آخر علاجه من مرض السرطان بالإضافة إلى مرض السكر وإعاقة بيده، رغم كل هذا قرر الذهاب إلى معسكر الزهور لتسليم نفسه؛ وهو متأكد أنهم سيقدرون حالته الصحية وتقدمه في السن، وأخذ معه الورق الذي يثبت أنه يعالَج من مرض السرطان؛ لعل هذه الأوراق تشفع له، وتقيه هول الاعتقال والتعذيب. ذهب إلى معسكر الزهور ليلحق بولديه محمد وعمار. تم ترحيلهم بعد ذلك هم الثلاثة إلى الكتيبة 101 بالعريش، وبعد ذلك وبالتحديد يوم 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2013 تم اقتياد هذا العجوز بصحبة آخرين، وبدم بارد تمت تصفيته وحرق جثته هو ورفاقه في منطقة "لحفن"، جنوب مدينة العريش. بعدها بيومين، تم الإفراج عن ابنه عمار ليخرج إلى بيته، ويتم ترحيل ابنه الثاني محمد إلى سجن العازولي في الإسماعيلية ليحكم عليه بالسجن 5 سنوات بتهمة مراقبة كمائن. أصبحت الأم أمام واقع جديد: زوج مقتول وابن حكم عليه بـ 5 سنوات والآخر يحتاج إلى رعاية، بالإضافة إلى زوجة محمد وابنته، وزوجة عمار وولديه.

تمر الأحداث سريعاً، وبعد مرور عام من هذه الفاجعة، تمر الحملة العسكرية مرة أخرى على بيت يوسف زريعي وتأمر بإخلاء البيت لهدمه. تستغيث الأم لضباط الحملة وتقول لهم: قتلتم زوجي وسجنتم ابني، اتركوا لي بيتي.. من دون أن يمنع ذلك الضابط بتهديدها بهدمه فوق رأسها إن لم تخلِ البيت. خرجت الأم من البيت لتقوم الدبابات بقصف البيت وتهدمه. بعدها بأيام، وأثناء ذهاب ابنها عمار إلى سوق المدينة وعلى الطريق يجد كمينا للجيش، تقف السيارة على الكمين يطلب الجندي البطاقات من الركاب يعطي عمار البطاقة إلى الجندي، فما هي إلا لحظات ليعود الجندي ببطاقة عمار، ويأمره بالنزول ويعصب عينيه ويُدخله المدرعة معلناً اعتقاله، وبعدها يذهب عمار إلى معسكر الزهور الذي زاره قبل عام مع والده وأخيه.

علمت الأم بخبر اعتقال ابنها المعوَّق، فقررت الذهاب إلى أي شخص له علاقات مع الضباط المتواجدين في معسكر الزهور لإخراج ابنها، وخصوصاً أنها كانت خائفة عليه من التصفية. بعد مرور 9 أيام على اعتقال عمار، يعلن المتحدث العسكري على صفحته اعتقال "عناصر تكفيرية شديدة الخطورة" ومنهم عمار يوسف زريعي. بعدها بأيام يعثر الأهالي على جثة عمار بالقرب من معسكر الزهور، بعد أن تمت تصفيته داخل المعسكر.

في أحد زوايا البيت المهدوم في الجورة، تجلس أم عمار قلقة على ابنها المعتقل، ما هي إلا لحظات حتى يأتي من بعيد شخص متجهاً نحو بيتها. تنظر الأم إليه بتخوف ليقول لها ابنك عمار وجدناه مقتولاً وملقى على الطريق، ونريدك لتذهبي لتتعرفي إلى جثته في مستشفى الشيخ زويد. تذهب الأم مسرعة إلى المستشفى وتتمنى من الله أن يكون الخبر غير صحيح. تُفتح لها المشرحة لتنظر إلى الجثة ويكون جوابها: "ولدي إنه ولدي". تطلب منها إدارة المستشفى الانتهاء من الإجراءات القانونية لاستلام الجثة. تضطر بعدها للذهاب إلى قسم الشيخ زويد المحصّن، وترفع يدها من بعيد خوفا من القنّاص الذي يعتلي القسم الذي لا يرحم أحدا بمجرد الاشتباه. يأمرها القناص برفع يدها المثقلة بالهموم ثم يسمح لها بالدخول. تدخل القسم وتنال ما تنال من الشتائم والاتهامات بالإرهاب، ويسألها الضابط عن هوية الجماعة التي يفترض أن ابنها ينتمي إليها، وهي لا تستطيع الإجابة من كثرة البكاء على ابنها المظلوم، وتقول لا ينتمي لأي جماعة. تنهي إجراءتها سريعا وكل همّها أن تدفن ابنها سريعا، خصوصا أنه مكث أياما وهو ملقى في الطريق قبل أن يكتشفه أحد المارة. تذهب إلى المستشفى بغرض غسل الجثة، وتلجأ لإدارة المستشفى ليساعدوها في تغسيل ابنها وتكفينه؛ بما أنه لم يتبقَّ مَن يقوم بهذه المهمة إذ إن جميع الأبناء والأقارب باتوا بين مقتول ومعتقل ومطارد.

إقرأ أيضاً: طائرة بدون طيار"مجهولة" تقصف أهدافاَ بسيناء ومقتل طفلة

المساهمون