ليبيا: المسار العسكري يسبق الحلّ السياسي

08 ديسمبر 2014
مسار جديد في المعارك يعتمد السيطرة على حقول النفط(الأناضول)
+ الخط -

ثمّة اتفاق في ليبيا على أنّ المسار السياسي والعسكري لـ"عملية الكرامة"، بمختلف أجنحتها، سواء أكان مجلس النواب الليبي المنحل في طبرق، أو الحكومة المنبثقة عنه، أو اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ورئيس حزب تحالف القوى الوطنية محمود جبريل، لا يهدف إلى تقسيم ليبيا. ولم يصدر عن الأخيرين تحديداً، ما يوشي بنزعة انفصاليّة، لكنّ ما يؤكّده مسارهما السياسي والعسكري، أنّهما يطمحان إلى السيطرة على العاصمة الليبية طرابلس، باعتبارها رمز السيطرة على ليبيا.

اختار حفتر مدينة بنغازي، شرقي ليبيا، لتكون منطلق ومهد عملياته العسكريّة، نظراً لضعف قوة وإمكانات المناوئين له، والذين شكلوا في ما بعد "مجلس شورى ثوار بنغازي". استخدم حفتر طائرات حربيّة أقلعت من مطارات شرقي ليبيا، القريبة نسبياً من بنغازي، وهي ميزة لم يحصل عليها مجلس شورى الثوار، عدا عن حصوله على إمدادات، اعترف بوصولها في مقابلة مع جريدة إيطالية، من دول كمصر والإمارات والجزائر.
أكثر من ذلك، تمكّن حفتر أن يمهّد لعمليته، مستغلاً عمليات اغتيال ضبّاط جيش ومدنيين، بتوجيه وسائل إعلام مؤيدة له، الاتهام إلى جماعات إسلامية متشددة وصفتها بالإرهابية، في وقت لم تجر فيه أي من الحكومات المتعاقبة تحقيقاً وتُظهر نتائجه في حوادث الاغتيال. وساهم هذا التركيز الإعلامي في خلق قاعدة شعبيّة له في شرقي ليبيا، وانضمام شبابها إلى صفوف قواته.

وفي غربي ليبيا، نجح حفتر في عقد تحالفات عدّة شملت قبائل وكتائب مسلحة، ككتائب "القعقاع" و"الصواعق" و"المدني"، من مدينة الزنتان، والتي تمثل الجناح العسكري لحزب تحالف القوى الوطنية، وتحالف "جيش القبائل"، الذي يضمّ أساساً مقاتلين من مناطق ورشفانة، جنوب غربي طرابلس. وانطلقت كتائب الزنتان وجيش القبائل من العاصمة طرابلس، قبل طردها منها على يد قوات "فجر ليبيا"، التي تتكون من ائتلاف كتائب من مدن عدة غربي ليبيا، أبرزها مدينة مصراتة. وأعادت إثر ذلك، جمع صفوفها في منطقة الجبل الغربي، وخصوصاً مدينة الزنتان، في محاولة للنزول مجدداً إلى طرابلس وإعادة السيطرة عليها ومدّ نفوذها، من خلالها، إلى باقي مدن غرب ليبيا، تمهيداً لمحاصرة مصراتة غرباً، على أن تحاصرها قوات حفتر غرباً، في حال سيطرتها الكاملة على بنغازي، ثمّ التوسّع غرباً حتى سرت، شرقي مدينة مصراتة، بمئتي كليومتر.
في غربي ليبيا، اعتمد مسار العمليّة العسكريّة على توجيه ضربات جويّة من خلال طائرات حربيّة تنطلق من قاعدة الوطية، جنوب غربي طرابلس، إلى مواقع عسكريّة ومدنيّة عدّة، بهدف إرباك المشهد الأمني في العاصمة، ومدن عدّة مجاورة، مؤيدة لعملية "فجر ليبيا"، وشلّ حركة المطارات والمرافئ البحريّة.

وتمكّنت طائرات حربيّة من توجيه ضربات جوية عدّة استهدفت مطار معيتيقة الدولي في العاصمة، قبل أن تتوقّف، في ظلّ إدانة دوليّة من قبل دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، لتنفّذ غارات أخرى على ميناء زوارة، غربي طرابلس، كرسالة سياسية إلى الحكومة الإيطالية التي أجرت مفاوضات ومشاورات وقبلت بمبدأ الجلوس مع قادة عملية "فجر ليبيا". وتُعدّ مناطق زوارة من المناطق التي تتمتع فيها إيطاليا بنفوذ.

ويعتمد المسار العسكري في غربي ليبيا، خطة تحرير العاصمة إبان ثورة فبراير/ شباط من عام 2011، أي الوصول إليها من خلال السيطرة على مدن ومناطق الجبل الغربي. وتمكّنت هذه القوات من السيطرة على مدينة ككلة بعد معارك عسكريّة شرسة، وعلى قاعدة الوطية التي تتخذها كمنطلق للغارات الجوية، والسيطرة على المنافذ الحدودية، ومدينة صبراتة، والاعتماد بشكل رئيس على صحوات داخل طرابلس والمدن المجاورة لها كمدينة العجيلات وراقدلين والجميل، غربي طرابلس، وهي مدن يعارض معظمها "عملية فجر ليبيا" ويؤيد "عملية الكرامة" بقيادة حفتر.

وبعد خسارتها معركة ككلة، وسيطرة كتائب القعقاع والصواعق والمدني وجيش القبائل عليها وعلى قاعدة الوطية، انتهجت "عملية فجر ليبيا" سياسات دفاعيّة وليست هجوميّة، نتيجة الخلافات التي بدأت تظهر على السطح بين القادة العسكريين. وفي وقت يؤيد فيه أحد أبرز قادة "فجر ليبيا"، صلاح بادي، التوسّع في العمليات العسكريّة وفرض النفوذ، والذهاب إلى مدن الجبل الغربي وطرد كتائب الصواعق والقعقاع والمدني وجيش القبائل منها، يصرّ قادة آخرون على الحفاظ على مواقعهم وانتظار ما قد يؤول إليه الحوار بين أطراف الأزمة الليبية، برعاية بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، والمنتظر انطلاقها في مدينة غدامس الليبية، يوم الثلاثاء المقبل (9 ديسمبر/ كانون الأول الحالي). وساهمت هذه الخلافات في خسارة قوات "فجر ليبيا" لمنطقة ككلة والسماح لكتائب الزنتان وجيش القبائل ببدء هجمات على مواقع مدنيّة وعسكريّة في مدن غريان وطرابلس وزوارة وصبراتة.

في غضون ذلك، بدأ مسار آخر يظهر على خارطة المعارك الليبيّة، ويتمثّل بمحاولة السيطرة على حقول النفط، إذ سيطرت القوة الثالثة التابعة لدرع المنطقة الوسطى على حقلي الشرارة والفيل، جنوبي البلاد، قبل أن يتحرّك ائتلاف ثماني كتائب من مصراتة، بقوة مئتي سيارة مجهزة بأسلحة ثقيلة إلى سرت، لطرد كتيبة موالية لحفتر. ويواصل ائتلاف الكتائب هذا طريقه إلى حقول ومرافئ النفط، في مناطق البريقة ورأس لانوف، وهي تحرّكات لا يستطيع حفتر تحريك قواته من بنغازي لصدّها، نتيجة طول خطوط الإمداد. ومن الممكن، في هذا السياق، أن يعتمد حفتر على قبيلة "المغاربة" التي تنتشر في هذه المناطق، للدخول في معركة مباشرة مع قوات حفتر.

ويدعم عضو مجلس النواب المنحل، الرافض لانعقاد المجلس بطبرق، وأحد أكبر الداعمين للحوار برعاية أممية، فتحي باشاغا، توجّه هذه الكتائب المدجّجة بالسلاح للسيطرة على حقول النفط. وينقل مقربون عن باشاغا، تمسّكه باستمرار ضخّ النفط، بعدما أضرّ التوقف المتقطع بعائدات الدولة منه، والتي تعتمد بشكل رئيس عليه.
في المحصّلة، يسير المسار العسكري بوتيرة أسرع من المسار السياسي، وتعلن جميع الأطراف تقريباً الآن قبولها بمبدأ الحوار والتفاوض من حيث المبدأ. أما من حيث الواقع، فيحاول كل طرف تحقيق مراكز تفاوضيّة تمكّنه من استغلالها في جولة غدامس الثانية.

المساهمون