29 أكتوبر 2024
ليلة القبض على نتنياهو
أتاحت الترجمة الفورية لإحدى قنوات التلفزة الإسرائيلية الناطقة بالعربية، سيما لمتابعي تطورات الشأن الداخلي في الدولة العبرية، إغناء ذاكرتهم البصرية بتفاصيل ساخنة، لا تيسّرها قراءة التقارير الإخبارية، ويسّرت لهم الشاشة التي اكتست كلها باللون الأحمر، فرصةً الاستمتاع بمشاهدة فانتازيا الفصل ما قبل الأخير، من دراما سقوط بنيامين نتنياهو من على خشبة مسرح العبث الذي تربع عليه زعيم حزب الليكود أكثر من اثني عشر عاماً، الأمر الذي وفّر متعة سياسية، لا تخلو من شماتة شخصية، بسقوط لاعب السيرك البارع، إن لم نقل المهرج، على وجهه بعد طول مراوغة.
والحق إنني كنت من بين الذين تابعوا بفضول شديد، وشغف أشد، حيثيات لائحة الاتهامات المشينة، الموجهة من النائب العام، لـ "ملك إسرائيل" الذي امتد حكمه زمناً أكثر من زمن حكم دافيد بن غوريون. بل وكدت، أن أقيم احتفالاً بيني وبين نفسي، وأنا أرى ذلك العنصري المقيت، المسكون بكراهية عمياء ضد العرب، مذهولاً ومكفهر الوجه من شدّة الصدمة، حيث كنت غير مصدّق، لأول وهلة، أن يكون "الملك" غير المتوج على كل هذا القدر من الوضاعة، فقد بدا لي قائد "الدولة الديمقراطية الوحيدة" في الشرق الأوسط وكأنه، في فساده وعفنه، رئيس دولة استبدادية من دول العالم الثالث.
ولم تكتمل السعادة المباغتة لدى المكلومين بيننا، بمثل هذا السقوط المدوّي لرمز الغطرسة والاستفزاز والكذب بلا توقف، إلا عندما استكمل نتنياهو المشهد التراجيدي هذا، بالوقوف متثاقلاً أمام الكاميرات، لعزف نوبةٍ من نوبات جنون العظمة، حيث رد المهرّج بعد نحو ساعة من وصمه، قضائياً، بتهمة الغش والاحتيال، وعار تلقي الرشوة، وفوق ذلك خيانة الأمانة، بهجمةٍ عنتريةٍ مضادة، كال فيها قناطير مقنطرة من القدح والذم، لكل من القضاء والشرطة والإعلام واليسار والعرب، وكل من تآمروا عليه (كذا)، وسعوا من دون كلل، إلى الانقلاب على رئيس حكومة منتخب.
وهكذا، فقد كان المشهد الثاني من ليلة القبض على نتنياهو أقرب ما يكون إلى مشهد كربلائي معدّل بعض الشيء، راح فيه القابض على مفاتيح شيفرة الترسانة النووية الوحيدة في المنطقة يحاول صنع مظلومية خاصة به، ويُجهد نفسه في بناء صورة الضحية لفتى إسرائيل الأغر، أو من يُطلق عليه مريدوه لقب الساحر، الذي كان بالأمس القريب يقف مختالاً بين القادة الكبار، أي كتفاً الى كتف مع كل من دونالد ترامب وفلاديمير بوتين، وكان ينتزع من أعضاء الكونغرس الأميركي، إذا خاطبهم وجهاً لوجه، تصفيقاً أشد مما كان يحظى به أي جالس في البيت الأبيض، وقبل ذلك كان، ولا يزال، يقبض على مقاليد الدولة العبرية من دون منازع، فإذا به في تلك الليلة الليلاء يظهر عارياً، مذموماً مدحوراً، ومطلوباً للقضاء.
وفيما راح بعض أنصاره يحاولون شد أزره، ويهتفون أمام منزله بكلام يحاكي شعار "بالروح بالدم نفديك يا نتنياهو"، كان الزعيم النرجسي، المصاب بجرح عميق في كبريائه الشخصية، يستعير من ثقافتنا السياسية الرائجة، ذات المفردات المبتذلة، تلك التي تتردّد على ألسنة الحكام المستبدين في بلادنا، حيث زعم نتنياهو، من دون أن يرفّ له جفن، أنه يتعرّض لمؤامرة محبوكة، ولولا قليل لقال إنها مؤامرة كونية، من جنس تلك الأحبولة التي ردّدها بشار الأسد، الأمر الذي أعاد إلى الذاكرة الغضة مقاربة انطباعية، تستحق البحث والتدقيق، مفادها بأن إسرائيل باتت مصابة بعدوى الداء المستوطن في العالم العربي، داء الإنكار والانفصال عن الواقع.
ولعل من حسن الطالع حقاً، أنه في وقتٍ يقف فيه بنيامين نتنياهو على بعد خطوة واحدة من عتبة الدخول إلى باب المحكمة، وربما قفص السجن، يقترب حليفه الأول، دونالد ترامب، بصورةٍ دراماتيكية، من قاعة محكمة مماثلة، الأمر الذي قد ينهي الحياة السياسية لكلا الحليفين المتشابهين في خصائص كثيرة متطابقة، بما في ذلك خاصية الغرور والعجرفة والأنانية والتحريض والشعبوية وكراهية الغير، ناهيك عن التشبث بالسلطة حتى آخر نفس، وبكل ثمن، وفوق ذلك كله العداء المفرط للشعب الفلسطيني، على نحو ما تجلت عليه وقائع السنوات الثلاث الأخيرة، الوقائع التي لا يتسع المجال لتعدادها، وفي هذا بعض ما يُشفي صدور قومٍ توافق على اضطهادهم شنٌّ وطَبَقه.
ولم تكتمل السعادة المباغتة لدى المكلومين بيننا، بمثل هذا السقوط المدوّي لرمز الغطرسة والاستفزاز والكذب بلا توقف، إلا عندما استكمل نتنياهو المشهد التراجيدي هذا، بالوقوف متثاقلاً أمام الكاميرات، لعزف نوبةٍ من نوبات جنون العظمة، حيث رد المهرّج بعد نحو ساعة من وصمه، قضائياً، بتهمة الغش والاحتيال، وعار تلقي الرشوة، وفوق ذلك خيانة الأمانة، بهجمةٍ عنتريةٍ مضادة، كال فيها قناطير مقنطرة من القدح والذم، لكل من القضاء والشرطة والإعلام واليسار والعرب، وكل من تآمروا عليه (كذا)، وسعوا من دون كلل، إلى الانقلاب على رئيس حكومة منتخب.
وهكذا، فقد كان المشهد الثاني من ليلة القبض على نتنياهو أقرب ما يكون إلى مشهد كربلائي معدّل بعض الشيء، راح فيه القابض على مفاتيح شيفرة الترسانة النووية الوحيدة في المنطقة يحاول صنع مظلومية خاصة به، ويُجهد نفسه في بناء صورة الضحية لفتى إسرائيل الأغر، أو من يُطلق عليه مريدوه لقب الساحر، الذي كان بالأمس القريب يقف مختالاً بين القادة الكبار، أي كتفاً الى كتف مع كل من دونالد ترامب وفلاديمير بوتين، وكان ينتزع من أعضاء الكونغرس الأميركي، إذا خاطبهم وجهاً لوجه، تصفيقاً أشد مما كان يحظى به أي جالس في البيت الأبيض، وقبل ذلك كان، ولا يزال، يقبض على مقاليد الدولة العبرية من دون منازع، فإذا به في تلك الليلة الليلاء يظهر عارياً، مذموماً مدحوراً، ومطلوباً للقضاء.
وفيما راح بعض أنصاره يحاولون شد أزره، ويهتفون أمام منزله بكلام يحاكي شعار "بالروح بالدم نفديك يا نتنياهو"، كان الزعيم النرجسي، المصاب بجرح عميق في كبريائه الشخصية، يستعير من ثقافتنا السياسية الرائجة، ذات المفردات المبتذلة، تلك التي تتردّد على ألسنة الحكام المستبدين في بلادنا، حيث زعم نتنياهو، من دون أن يرفّ له جفن، أنه يتعرّض لمؤامرة محبوكة، ولولا قليل لقال إنها مؤامرة كونية، من جنس تلك الأحبولة التي ردّدها بشار الأسد، الأمر الذي أعاد إلى الذاكرة الغضة مقاربة انطباعية، تستحق البحث والتدقيق، مفادها بأن إسرائيل باتت مصابة بعدوى الداء المستوطن في العالم العربي، داء الإنكار والانفصال عن الواقع.
ولعل من حسن الطالع حقاً، أنه في وقتٍ يقف فيه بنيامين نتنياهو على بعد خطوة واحدة من عتبة الدخول إلى باب المحكمة، وربما قفص السجن، يقترب حليفه الأول، دونالد ترامب، بصورةٍ دراماتيكية، من قاعة محكمة مماثلة، الأمر الذي قد ينهي الحياة السياسية لكلا الحليفين المتشابهين في خصائص كثيرة متطابقة، بما في ذلك خاصية الغرور والعجرفة والأنانية والتحريض والشعبوية وكراهية الغير، ناهيك عن التشبث بالسلطة حتى آخر نفس، وبكل ثمن، وفوق ذلك كله العداء المفرط للشعب الفلسطيني، على نحو ما تجلت عليه وقائع السنوات الثلاث الأخيرة، الوقائع التي لا يتسع المجال لتعدادها، وفي هذا بعض ما يُشفي صدور قومٍ توافق على اضطهادهم شنٌّ وطَبَقه.
دلالات
مقالات أخرى
22 أكتوبر 2024
15 أكتوبر 2024
08 أكتوبر 2024