ليس دفاعاً عن رياض حجاب

01 يناير 2016

رياض حجاب خلال مؤتمر صحفي في الرياض (18ديسمبر/2015/Getty)

+ الخط -
من غير المعقول والمقبول أن نشتم من لا ينشق عن النظام السوري، ونطالب بسحقه ومحقه، وما أن ينشق، حتى نشكك في انشقاقه ونياته، ونكيل له شتى التهم، بل ونضعه في موقع يهدد حياته، يجرّده من وطنيته، ويجعل منه اختراقاً محتملاً للنظام، إخراجه من الثورة واجب ثوري، وبقاؤه فيها خطر وجودي.
وليس من الأخلاق والوطنية تخوين الناس إن بقوا مع النظام، أو انشقوا عنه. ولا بد من رؤيتهم بعين العدالة والإنصاف، خصوصاً إن غادروا مواقع عليا في النظام، وكان انشقاقهم مغامرة هدد تنفيذها حياتهم وأسرهم، كما كان حال الدكتور رياض حجاب رئيس مجلس الوزراء الذي انشق ليضع نفسه في خدمة السوريين، ويعمل لمساعدتهم على تجاوز نظامٍ يعرف أساليبه وطرق تفكيره، وكم هو وحشي وعنيف ومجرم، وما هي مستلزمات التخلص منه، كما يعلم أسراره وتوازناته ومفاصل القوة والضعف فيه.
... هاتفني صديق من الجيش الحر يقاتل في جبل الأكراد، عرف الدكتور حجاب، وتعامل معه حين كان محافظ اللاذقية، ونشأت بينهما علاقة خاصة، أقنعت صديقي أن المسؤول الكبير يؤيد الثورة، ولا يحجم عن خدمتها، وأنه كان يخوض صراعاً يومياً مع أجهزة الأمن، بسبب معتقلي المدينة، ويأمر بتزويد النشطاء بأسطوانات غاز، على الرغم من علمه أنهم كانوا يستخدمونها ضد دوريات المخابرات. وقد توثقت علاقات الرجلين، بفضل ما كان رياض حجاب يقدمه من نصائح للمتظاهرين حول ما يحسن بهم فعله، ويخبره بما تعتزم السلطة أخذه من خطوات ضدهم. أخبرني صديقي بهذا، وطلب مني هاتف الدكتور حجاب، ليهنئه باختياره منسقاً لهيئة المفاوضات العليا، ويجدد صلاته به. قال الرجل: أنا مدين بشهادتي هذه لله والتاريخ، وللدكتور حجاب الذي لم أستغرب انشقاقه أو أفاجأ به، بل اعتبرته منسجماً مع موقفه من الثورة، والذي خبرته بنفسي.
بعد انشقاقه، أقام الدكتور حجاب علاقات واسعة مع السوريين في كل مكان، وأحجم عن الدخول في صراعات معارضاتهم وانقساماتها، وترفّع عن الجري وراء المناصب، وحتى عندما رشح لرئاسة الائتلاف، فقد فعل ذلك بنصف قلب، ثم نسي الأمر تماماً، ولم يذكره بعد ذلك، أو يحاول العودة إليه، ولو في حديث عابر، بل واصل عمله العام بصمت، ومن دون الدخول في صراعات مع أو ضد أحد، وتمسك بتحاشي أي قول أو فعل يفرّق، وعمل لتوحيد المختلفين، بما له من كياسة وتواضع وعلاقات طيبة مع الجميع، بينما لم يقصر في خدمة أحد، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
يمتلك الدكتور حجاب الوعي بضرورة أن يكون قرار السوريين الوطني مستقلاً، وأن تتقاطع المصالح العربية فيه، من دون تناقض أو صراع. وهو يعرف أهمية الجيش الحر، ودور توحيده في انتصار الشعب والثورة. وأنا، ككثيرين غيري، على يقين بأن خبرته سياسياً، ودوره منسقاً لهيئة التفاوض العليا يؤهلانه لأن يظهر قدراته رجل دولة، يعي أهمية بذل أي جهد لإقامة سورية حرة على أنقاض نظام الإجرام الأسدي. ولا شك عندي في أن الدكتور رياض حجاب سيعمل فرداً في فريق، وسيلتزم وزملاؤه بجماعية القرار والمسؤولية، وسيفعل ما في استطاعته لإخراج وطننا من محنة قاتلة، تحول دون وصوله إلى رحاب الحرية التي اختارها شعبنا بثورته، وانضم هو إليها بانشقاقه، وسيكون، من الآن فصاعداً، رجل المرحلة الذي سيعمل ليلاً ونهاراً لبلوغها، بالجهد المميز الذي ننتظره منه، وتجعلنا صفاته الوطنية واثقين تماماً من أنه لن يبخل به على شعبه ووطنه.
E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.