تضاربت الأنباء حول تجدّد الاشتباكات في بنغازي، ليل السبت ـ الأحد، بعد هدوء نسبي أعقب اشتباكات الجمعة الدامية، التي خلّفت 79 قتيلاً و141 جريحاً.
يأتي ذلك فيما رفض العقيد المتقاعد، خليفة حفتر، في بيان ملتفز، الاتهامات التي وجهتها إليه السلطات الليبية بقيادة انقلاب، مؤكداً أن "العملية العسكرية في بنغازي ليست انقلاباً وانما استجابة لنداء الشعب الليبي".
وترافقت هذه التطورات مع قلق في دول الجوار من تدهور الوضع الليبي وتداعياته، ولا سيما في الجزائر التي استنفرت 40 ألف جندي على الحدود إثر معلومات عن هجوم محتمل لجماعات محسوبة على تنظيم "القاعدة".
تضارب أنباء حول تجدّد الاشتباكات
وسُمعت أصوات رصاص وأسلحة متوسطة، ليل السبت ـ الأحد، بالقرب من مناطق القوارشة والهواري، التي كان المتحدث باسم قوات حفتر، محمد الحجازي، قد طالب سكانها يوم السبت بمغادرتها "فوراً"، وذلك تفادياً "لتعرضهم للخطر نتيجة عزم قوات حفتر، الزحف إلى تلك المناطق لمقاتلة الكتائب".
وكان الحجازي، يشير إلى كتيبتي "رأف الله السحاتي" و"17 فبراير"، وهما اللتان تقع ثكناتهما في تلك المناطق. وأفاد شهود عيان، في مدينة بنغازي، بحسب وكالة "الأناضول"، أن بعض السكان بدأوا بالفعل النزوح من تلك المناطق استجابة لنداء المتحدث باسم قوات حفتر.
كما أشار شهود عيان، لـ"العربي الجديد"، إلى سماع إطلاق نار في منطقة المطار. كذلك أفادت تقارير صحافية عن تعرّض قاعدة بنينا الجوية لهجوم من عناصر تنظيم أنصار الشريعة.
وبينما نقلت وكالة "الأناضول" عن مصدر في التنظيم إعلانه مقتل أحد مشايخ "أنصار الشريعة" وتفجير إذاعة تابعة للتنظيم في بنغازي، قال مصدر عسكري من قوات الصاعقة في الجيش الليبي، لـ"الأناضول"، إن أصوات النيران التي سُمعت في بنغازي في الساعات الأولى من ليل السبت ـ الأحد، ليست اشتباكات". وأشار إلى أنها "تجريب للسلاح في كتيبة الصاعقة الواقعة على طريق مطار بنينا".
بدوره، نفي آمر قاعدة بنينا الجوية في مدينة بنغازي، العقيد سعد الورفلي، لـ"الأناضول"، صحة تقارير صحافية تحدثت عن تعرض القاعدة لهجوم من تنظيم أنصار الشريعة.
إخلاء المطار وحظر طيران
وتزامنت هذه التطورات مع إعلان جهاز الأمن الوقائي في بنغازي أنه تم إخلاء مطار بنغازي من الطائرات تحسّباً لأي خروقات أمنية، وتم تمديد إغلاق المطار حتى يوم الإثنين، مشيراً إلى أنه من الممكن أن يتم تمديد الاغلاق لوقت إضافي تبعاً للتطورات.
من جهتها، أعلنت رئاسة الأركان العامة في الجيش الليبي، حظر الطيران فوق مدينة بنغازي وضواحيها حتى إشعار آخر. وحذرت في بيان لها، من أنه سيتم "استهداف" أي طائرات عسكرية فوق المدينة وضواحيها من قبل وحدات الجيش والوحدات التابعة للغرفة الأمنية المشتركة وتشكيلات الثوار التابعة لها.
وتأتي تحذيرات رئاسة الأركان بعد مشاركة طائرة حربية تابعة لقاعدة "بنينا" الجوية في الهجوم الذي شنته قوات حفتر، الجمعة.
وكانت أنباء ترددت، يوم السبت، عن استعدادات قوات مكلفة من المؤتمر الوطني (البرلمان) للتصدي لقوات حفتر، والهجوم على معسكر الرجمة، الذي تتمركز فيه قواته، فضلاً عن مهاجمة مطار بنينا الذي انطلقت منه الطائرة الحربية وقصفت عدة مواقع تابعة لكتيبة 17 فبراير وكتيبة سرايا شهداء ليبيا ومواقع تابعة لتنظيم أنصار الشريعة. وهو ما أسفر عن وقوع ضحايا ما بين قتلى وجرحى تجاوز عددهم 79 قتيلاً و141 جريحاً، حسب آخر إحصاء أعلنته مصادر طبية في بنغازي.
وقال المسؤول عن المنطقة الشرقية في وزارة الصحة، عبد الله الفيتوري، إن الحصيلة ارتفعت الى 79 قتيلاً و141 جريحاً توزعوا على خمسة مستشفيات، وفقاً لما ذكرته وكالة "فرانس برس".
حفتر يتعهّد بتطهير بنغازي
وكانت المخاوف من احتمال تجدد المعارك في بنغازي تجددت عقب تأكيد حفتر، السبت، نيته مواصلة عملية "كرامة ليبيا" التي بدأها الجمعة، بحجة تطهير بنغازي من تنظيم أنصار الشريعة وميليشيات أخرى.
وقال في بيان له، بثته قناة "ليبيا أولاً" (خاصة)، إن "عمليات كرامة ليبيا مستمرة"، متعهداً بتطهير مدينة بنغازي ممّن وصفهم بـ"التكفيريين".
كما دعا الضباط والجنود كافة في كل أنحاء البلاد إلى الامتثال لحالة النفير والالتحاق بمعسكراتهم فوراً، من دون أن يحدد أماكن تلك المعسكرات.
تنديد بانقلاب حفتر
في المقابل، ندد بيان مشترك صادر عن الحكومة والمؤتمر العام والجيش النظامي، بالحملة التي يشنها حفتر في بنغازي، معتبراً أنها محاولة "انقلاب".
واعتبر البيان، الذي قرأه رئيس المؤتمر الوطني العام، نوري أبو سهمين، أن الحملة التي يشنها حفتر على مَن يصفهم بـ"مجموعات إرهابية"، تحرك "خارج عن شرعية الدولة وانقلاب يقوده المدعو خليفة حفتر".
كذلك وصف أبو سهمين العسكريين المشاركين في الاشتباكات ضمن قوات حفتر بـ"الخارجين عن القانون وشرعية الدولة"، معتبراً أنه "يجب على رئاسة الأركان ووزارة الدفاع التصدي لهم ومحاكمتهم عبر الطرق الرسمية".
قلق دولي واستنفار جزائري
في غضون ذلك، أبلغت حكومة تسيير الأعمال الليبية، برئاسة عبد الله الثني، يوم السبت، سفراء الدول الغربية، "قدرتها على حسم الموقف وحماية الشرعية الدستورية في البلاد".
وقال المتحدث الرسمي باسم الحكومة الليبية، أحمد لامين، لوكالة "الأناضول"، إن سفراء الدول الغربية الذين التقوا الثني، مساء السبت، أبلغوه "قلقهم العميق" من تصاعد العنف والتدهور الأمني الكبير في بنغازي.
وأوضح لامين أن الثني أكد للسفراء "قدرة الحكومة والمقاتلين الثوار على حسم الموقف وحماية الشرعية الدستورية".
كذلك يتصاعد قلق دول الجوار من المعارك التي تشهدها ليبيا، إذ استنفرت الجزائر 40 ألف عسكري على حدودها مع ليبيا، إثر معلومات عن هجوم محتمل لجماعات محسوبة على تنظيم "القاعدة".
وقال مصدر أمني جزائري، مفضّلاً عدم الكشف عن هويته، لوكالة "الأناضول"، إن الجيش فرض حالة الاستنفار على القوات الموجودة على الحدود، والتي يبلغ تعدادها 40 ألف عسكري، منذ الخميس الماضي، أي منذ إخلاء مقر السفارة الجزائرية في العاصمة الليبية طرابلس.
وأوضح أن الخطوة جاءت بعد تقارير أمنية حذرت من احتمال تعرض القوات الجزائرية الموجودة على الحدود مع ليبيا لهجمات تنفذها جماعات سلفية جهادية مرتبطة بتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي".
وكانت السلطات الجزائرية أغلقت سفارتها وقنصليتها في ليبيا مؤقتاً، بسبب خطر داهم يستهدف دبلوماسييها هناك، بحسب بيان لوزارة الخارجية الجزائرية.
كذلك نقلت "الأناضول" عن مصدر أمني جزائري، طلب عدم الكشف عن اسمه، إعلانه مقتل جزائريين من أعضاء جماعة أنصار الشريعة الليبية، يوم الأربعاء الماضي، خلال مواجهات مسلحة وقعت في مدينة بنغازي.
وفي السياق، قال وزير الخارجية الليبي، محمد عبد العزيز، إن "مصر وافقت على استضافة مؤتمر أمن الحدود قبل نهاية العام الحالي".
وأوضح عبد العزيز، بعد اجتماعه بنظيره المصري، نبيل فهمي، يوم السبت في القاهرة، أنه "تحدث مع الوزير فهمي عن مبادرة مصر لعقد مؤتمر حول أمن الحدود، خصوصاً أن الأمن الآن يعتبر من الأولويات، سواء كان لليبيا أو لمصر أو على المستوى الإقليمي"، وفق البيان.
وأوضح وزير الخارجية الليبي أنه "جاء إلى مصر في إطار التشاور السياسي بين الدولتين، خصوصاً أن العلاقات الليبية المصرية هي علاقات ليس فقط تاريخية أو في إطار دولتين شقيقتين، ولكنها علاقات استراتيجية تتطلب التشاور في القضايا كافة سواء على مستوى العلاقات الثنائية أو القضايا الأخرى العربية أو الدولية ذات الاهتمام المشترك".
من جهته، أكد فهمي، على اهتمام مصر بعقد "مؤتمر أمن الحدود"، لافتاً إلى "أهمية الإعداد الجيد له حتى تصدر عنه نتائج ملموسة ومحددة تفيد الطرف الليبي أولاً، ودول الجوار ثانياً".
وحول ما تردد عن اعتزام ليبيا بناء جدار عازل على الحدود المصرية، أعرب الوزير الليبي عن أمله في أن يكون الجهاز الإعلامي مؤسسة مهنية إعلامية تنقل الحقائق ولا تعتمد على الشائعات وإنما على عمل حقيقي، على حد قوله، من دون أن ينفي أو يؤكد هذه الأنباء.
أما فهمي، فقال، في هذا الشأن، إن "العلاقة مع ليبيا لا يمكن أن تمس ببناء جدار، ومثل هذه الأمور لا يمكن أن تتم فالعلاقة مع ليبيا أكبر من هذا بكثير".
القدوة مبعوثاً عربياً إلى ليبيا
وفي تطور دبلوماسي عربي لافت، كلفت جامعة الدول العربية السياسي الفلسطيني، ناصر القدوة، بمنصب مبعوث الأمين العام للجامعة العربية لدى ليبيا.
وقال مسؤول في مكتب الأمين العام للجامعة لوكالة "الأناضول"، إن "الجامعة العربية كلفت ناصر القدوة بمنصب مبعوث الأمين العام لدى ليبيا، ما يعني توليه الملف الليبي ومتابعة أخر تطورات الأوضاع في الأراضي الليبية". وأوضح أن "المنصب مستحدث لدى الجامعة العربية".
وبحسب دبلوماسي ليبي، رفض الكشف عن هويته، فإن "اختيار القدوة، جاء عقب طرح الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي، التكليف على وزير الخارجية الليبي محمد عبد العزيز، وهو ما أيده الأخير".
وفي فبراير/ شباط الماضي، استقال القدوة من منصب نائب المبعوث الخاص للأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سورية، من دون تحديد الأسباب التي دفعته للاستقالة.
إطلاق سراح شاحنات مصرية
إلى ذلك، أطلقت مجموعة مسلحة تنتمي إلى أحد الأجهزة الأمنية الليبية، السبت، سراح شاحنات مصرية كانت تحتجزها منذ أيام، شرقي البلاد، بغرض الضغط على الحكومة الليبية لتسديد رواتب عناصرها المتأخرة.
وقال الملازم مختار سعد، التابع لمديرية أمن مدينة أجدابيا (شرق ليبيا)، لوكالة "الأناضول"، إن "إطلاق سراح الشاحنات جاء بعد وعود من قبل وسطاء أعطيت لأفراد الجهاز تفيد بقرب تسوية أوضاعهم المالية وتسديد رواتبهم".
وتابع المسؤول الأمني أن "عدد الشاحنات المصرية المطلق سراحها لا يزيد عن 30 شاحنة، وتصل إلى مصر عبر منفذ السلوم البري بين البلدين".
وفي القاهرة، قال المتحدث باسم الخارجية المصرية، بدر عبد العاطي، في بيان، إن "جهود الوزارة نجحت في حل الأزمة والسماح بمغادرة الشاحنات والسائقين، وفقاً لما أكده سفير مصر في ليبيا".
ونصحت الخارجية المصرية "المصريين المقيمين هناك بتوخي أقصى درجات الحرص والحذر في تحركاتهم خارج مناطق الإقامة والعمل".