ليبيا: "داعش" يطلّ برأسه من سرت

16 فبراير 2015
تُعدّ سرت المنفذ البحري الأقرب إلى جنوب ليبيا(فرانس برس)
+ الخط -

تناقلت وسائل الإعلام، أخيراً، أنباءً عن سيطرة مجموعة مسلحة، قالت إنّها تنتمي لتنظيم "الدولة الإسلامية"، فرع ليبيا، على قناة "الوطنية" التلفزيونية وإذاعة "مكمداس" المحلية، في مدينة سرت، شرق العاصمة طرابلس. وبثت الوسلتان الإعلاميتان خطباً لزعيم تنظيم "داعش" أبو بكر البغدادي، وللناطق الرسمي باسمه محمد العدناني، اللذين دعيا إلى مبايعة التنظيم، في موازاة تلقي مواطنين رسائل نصيّة على الهواتف المحمولة، يوم الخميس الماضي، تتضمن دعوة لحضور "استتابة" بعض أفراد جهاز الشرطة في أحد مساجد المدينة.

ودفعت هذه التطورات برئيس المؤتمر الوطني العام وعدد من قياديي المؤتمر الى الاجتماع مع رئيس المجلس الأعلى للداخلية ورئيس الأركان العامة للجيش الليبي ورئيس جهاز الاستخبارات وآمر غرفة العمليات المشتركة، يوم السبت الماضي في طرابلس. وانتهى الاجتماع بالإعلان عن "تشكيل قوة مشتركة لاسترجاع مدينة سرت، بعد سيطرة المسلحين عليها، وإعلان عدم تبعيّة المرافق والمؤسسات فيها لشرعيّة الدولة الليبيّة".

وتواردت أنباء عن تحرّك قوة من مدينة مصراتة، قوامها 120 سيارة من لواء المحجوب باتجاه سرت، لم تتأخّر في إنذار المجموعة المسلّحة بإخلاء ومغادرة الأماكن التي سيطروا عليها، ومن بينها أحد فنادق المدينة ومبنى "قاعة واغادوغو" الشهيرة.

ويرى مراقبون أنّ العمليّة التي قامت بها هذه المجموعة والتي تدّعي انتسابها إلى تنظيم "داعش"، هي "عمليّة استخباراتيّة هدفها خلط الأوراق"، في وقت تستمر فيه العمليات العسكرية في غرب ليبيا، خصوصاً في محيط قاعدة الوطية، غرب العاصمة طرابلس. وتحاصر قوات "فجر ليبيا"، جيش القبائل الليبية الموالي للواء المتقاعد خليفة حفتر من محاور عدّة في القاعدة، وكذلك في محيط ميناء السدرة النفطي شرقي سرت، حيث تحاصر قوات "عملية الشروق"، المكلفة من القائد الأعلى للقوات المسلحة نوري بوسهمين باسترجاع مرافئ النفط الليبية في منطقة الهلال النفطي، الخاضعة لسيطرة حرس المنشآت النفطية برئاسة إبراهيم الجضران، الذي أعلن ولاءه لمجلس النواب الليبي المنحل.

وتُعدّ مدينة سرت المنفذ البحري الأقرب على جنوب ليبيا، وترتبط بمشروع قديم لبعض القبائل العربية في الجنوب الليبي، يقوم على استقلال الجنوب ضمن مشروع فزان الكبرى. كما أنّها قريبة من أكبر موانئ تصدير النفط الليبي، ومن أكبر قوة مسلحة ومنظمة في ليبيا موجودة في مدينة مصراتة، وأحد أهم الأهداف الحيوية التي يسعى حفتر للسيطرة عليها.

ويربط مراقبون بين توقيت العملية والحوار الليبي الذي يقوده المبعوث الأممي الخاص برناردينو ليون، الذي نجح في تحقيق بعض الحلحلة، بعدما استطاع جمع وفدي مجلس النواب الليبي المنحل، ووفد المؤتمر الوطني العام، إضافة إلى أعضاء مقاطعين لمجلس النواب الليبي المنحل، وسفيري ألمانيا وبريطانيا، في أولى جلسات الحوار داخل ليبيا، بعد جولتين سابقتين في جنيف.

ويثير ظهور "الدولة الإسلامية" في سرت في هذا التوقيت، شكوكاً حول منفّذي العملية وتوقيتها وأهدافها. وتربط مصادر محليّة بين توقيت العملية وتراجع الأداء العسكري لقوات حرس المنشآت النفطية في محيط ميناء السدرة النفطي. ويبدو أنّ المؤتمر الوطني، والقيادة العسكرية التابعة له في مصراتة، الأقرب لسرت من ناحية إمكانية تحريك قوات مسلحة، سيكون محرجاً مع توفّر خيارات محدودة أمامه. فإما أن يحرك قواته باتجاه سرت وتنجر قيادته العسكرية إلى معركة جانبية، تسمح لحرس المنشآت النفطية بالتقاط أنفاسه وإعادة ترتيب أوراقه، بعد تخفيف الضغط عليه، وإما ألا تتحرك. ومن شأن الخيار الثاني أن يظهر مصراتة والمؤتمر العام، وكلّ المرتبطين بهما من عسكريين ومدنيين، كما لو أنّهم متحالفين أو راضين عن ممارسات "داعش".

ويتيح هذا الخيار لمجلس النواب الليبي المنحل، امكانيّة المطالبة باعتبار قوات "فجر ليبيا" منظمة أو ميليشيات إرهابية، على غرار القرار الأميركي وقرار مجلس الأمن الدولي، اللذين اعتبرا تنظيم "أنصار الشريعة" منظمة إرهابية.

وينظر متابعون للشأن الليبي إلى ظهور أحمد قذاف الدم، أحد أبرز قيادات نظام العقيد الراحل معمر القذافي، على قناة دريم المصرية، وثنائه على تنظيم "داعش"، على أنّه "شرعنة" لأسلوب مقاومة التنظيم، وهو لا يعني وفق المتابعين إلا "تبعية وتمويل مجموعة سرت من قبل قذاف الدم". ويقول هؤلاء إنّ "مدح تنظيم داعش في وقت يقود فيه التحالف الدولي حرباً عليه في العراق وسورية، وتراجع الحريات في مصر بعد انقلاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لا يعني إلا التنسيق الاستخباراتي للقيام بعمليات ونسبها إلى تنظيم داعش".

في المقلب الآخر، يعتبر مراقبون أن تنظيم "داعش" بات "حقيقة قائمة" في ليبيا، حيث استطاع فرض سيطرته على مدينة درنة، أقصى الشرق الليبي، وله وجوده في بنغازي وسرت وطرابلس وصبراتة، في غرب ليبيا. ويشيرون إلى أنّ تنظيم "داعش" استغلّ الفراغات والفجوات الأمنية والسياسية في ليبيا ليوسّع نفوذه في مناطق ومدن تفتقر إلى وجود أية مؤسّسات أمنيّة.

وتعرب المصادر ذاتها عن اعتقادها بأنّ "فرع التنظيم في ليبيا بولاياته الثلاث (شرق وغرب وجنوب)، يحاول إثارة انتباه التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وتوجيهه نحو ليبيا، لتخفيف ضغط الهجمات الجويّة، بعد إعلان التحالف قرب إنزال قوات برية في مناطق سيطرته في العراق وسورية". كما يحاول التنظيم، وفق مراقبين، "السيطرة على أكبر عدد من الأماكن الحيوية والمدن الليبية كمأوٍ لتابعيه، وإنشاء معسكرات تدريب تعوّض قتلاه في جبهات سورية والعراق".

المساهمون