ليبرمان يخاف الشهداء

27 يوليو 2018
+ الخط -
محمودٌ موقف الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، وهو يعلن عدم استعداده خصم أو منع مخصصات عائلات الشهداء والأسرى والأسرى المحررين. وأكثر من ذلك، تحدّى أبو مازن إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية بصرف آخر قرش في خزينة السلطة على عائلات الشهداء والأسرى. وجاءت تصريحات الرئيس الفلسطيني على خلفية تحركات إسرائيلية أميركية متوازية، تسعى إلى تجريم المقاومة، وحرمان الأسرى وأسر الشهداء من أبسط حقوقهم في الحياة الكريمة، بعد أن فقدوا حريتهم خلف القضبان، أو فقدوا حياتهم شهداء على طريق التحرير.
وكانت سلطات الاحتلال العنصرية قد سنت، قبل أسابيع قليلة، تشريعاً قدمه وزير الحرب، أفيغدور ليبرمان، يقضي بخصم مبالغ من عائدات الضرائب للسلطة، بغرض إجبارها على وقف دفع رواتب الأسرى. وقال ليبرمان "ستحول الأموال التي يدفعها أبو مازن للإرهابيين إلى منع الإرهاب، ودفع تعويضات لعائلات القتلى الإسرائيليين". وليبرمان هذا ضالع في حقده على الأسرى، وقد طالب، إبّان إضراب الأسرى العام الماضي، بتبني سياسة رئيسة الوزراء البريطانية السابقة، مارغريت تاتشر، في التعامل مع الأسرى، حين رفضت التفاوض مع إضراب قادة الجيش الجمهوري الأيرلندي ومناضليه عن الطعام عام 1981، ما أدى إلى وفاة عشرة منهم، أولهم ابوبي ساندز الذي توفي داخل السجن البريطاني بعد إضراب عن الطعام استمر 66 يوماً.
أما حقد ليبرمان، وحكومته اليمينية العنصرية، على الشهداء، فقد وصل إلى حد المطالبة بوقف المساعدات لأي مدرسة فلسطينية تحمل اسم شهيد، بزعم أن هذه المدارس التي تُخَّلد أسماء "قَتَلى وإرهابيين إنما تًربى أجيالاً من الإرهابيين المستعدين لقتل إسرائيليين". وقد سبق لصحيفة العربي الجديد أن أضاءت على حملةٍ نظمها اللوبي الصهيوني في بريطانيا بغرض تحريض الحكومة البريطانية على وقف أي مساعداتٍ بريطانية وأوروبية لحوالي 24 مدرسة في الضفة الغربية "تُمجد الشهداء"، بتسمية تلك المدارس بأسماء قادة فلسطينيين، ناهيك عن رسومات لشهداء على جدران تلك المدارس، وعبارات مثل "أول الرصاص وأول الحجارة". وتزعم صحيفة ديلي ميل الداعمة لإسرائيل أن "بعض إدارات تلك المدارس تُدرب تلاميذها على حفظ الشعارات النضالية والثورية، وتمثيل مشاهد مسرحية لقتل الجنود الإسرائيليين"، وأن إدارات تلك المدارس "تنفق أموال المانحين البريطانيين والأوروبيين في غير مقاصدها، من خلال مواد تعليمية تمحو وجود إسرائيل عن خرائطها، عدا عن تشجيع المعلمين لتلامذتهم على التشبه بالشهداء".
ليس الهجوم الإسرائيلي على حقوق الأسرى والشهداء وأُسرهم معزولاً، وأفيغدور ليبرمان ليس ذئباً منفرداً، بل هو رأس الحربة في كيان عنصري تسانده إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لاسيما الثلاثي جيرارد كوشنير، وجيسون غرينبلانت، والسفير الأميركي في إسرائيل، دافيد فريدمان، المُنوط بهم الملف الفلسطيني - الإسرائيلي. وقد سبق لمبعوث ومستشار وصهر الرئيس الأميركي، كوشنير، أن طالب الرئيس الفلسطيني، بكل وقاحة، بقطع رواتب الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. وبلغ حقد الإدارة الأميركية على الأسرى والشهداء وأسرهم أبشع صوره، عندما أقر الكونغرس قانون تايلور فورس، بغرض إجبار السلطة الفلسطينية على وقف دفع رواتب الأسرى الفلسطينيين، وعائلات الشهداء، وهو التشريع الذي اتكأت عليه الإدارة الأميركية، عندما قرّرت تجميد المساعدات للسلطة الفلسطينية، وهو القفاز نفسه الذي تلبسه حكومة بنيامين نتنياهو، وهي تسطو اليوم على مخصصات الأسرى والشهداء، وتحولها إلى "ضحايا" إسرائيليين أصيبوا أو قتلوا بفعل "الإرهاب" الفلسطيني. هكذا ديدن الاحتلال العنصري، يقضي بعدالةٍ عوراء تحتفل بحرق الطفل علي سعد دوابشة وعائلته، وتُمجّد باروخ غولدشتاين، قاتل المصلين الساجدين في الحرم الإبراهيمي. في ميزان دولة القومية اليهودية، ترتفع كفة الجلاد وكفه، وتهوي الضحية بلا وزن.
محمودٌ الانتصار لحقوق الأسرى وعائلات الشهداء، إلا أنه يظلّ منقوصاً طالما ميَّز بين أسير وآخر، أو فرًّق بين شهيد وآخر، أم إنهم ليسوا جميعاً "كواكب ونجوم في سماء نضال الشعب الفلسطيني، ولهم الأولوية في كل شيء"، كما يقول الرئيس أبو مازن، أم أننا سنختلف حتى على لون دم الشهيد؟
AE03ED80-FBD8-4FF6-84BD-F58B9F6BBC73
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.