لفت قرار قيادة قوات حفتر بفصل تبعية الزوايا والطرق الصوفية عن سلطة "التيار المدخلي" المسيطر على وزارة الأوقاف في حكومة مجلس النواب، شرق البلاد، أنظار المراقبين للشأن الليبي، حول الاهتمام المتزايد في البلاد بالتصوف وزواياه.
ورحّبت "نقابة الأشراف" في ليبيا بقرار حفتر ضمّ الزوايا والطرق الصوفية إليها، بعد فصلها بقرار رسمي عن وزارة الأوقاف في حكومة طبرق، أصدره عبد الرزاق الناظوري، رئيس الأركان العامة في قوات حفتر وأبرز ضباطه، الأسبوع الماضي.
وقال النقيب العام لـ"الأشراف" في ليبيا، عز الدين الشيخي، وهو مستشار حفتر الديني وأحد أقدم مؤيدي "عملية الكرامة"، في تصريح صحافي أمس السبت، إن "قرار نقل الزوايا والطرق الصوفية إلى النقابة وفصلها عن وزارة الأوقاف جاء بعد تكرار الاعتداءات على الزوايا الصوفية في ليبيا"، مؤكداً أن "التيار السلفي المدخلي اعتدى على الزوايا، متعمّداً قفلها عندما كانت تتبع الوزارة، حتى بات أتباعها يمارسون شعائرهم في بيوتهم".
ويلقى التيار الصوفي قبولاً وانتشاراً واسعين في ليبيا، كونه من أعرق التيارات الدينية الموجودة في البلاد، إذ يعود وجوده وانتشار زواياه الى مئات السنين، ما جعله هدفاً ومحل اهتمام للأطراف المتصارعة.
وتنتشر في ليبيا طرق صوفية عريقة، كالسنوسية في كل الشرق وأغلب الجنوب، بينما توجد طرق أخرى كالعروسية والتيجانية والقادربة والعيساوية في أغلب الغرب الليبي، وتتوزع أيضاً في الشرق والجنوب.
وواجه التصوف في بداية عهد معمر القذافي تحديات إقصائه من قبل أذرع "اللجان الثورية" التي أقدمت على قفل زواياه والحدّ من نشاطه، قبل أن يتفطن القذافي لأهميته منتصف التسعينيات، كأداة لدعم مشروعه بالتوجه إلى أفريقيا، بحكم الصلات القوية بين مريدي الطرق التي تتجاوز الحدود، فهناك البرهانية والتيجانية والقادرية، وكلها لها امتدادات بين ليبيا وعمق أفريقيا.
وإثر سقوط النظام عام 2011، انقلب التيار السلفي، العدو التقليدي للمتصوفة، الذي كان إلى جانب القذاقي إبان الثورة، وأنكر صلته بالقذافي وارتهن للسلاح لإقصاء خصومه المتصوفة، فشهد عام 2012 موجة اعتداءات غير مسبوقة على صروح ومعاقل التصوف في ليبيا، وأقدم السلفيون المداخلة على هدم وتفجير أكبر معاقل الصوفية في الجامعة الأسمرية الإسلامية في زليتن، وهدم مقام الشعاب في طرابلس بالجرافات ونبش قبر الإمام زروق في مصراتة، حتى لم يتبق صرح صوفي واحد إلا وسوّي بالأرض.
وزادت التيارات السلفية قوةً بتنفذها داخل الكتائب المسلحة القوية كـ"قوة الردع"، الحارس الخاص لحكومة الوفاق في طرابلس، و"كتائب التوحيد" التي تكون جزءاً كبيراً من قوات حفتر في الشرق، بالإضافة إلى سيطرة المداخلة على المساجد والمنابر ومقاعد مهمة في حكومات البلاد، على رأسها وزارة الأوقاف التي تُدير ما يتصل بالشأن الديني.
لكن عودة التصوف إلى واجهة المشهد برزت خلال احتفالات المولد النبوي الماضي، عندما خرجت الزوايا الصوفية بشكل لافت في شوارع طرابلس وبنغازي ومصراتة وزليتن وأغلب المدن الليبية بمواكبها ودفوفها للاحتفال، معيدة معها فتح زواياها بشكل علني.
ففي تاجوراء وطرابلس، اهتمت "قناة التناصح" المقربة من رئيس دار الإفتاء، الصادق الغرياني، بنقل مباشر لاحتفالات المتصوفة، هو المعروف بقربه من الفكر السلفي بشكل كبير ومواقفه السابقة المعارضة للتصوف وطرقه. وفي بنغازي، أشرف قادة حفتر كالناظوري وونيس بوخمادة شخصياً على تأمين خروج الزوايا في احتفال المولد النبوي، رغم التنفذ والتكتل الكبيرين للسلفية في المدينة.
وفي زليتن، عاصمة الطرق الصوفية في البلاد، اهتمت جميع القنوات بمختلف اتجاهاتها بنقل شعائر تلك الاحتفالات. وفي الإجمال، رصد تقرير إعلامي ظهور احتفالات المتصوفة بنسبة 60 في المائة من مجمل المدن الليبية.
وفي هذا الصدد، رأى المحلل السياسي الليبي الجيلاني أزهيمة، أن الاهتمام بالمتصوفة في ليبيا "يتزايد مع تزايد الحديث عن قرب انطلاق مرحلة انتخابات"، معتبراً أن أغلب الأطراف الليبية المتصارعة باتت تدرك أنها لم تعد تمتلك قاعدة شعبية تمكنها من الوصول إلى السلطة مجدداً عبر أصواتها، موضحاً أن هؤلاء "يعرفون جيداً مدى انتشار أتباع الزوايا، بل وحبّ الليبيين لها، وبالتالي فإن أتباع الزوايا يشكّلون شريحة شعبية كبيرة أصواتها ستكون مفيدة لو تمكن أي طرفٍ من تجييرها لصالحه".
وأكد الباحث الليبي أن "تيار الإخوان وحفتر وفايز السراج (رئيس حكومة الوفاق)، كلهم دون استثناء، تقربوا من زعامات الزوايا والطرق، لأن التيار الصوفي هو التيار الوحيد الذي لا يمتلك تمثيلاً، وليس له قيادة موحدة ومشروع سياسي"، موضحاً أن حفتر "يحاول الاستفادة من الانتشار الواسع للطريقة السنوسية في شرق البلاد التي تمتلك رصيداً وأرضية صلبة هناك، كما أن لها زوايا وامتدادات في الغرب، وبشكل أكبر في الجنوب، ويمكن أن تجلب أصواتاً".
في المقابل، يرى الناشط السياسي في بنغازي، صالح حميدة، أن قرار قيادة قوات حفتر بنقل تبعية الزوايا والطرق الصوفية إلى نقابة الأشراف يتعلق بخطط حفتر التي اتسمت بالتقلب بشكل كبير، والانقلاب على أحلافه ومؤيديه، وهو يتجه هذه المرة إلى نفض اليد من أتباع التيار المدخلي"، موضحاً أن الأخير "بدأ منذ فترة طويلة في تفكيك كتائب السلفية، لا سيما كتيبة التوحيد، وتوزيع أفرادها بين الكتائب الأخرى".
ورأى حميدة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "حفتر لا يهدف إلى استغلال أصوات هذا التيار فقط، بل يسعى إلى إحلالهم مكان المداخلة في قواته أو على الأقل قبولهم كمسلحين في كتائب لتشكل رادعاً للمداخلة الذين باتوا على وشك الانقلاب عليه"، مشيراً إلى أن "قيادات سلفية كبيرة، كمحمود الورفلي وزملائه في الصاعقة في بنغازي، لم يعودوا تحت سيطرته".
وأضاف "حفتر بدأ يفقد شعبيته بسبب ممارسات المداخلة في اختلاس أموال أوقاف المساجد والزوايا والاعتداء، بالإضافة إلى الاعتقالات والتصفيات في صفوفهم، وعليه أن يعزف على عواطف الناس من خلال استمالة الأشراف من آل البيت وأصحاب الزوايا والطرق، الذين يحظون بقبول شعبي أكبر".