ليبيا: جهود أهلية لاحتواء أزمة النزوح

04 نوفمبر 2019
أحد مخيمات النازحين في ليبيا (محمود تركية/ فرانس برس)
+ الخط -
على الرغم من أنّ الإحصائيّات الرسميّة تشير إلى تهجير 130 ألف مواطن من مساكنهم في مناطق الصراع في جنوب طرابلس الليبية، من جراء الهجوم العسكري الذي تشنّه قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر منذ إبريل/ نيسان الماضي، إلا أن موجة النزوح لم تتوقف.

ومنذ اندلاع القتال، أعلنت حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً عن توفير خمسة مقار لاستقبال النازحين، من بينها مدارس وجامعات. إلّا أنّ تزايد أعداد النازحين وبدء العام الدراسي في البلاد فاقم الأزمة. وعلى الرغم من تأكيد قوات حكومة الوفاق تقدّمها في محاور القتال في اتجاه طرد قوات حفتر، ما يعني ابتعاد القتال نسبياً عن المناطق الآهلة بالسكان، إلا أن الناشط حسن بركان يؤكد أن تلك المناطق التي تقدم فيها الجيش ما زالت مقفلة وتعد مناطق عسكرية.

ويلفت بركان في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن القصف العشوائي على المناطق الآهلة بالسكان أجبر عدداً من الأهالي على النزوح أخيراً، منهم أهالي الهضبة وصلاح الدين، ما يعني تعقيد الأزمة.

ويتوزّع نازحو الحرب في مناطق عدة من غرب البلاد. وتؤكد بلدية تاجوراء أن عدد النازحين فيها حتى يوليو/ تموز الماضي بلغ 2234، لكن لجنة الأزمة في البلدية ما زالت تشكو ظروفاً صعبة، ما يجعلها عاجزة عن تلبية مطالب النازحين.



ويقول حسين الركاب، النازح من منطقة خلة الفرجان إلى تاجوراء، إنه يسكن برفقة عدد من الأسر في مقر مهجور تابع لأحد المصانع، بعدما أجبر مع آخرين على ترك المدرسة التي كانوا يسكنونها. ويوضح لـ"العربي الجديد"، أن "السلطات أمنت في المدرسة ظروفاً أكثر ملاءمة. نحن الآن نقيم في مقر إداري مهجور ونعاني بسبب بعد المسافة للوصول إلى المحال التجارية والمدارس".

وتعيش أم حمزة ظروفاً صعبة أيضاً. هي أرملة وأم لأربعة أطفال، تعيش في مدرسة في حي أبو سليم، وطلبت منها السلطات المحلية، إضافة إلى عدد من الأسر التي تسكن المدرسة، إخلاءها بسبب بدء العام الدراسي. تقول: "وفرت لنا البلدية تواصلاً مع جمعيات خيرية. نحن قلقون لأن الجمعية لم تعلمنا حتى الآن بتوفر سكن لنا".

أما مختار أبو راوي، عضو جمعية أمان بلدي الأهلية، فيؤكد أن جمعيته وفرت حتى الآن 61 مسكناً لأسر نازحة على مدار هذا العام. ويقول: "لسنا وحدنا. هناك جمعيّات أخرى تقوم بالدور نفسه من خلال التواصل مع أصحاب العقارات في مدن الخمس ومسلاته وزليتن، والسعي إلى تخفيض بدلات الإيجار التي تدفع لإسكان النازحين". ويلفت إلى أن الأعداد أكبر من قدرات العمل الخيري، إذ إن الأسر النازحة في المدينة تفوق 500 أسرة.

وفي وادي عتبة (جنوب البلاد)، ائتلاف خيري مكون من ثلاث جمعيات خيرية، ويدير شؤون أكثر من ألف نازح من مدينة مرزق التي تعيش ويلات الحرب أيضاً. ويوضح عضو جمعية التيسير الأهلية حسن بركان، أن أعمالهم تتمثّل في توفير السكن والغذاء والدواء، مؤكداً أن ظروف المنطقة لا تتوفر على مساكن يمكن أن تستوعب هذا العدد. يضيف أن "المساكن هنا غالباً ما تكون جماعية، لكن وفرنا بعضها من خلال مساعدة المستأجرين ودفع جزء من بدل الإيجار الشهري".

وعلى الرغم من قسوة الظروف الأمنية والاقتصادية، إلّا أنّ عامل التكافل المتأصل في الثقافة الليبية دعم جهود العمل الخيري، بحسب بركان. يتابع أن "الإطار الاجتماعي يحمي العمل الخيري ويدعمه. كثيراً ما تلجأ القبائل التي ما زال قرارها نافذاً في بعض المناطق إلى فرض تقديم المساعدات للأسر والشخصيات القادرة مادياً"، مشيراً إلى أن المناسبات الدينية كشهر رمضان مثلاً أو الأعياد تشهد انتعاشاً للعمل الخيري، ما مكننا في كثير من الأحيان من توفير مساكن للنازحين.

من جهته، يقول أبو راوي إنّ لدى جمعيته أسماء وأوراقاً رسمية "تثبت تكفل رجال أعمال بتكاليف عائلات بكاملها، من دون الكشف عن نفسها".



إلى ذلك، تعكس تصريحات صحافية لمسؤولي قطاع التعليم في بلدية بنت بيه، جنوب البلاد، عن اعتماد الجهود الحكومية على الجهات الخيرية والأهلية لحل مشكلة النازحين، وجوداً أساسياً للعمل الأهلي الخيري لحل الأزمات الناتجة عن الحروب المتتابعة في البلاد. النشاط الأهلي أكثر حيوية وحركة في التواصل والبحث عن حلول لسكن النازحين، بحسب بركان.

كما يتحدث بركان عن جهود أخرى تتجاوز مشاكل السكن. جمعيته الأهلية تكفلت بعلاج حالات طارئة. يقول: "هناك أسر يعاني فيها أطفال من أمراض مزمنة، ولا قدرة لديها على تأمين تكاليف العلاج. وهناك أسر أخرى يحتاج أفرادها لأدوية لا غنى عنها، كأمصال السكري مثلاً، نعمل على توفيرها من خلال حملات لجمع التبرعات".