وسط حالة الهدوء الحذر التي تفرض نفسها على المشهد العام في ليبيا، رغم حشد القوات من جانب طرفي النزاع حول مدينة سرت الاستراتيجية، تكشف مصادر دبلوماسية غربية ومصرية مقرّبة من المعنيين بالملف الليبي، لـ"العربي الجديد"، كواليس بعض ما يجري من تفاهمات دولية بشأن الأزمة هناك. ويشير دبلوماسي غربي رفيع المستوى، إلى أن تركيا تدير في الوقت الراهن تفاهمات واسعة مع روسيا باعتبارهما أصحاب الكلمة العليا في ليبيا حالياً، مشدّداً في الوقت نفسه على أن أنقرة مستندة إلى دعم وتفويض أميركيين بإدارة الأزمة هناك، بالشكل الذي يحقق الأهداف الغربية والأميركية، ويحدّ من الوجود الروسي بما لا يمثّل خطراً مستقبلياً على الجنوب الأوروبي.
ويضيف الدبلوماسي الغربي لـ"العربي الجديد"، أن التفاهمات بين تركيا وروسيا ستؤثر سلباً على فرنسا، تحديداً بعد هزيمة حليفها، اللواء المتقاعد خليفة حفتر، لذلك تمارس باريس ضغوطاً كبيرة لدى حلف شمال الأطلسي لتحجيم التحركات التركية في الملف الليبي، ووضع العراقيل في طريقها بحثاً عن دور فرنسي يمكنها من الحفاظ على مصالحها في ليبيا. وينوّه إلى أن المحادثات بين تركيا وروسيا، تدور حول حصول موسكو على مكاسب اقتصادية في ليبيا، بشكل يجعلها تتنازل عن أي تواجد عسكري هناك، لافتاً إلى أن المشاورات تطرقت إلى تقاسم إدارة قطاع النفط والغاز الليبي بين الجانبين، فتحصل أنقرة على حقوق إدارة وتشغيل الآبار النفطية في الجنوب الليبي، الشرارة والفيل، مقابل حصول موسكو على حقوق إدارة وتشغيل آبار الهلال النفطي. في المقابل لا تقيم روسيا قواعد عسكرية في ليبيا، لأن تلك الخطوة لن تكون مقبولة من الولايات المتحدة، أو من القوى الأوروبية، كاشفاً في الوقت ذاته أن المشاورات بين الجانبين قطعت شوطاً كبيراً.
ويوضح المصدر أن خسائر فرنسا الاقتصادية، فيما يخصّ قطاع البترول ستكون كبيرة، بسبب تحجيم شركة الطاقة الفرنسية "توتال" في ليبيا، بعد دخول شركات تركية وروسية لهذا القطاع، وحصولها على حقوق التنقيب هناك، بالإضافة إلى حقوق تشغيل الآبار النفطية الليبية، التي تستحوذ "توتال" على إدارتها وتشغيلها إلى جانب آخرين. ويقول إن الاتفاق الروسي التركي يتضمن شقاً متعلقاً بالمصالح المتبادلة في سورية. ويعتبر المصدر أن مصير سرت سيتم تحديده عقب انتهاء المحادثات الروسية التركية، وقد يتم إعلان انسحاب مليشيات شرق ليبيا، ومجموعات مرتزقة "فاغنر" من المدينة، كما حدث في مناطق جنوب العاصمة طرابلس، وترهونة في السابق.
يشار إلى أن "توتال" الفرنسية من الشركات التي تدير حقل الشرارة مع المؤسسة الوطنية للنفط، و"ريبسول" الإسبانية، و"أو إم في" النمساوية. وقد أوقفت مليشيات حفتر الإنتاج في حقل الشرارة، رغم أنه أكبر الحقول النفطية في ليبيا وينتج 315 ألف برميل يومياً.
وفي كواليس عودة 23 عاملاً مصرياً إلى بلاهم، تتحدث مصادر دبلوماسية مصرية على إطلاع بما يدور باللجنة المصرية المعنية بالملف الليبي لـ"العربي الجديد"، عن حصول تطور كبير عقب تناقل مقطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يُظهر تعرّض العمال للإهانة في ترهونة، من قبل جهات محسوبة على حكومة الوفاق، تجلّى في محاولة المصريين فتح قنوات مع حكومة الوفاق، لاستعادة جزء من العلاقات التي كانت قائمة، قبل شروع حفتر في العملية العسكرية الفاشلة على طرابلس في إبريل/نيسان 2019.
وتضيف المصادر أن الاتصالات والوساطات خلال العملية التي أشرف عليها برمتها جهاز المخابرات العامة، تكللت باتصال هو الأول من نوعه بين مدير الجهاز اللواء عباس كامل، ونائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، أحمد معيتيق، الذي أشرف بدوره على تنسيق الجهود ما بين القاهرة والأطراف المسؤولة في حكومة الوفاق. وتلفت إلى أن عملية التنسيق هذه أسفرت عن اتصال آخر جمع مدير المخابرات المصرية، بوزير الداخلية في حكومة الوفاق، فتحي باشاغا، الذي بدوره اتفق على كافة التفاصيل الخاصة بالعملية.
وتنوّه المصادر إلى أن طائرة عسكرية تابعة لجهاز المخابرات العامة، كانت تحمل على متنها نائب رئيس جهاز المخابرات العامة المصري، اللواء أيمن عبد البديع، المعروف داخل الجهاز بـ"رجل المهام الصعبة"، إلى جانب فرقة عسكرية تابعة للجهاز، واثنين من قيادات الجهاز، وصلت إلى نقطة تم الاتفاق عليها بين الجانبين عند الحدود الإدارية لمدينة سرت. وتشدّد على أن مستوى تمثيل الوفد الأمني، كان مقصوداً ومتفقاً عليه بين الجانبين.
وحول هذا اللقاء، تقول المصادر إن الجانب المصري نقل رسالة شكر لحكومة الوفاق على تفهّمها، ودورها في تأمين العمال المصريين، والسماح بإعادتهم للقاهرة، بناء على المطلب المصري الذي قدمه كامل، موضحة أن تلك الخطوة كانت ضرورية على المستويين الشعبي والإعلامي بالنسبة للقيادة السياسية المصرية، نظراً لحالة الغضب بسبب الفشل في التوصل لاتفاق مع إثيوبيا بشأن سد النهضة. وتعتبر أنه "كان لا بد من خطوة إعلامية تزيل جزءا من هذا الاحتقان".
وفي احتمالات تطوّر هذه العلاقة، ترى المصادر المصرية أن الملف الليبي ربما يكون بداية تحول استراتيجي في الصراع المصري التركي، مشيرة إلى أن هناك حديثاً داخل أروقة صناعة القرار بشأن تفاهمات غير مباشرة بين القاهرة وأنقرة. وتلفت في الوقت ذاته إلى أن الظرف الاقتصادي الذي تمرّ به القاهرة، والفتور في العلاقات بين مصر من جهة، والسعودية والإمارات من جهة أخرى، بالإضافة إلى أزمة سد النهضة الحالية، ربما تساهم في تسريع وإتمام تفاهمات سياسية أوسع بين مصر وتركيا.
في غضون ذلك، جدّد وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، تأكيده على أن ابتعاد رئيس البرلمان الليبي المنعقد في طبرق عقيلة صالح عن حفتر، لا يكفي لدخوله العملية السياسية. وأوضح أن الشخص الذي سيحل مكان حفتر، يجب عليه دعم الحل السياسي لا الحرب، من أجل أن يحظى باحترام في ليبيا، مؤكداً أن غالبية أعضاء البرلمان الذي يرأسه عقيلة صالح انتقلوا إلى طرابلس ولم يبقَ معه إلا القليل. وأشار جاووش أوغلو إلى أن تركيا لا تجد جدية كبيرة في إعلان القاهرة لدعم "المحشور في الزاوية"، في إشارة إلى حفتر، معرباً عن دعم بلاده لحكومة الوفاق.