لا تزال منطقة الهلال النفطي، أغنى مناطق ليبيا بالنفط، تشكل بوابة السلام والحرب في البلاد، بعد أن ابتعد الخطر عن كبرى مناطق البلاد، طرابلس غرباً وبنغازي شرقاً، وسط اتصالات دولية مكثفة، يبدو أنها على وشك صياغة حل سلمي.
وكشفت مصادر ليبية متطابقة عن ضغوط أميركية بشأن رؤيتها للحل في المنطقة النفطية التي ستخضع لحماية دولية، من جانب، وتشكل فاصلاً بين أطراف النزاع في ليبيا من جانب آخر، فيما يجري إطلاق المفاوضات السياسية بشكل جديد يجمع أطرافاً مجتمعية وسياسية واسعة في البلاد.
وأكدت مصادر لــ"العربي الجديد" أن كلاً من طرابلس وطبرق تدرسان المقترح، لكن قد تطرأ تفاصيل على المقترح بشأن إصرار حكومة الوفاق على ضرورة سيطرتها على منطقتي سرت والجفرة. وقال مصدر برلماني تابع لطبرق إن حلفاء اللواء الانقلابي خليفة حفتر يقبلون بتبعية سرت والجفرة "إدارياً" لحكومة الوفاق دون دخول قواته.
وبينما لا تبدو الرؤية الأميركية بشأن المنطقة النفطية تحمل ملامح حل سياسي، وتركز على إبعاد خطر الحرب عن مواقع النفط، أكد المصدر البرلماني أن المقترح يلقى قبولاً من حلفاء حفتر كفرصة تسنح لهم إعادة بناء قواتهم المنهارة، التي تشهد خلافات كبيرة في إطار جديد قد تقوده قيادة لا يشارك فيها حفتر إلا اسماً.
مساعٍ مصرية للملمة إرث حفتر
ويعيش معسكر حفتر خلافات كبيرة بينه وبين أنصار المليشيات القبلية، شرق البلاد، آخرها صدام مسلح بين مليشيا حرس المنشآت النفطية، المكونة في أغلبها من عناصر قبلية، وفرقة الصاعقة التي لا تزال على ولائها لحفتر.
وتناقلت وسائل إعلام ليبية وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، فيديوهات تظهر تلك الاشتباكات، وبحسب ذات البرلماني، دهمت فرقة الصاعقة مقراً تابعاً لحرس المنشآت لإطلاق سراح أحد افرادها المعتقل منذ أيام لدى تلك المليشيا، قبل أن يشتبك الطرفان لعدة ساعات، مخلفَين عدداً من الجرحى دون سقوط قتلى.
وكان الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، قد تعهد بتدريب أبناء القبائل الليبية في الكليات العسكرية المصرية، بعد أن فوض وفد قبلي موالٍ لحفتر إلى الجيش المصري التدخل في ليبيا.
وقال محمود البنوني المجبري، أحد مشايخ قبيلة المجابرة شرق ليبيا والمشارك في الوفد الذي زار القاهرة، إن السيسي وعد القبائل بتدريب أبنائها في الكليات العسكرية المصرية، مشيراً إلى أن الوفد ناقش عدة نقاط مع السيسي، منها طلب الدعم للقبائل في مواجهة ما وصفه بــ"الاستعمار التركي".
وأضاف المجبري، في تصريحات لقناة فضائية موالية لحفتر ليل الجمعة، أن الوفد طلب من السيسي دعم مطالبهم بضرورة عدم إشراك قوات حكومة الوفاق في أي حوار سياسي، مذكراً بأن الجيش الليبي الذي شارك في تحرير ليبيا في عهد استقلالها، منتصف القرن الماضي، تشكل في مصر وانطلق منها، وهي تصريحات لا تعكس في رأي الأكاديمي الليبي خليفة الحداد، سوى وصول القاهرة وحلفاء حفتر إلى قناعة بالقبول بالتهدئة وعدم التصعيد وبدء إعادة ترتيب صفوف حلفائهم في ليبيا بعد انهيار حفتر وفشل قواته.
ويؤكد الحداد، في حديثه لــ"العربي الجديد"، أن وضع داعمي حفتر بات حرجاً، بعد أن تراجعت قوة حفتر وهيبته بين صفوف القبائل، ولم يعد قادراً على ضبط الوضع المنفلت، خصوصاً مع انتشار السلاح بشكل واسع ووقوعه في قبضة تلك المليشيات القبلية وسط مخاوف من انفجار خلافاتها التاريخية.
وأكد الحداد أن القاهرة باتت معنية في هذا الوقت بإعادة ترتيب صفوف القبائل وخلق قيادات جديدة قد تلتئم في شكل مجلس اجتماعي وقيادة عسكرية يشارك فيها ضباط من تلك القبائل للحد من انفلاتها الذي قد يشكل عامل قلق على حدودها وأمنها.
وبينما يتفق الباحث الاجتماعي والمهتم بالشأن القبلي في ليبيا، عصام أبو جلدين، مع اتجاه تركيز واشنطن على حل الخلاف في منطقة الهلال النفطي والوقوف دون وقوع أي صدام أو تصعيد في المنطقة دون أن تكون لديها رؤية شاملة أيضاً للحل السياسي، إلا أن السيطرة على خريطة المعسكرات والسلاح في شرق البلاد قد تبدو أمراً صعباً على حلفاء حفتر.
ويلفت أبو جلدين في حديثه لــ"العربي الجديد" إلى أن تعهد السيسي بتدريب أبناء القبائل قد يكون خطوة أولى ضمن خطة مصرية، لافتاً إلى أن التصريح جاء على لسان زعيم قبيلة المجابرة التي توجد فيها أغلب حقول النفط.
ويرى الباحث الاجتماعي أن سعي القاهرة يتجه إلى أمرين: الأول يتمثل بالبدء بضبط إرث حفتر من خلال زعماء القبائل للحيلولة دون حدوث شق في صفوفهم، والثاني يتمثل بجعل أذرعها القبلية قريبة من مواقع النفط، ما يعني أن القاهرة لا تريد أن تفقد ورقة النفط الهامة.
وبحسب أبو جلدين، فإن إرث حفتر العسكري متشعب وفي غاية التنوع، مشيراً إلى أنه موزع بين عدة أطياف.
ويوضح الباحث الاجتماعي أن خريطة سلاح حفتر في شرق البلاد موزعة بين القبائل المؤيدة للنظام السابق، أغلبها في الجنوب، كالمقارحة وبعض فصائل الطوارق والحساونة، وأهم معسكراتهم تقع في سبها ومحيطها، ولا سيما قاعدة أبراك الشاطئ.
وأوضح أن ثمة تشكيلات أخرى تملك الترسانة العسكرية الأهم لحفتر، ولا تزال تحافظ على ولائها له، وهي تتركز في بنغازي والمناطق المحيطة بها، وهي فرقة الصاعقة وثلاث كتائب للمداخلة السلفيين، إضافة إلى أربعة فصائل تتبع كتيبة "طارق بن زياد" التي يقودها ابنه "صدام"، وأهمها التي تعسكر حول قاعدة الرجمة، المقر الرئيسي لحفتر.
ويتابع أبو جلدين حديثه بالقول إن "قبائل أخرى في الشرق، من بينها العبيدات والمرابطون، تسيطر على مواقع هامة في لملودة وطبرق، ولا سيما قاعدة جمال عبد الناصر"، لكنه يلفت إلى أن الخطورة الكبيرة تتمثل بامتلاك قبائل متناحرة على مرّ التاريخ للسلاح، كقبائل الزوية والمجابرة، في وسط الجنوب الشرقي، وصولاً الى الكفرة، وهي مواقع غنية بمنابع النفط.
واعتبر أبو جلدين أن منطقة الهلال النفطي التي تسيطر عليها مليشيا حرس المنشآت النفطية، التي يتألف أغلبها من عناصر قبلية، وصولاً إلى حوض النفط جنوباً، هي من أشدّ المناطق الليبية توتراً واختلافاً، ما يجعلها الأهم في عيون اهتمام القاهرة، في ظل وجود كميات كبيرة من السلاح الذي طالما عملت الجسور الجوية الإماراتية على توصيلها إلى معسكرات حفتر طوال الأشهر الماضية.
وتخضع منطقة الهلال النفطي، وسط البلاد، لسيطرة مليشيات تعرف باسم "حرس المنشآت النفطية" المشرعن بقرار من برلمان طبرق، وتتألف من مقاتلين من القبائل في الأغلب بحسب النفوذ القبلي، حيث تمتد قبيلة المغاربة على طول منطقة الهلال التي تبدأ من شرق مدينة سرت، وسط، وحتى مدينة أجدابيا، شرق، المؤلفة من أربعة موانئ وهي "السدرة - رأس الأنوف - البريقة - الزويتينة".
وتُصدر عبر هذه الموانئ أغلب شحنات النفط الليبي، وتتاخم المنطقة جنوباً منطقة حوض النفط المعروفة باسم حوض مرادة، وتمتد حتى وسط الجنوب لتضم حقول منطقة جالو وأوجلة، جنوب أجدابيا بنحو 300 كم، وتنفذ في أراضي هذه المنطق قبائل المجابرة والزوية من أجدابيا شمالاً وحتى الكفرة جنوباً.