06 نوفمبر 2024
لو يستفيد "المجلس الكُردي" من تونس
شفان إبراهيم
أسقطت تونس "السستام"، وظهرت شخصيات لم يكن وجودها الانتخابي أكثر من مُجرد مُشاركة لإثبات وجودها، وفق تصورات الأحزاب التونسية التاريخية، والتي كانت قد سيطرت على البرلمان، وسقوط أكبريها "نداء تونس" و"حركة النهضة". حصل المرشح في الانتخابات الرئاسية، قيس سعيد، على نسبة كبيرة من أصوات الشباب "المشتركين في التصويت"، ومعظمهم من القاعدة التعليمية والذين تتلمذوا على السعيد في الجامعة. وفي الوقت نفسه، شهدّ الإقبال الشبابي على الصناديق شحّاً ملحوظاً، ما عنى أنه لا مُمثل عن شريحة الشباب التي أسقطت بن علي. في حين أن مُنافسه رجل الأعمال نبيل القروي حصد أصوات فقراء كانت "المونة" التي يوزعها مجاناً تعينهم.
مُرشحان مغموران يُطيحان أكثر المُرشحين شهرة، فلا رئيس الحكومة، ولا وزير الدفاع، ولا صاحب الكتلة الثالثة في البرلمان، حمّة الهمامي، ولا البقية نجحوا في الاستفادة من مكانتهم ومناصبهم. فتأكد أن حيوات الناس ومصائرهم ومصالحهم هي التي باتت تتحكم بالمزاج العام، وليس الشعارات والقضايا التي ملتّ الناسُ تكرارها وترديدها.
لو نُسقط "التونسة"، إن جاز التعبير، على الوضع الكردي في ما يُعرف بشرق الفرات في
سورية. ولتكن البداية بالمفارقة التي اعتقد صاحب مرويتها أنه بذلك يبعث رسائل تُخوله لتمثيل ناصية الحقيقة والواقعية الكُردية. فخلال جلسة ودّية، حادَثَ أحد قيادات الصف الأول للمجلس الكُردي صديقا مُقربا عن اعترافهم في المجلس بعجزهم الحالي عن أيَّ تغيير، وبل فشلهم في قراءة المشهد السياسي والعسكري لبدايات الحدث السوري، وتصوّرهم انتهاء الحرب وسقوط النظام خلال أشهر، واعتقادهم أن حزب الاتحاد الديمقراطي، خلال بدايات نزوله إلى الشارع الكردي، وتدخله في سير المظاهرات والاعتصامات، ومحاولة تغيير وجهة الحِراك سينتهي مفعوله قريباً. وأنهم مُرتاحون كثيراً، خصوصا مع اندماجهم أخيرا مع تيار رئيس إقليم كردستان في العراق، مسعود البرزاني، في سورية، وتصوّرهم أن الرجل سيحمل مفتاح "كُردستان سوريا"، ويمنحهم إياه وهم نائمون. ثم بادره الصديق بالقول: أتذكر في عام 2002 أقيمت بطولة كأس العالم لكرة القدم في كوريا الجنوبية واليابان. وحينها أقدم أحد المشرفين الكوريين على الانتحار، بسبب تأخره عن تسليم المنشآت في الموعد المُحدد يومين فقط.
لا اختلاف كبيرا في لغة التعاطي اليوم مع حيوات الناس ومصائرهم عن تلك التي شرحت مواقفها من الحدث السوري، ورؤيتهم للحل، وفي وصف الحياة السياسية ومستقبل المنطقة ودور العنصر الشاب والنُخب الكُردية وتمثيلها عصب العملية السياسية والإدارية المُقبلة، ليؤكّدوا "جدية" مساعيهم المستقبلية نظريا. ولطالما عبرت لغة المجلس الكردي، في تعاطيه مع الوقائع الميدانية عن جهل بمصائر تلك الشرائح التي خرجت مُناصرةً له.
أكثر شعارات المجلس الكُردي ووعوده، منذ بدايات انخراطه سواء مع الحِراك الشبابي، أو انضمامه للمعارضة السورية، لم تنفذ. زاد الفقراء، وانتشر الجهل أكثر، وأعداد المهاجرين مرعبة في ظل عدم اتكاء المجلس على سلاحه الأبرز "الكتلة البشرية"، وفقدانه أبرز أدوات توظيف تلك البنية الصلبة البالغة التأثير في أيَّ مشهد واستغلالها، ويكاد يخال للغالبية أن أداة "التخطيط الاستراتيجي والأهداف" تُشكل خطراً وجودياً على المجلس. صحيح أن الاتحاد الديمقراطي سيطر على كُل مجريات الحياة السياسية والاقتصادية وأنشطتها، فإن مقولة القيادي، وهي قناعة المجلس على أيَّ حال، تشفع للجميع الاستدارة.
كُل شيء يُميع إلى درجة السفاهة. للمجلس الكُردي مكتب إعلامي غابت عنه أيَّ خطّة منذ ثماني
سنوات. بعد كل هذه المدة، يقول قادة في المجلس "يجب أن نعرف ماذا يُريد الكُرد في سورية"، أو "يجب معرفة الحل الأفضل لحّل القضية الكُردية"، وفي أفضل مراحل الخِطاب "يجب أن لا ندع الفرصة تفوت منا".
أفضل القول هو استعراض الحقيقة من دون الحكم النهائي عليها، أو التسبب بالانقسام حولها. لا أحد في كُل "المنطقة الكُردية" يقتنع بأن الأجسام السياسية والإدارية تمتلك أيَّ خطط أو برامج مستقبلية، وبل لا تصوّر لحلول للحياة المزرية التي يعيشها أهل المنطقة. هذه المرارة مُثبتة وفق مسار المجلس الكُردي، الغائب عن كل ما يمت للاستراتيجيات والتخطيط طويل الأمد والخطط القصيرة بأي صلة، وراحت تستمر على منوالها، وتعي جيداً أن المستمع لهم كالطالب الشارد في صفه، حين يُكثر المُدرس من شرحه، وقابله زيادة ضعف البنى الداعمة لمعيشة مُناصريه. لو أراد أحدُنا أن يُقدّم الوضع الكُردي في سورية إلى العالم، ماذا يُمكن له القول؟ منطقة غير مؤهلة للتحول إلى كيان للحكم الذاتي، أم أن أفضل التوصيات هي القول " الشعب الكردي في سوريا الله حاميه"؟
لو سأل المجلس الكُردي نفسه: هل يرغبون أن يكونوا جزءاً من العالم المتجه نحو التحضر، وليس العالم المُتحضر؟ رُبما يكون الجواب الواقعي: نعم، يُريدون أن يكونوا جزءاً من ذاك العالم المُستهدف. لكنهم لن يتمكّنوا من التوفيق بين نماذجهم في تجاهل المواطن ونموذج العالم الجديد.
قدّم النموذج التونسي درساً وصفعة قوية للكتل العقلية المتشبثة بصواب تصحّرها الفكري. ووفق الراهنية الحالية، أيَّ مُرشح من المجلس الكردي لأيَّ مركز يوجد من يُنافسه، فإن النتيجة تبقى في خطر السقوط المدوي. وهو ما سيجلب لنا جميعاً من الكوارث أكثر من المُترشح نفسه. نماذج عديدة تفصح عن عزوف النُخب والأجيال الصاعدة عن الاقتناع بالفكر المُتكرّر، أو اجترار المقولات والأحاديث عينها. الوقت المستقطع قاب قوسين أو أدنى للانتهاء. وفي المحصلة، الشرائح التي وجدت في سياسات المجلس خلاصها وصوابيتها وحدها ستدفع الثمن.
لو نُسقط "التونسة"، إن جاز التعبير، على الوضع الكردي في ما يُعرف بشرق الفرات في
لا اختلاف كبيرا في لغة التعاطي اليوم مع حيوات الناس ومصائرهم عن تلك التي شرحت مواقفها من الحدث السوري، ورؤيتهم للحل، وفي وصف الحياة السياسية ومستقبل المنطقة ودور العنصر الشاب والنُخب الكُردية وتمثيلها عصب العملية السياسية والإدارية المُقبلة، ليؤكّدوا "جدية" مساعيهم المستقبلية نظريا. ولطالما عبرت لغة المجلس الكردي، في تعاطيه مع الوقائع الميدانية عن جهل بمصائر تلك الشرائح التي خرجت مُناصرةً له.
أكثر شعارات المجلس الكُردي ووعوده، منذ بدايات انخراطه سواء مع الحِراك الشبابي، أو انضمامه للمعارضة السورية، لم تنفذ. زاد الفقراء، وانتشر الجهل أكثر، وأعداد المهاجرين مرعبة في ظل عدم اتكاء المجلس على سلاحه الأبرز "الكتلة البشرية"، وفقدانه أبرز أدوات توظيف تلك البنية الصلبة البالغة التأثير في أيَّ مشهد واستغلالها، ويكاد يخال للغالبية أن أداة "التخطيط الاستراتيجي والأهداف" تُشكل خطراً وجودياً على المجلس. صحيح أن الاتحاد الديمقراطي سيطر على كُل مجريات الحياة السياسية والاقتصادية وأنشطتها، فإن مقولة القيادي، وهي قناعة المجلس على أيَّ حال، تشفع للجميع الاستدارة.
كُل شيء يُميع إلى درجة السفاهة. للمجلس الكُردي مكتب إعلامي غابت عنه أيَّ خطّة منذ ثماني
أفضل القول هو استعراض الحقيقة من دون الحكم النهائي عليها، أو التسبب بالانقسام حولها. لا أحد في كُل "المنطقة الكُردية" يقتنع بأن الأجسام السياسية والإدارية تمتلك أيَّ خطط أو برامج مستقبلية، وبل لا تصوّر لحلول للحياة المزرية التي يعيشها أهل المنطقة. هذه المرارة مُثبتة وفق مسار المجلس الكُردي، الغائب عن كل ما يمت للاستراتيجيات والتخطيط طويل الأمد والخطط القصيرة بأي صلة، وراحت تستمر على منوالها، وتعي جيداً أن المستمع لهم كالطالب الشارد في صفه، حين يُكثر المُدرس من شرحه، وقابله زيادة ضعف البنى الداعمة لمعيشة مُناصريه. لو أراد أحدُنا أن يُقدّم الوضع الكُردي في سورية إلى العالم، ماذا يُمكن له القول؟ منطقة غير مؤهلة للتحول إلى كيان للحكم الذاتي، أم أن أفضل التوصيات هي القول " الشعب الكردي في سوريا الله حاميه"؟
لو سأل المجلس الكُردي نفسه: هل يرغبون أن يكونوا جزءاً من العالم المتجه نحو التحضر، وليس العالم المُتحضر؟ رُبما يكون الجواب الواقعي: نعم، يُريدون أن يكونوا جزءاً من ذاك العالم المُستهدف. لكنهم لن يتمكّنوا من التوفيق بين نماذجهم في تجاهل المواطن ونموذج العالم الجديد.
قدّم النموذج التونسي درساً وصفعة قوية للكتل العقلية المتشبثة بصواب تصحّرها الفكري. ووفق الراهنية الحالية، أيَّ مُرشح من المجلس الكردي لأيَّ مركز يوجد من يُنافسه، فإن النتيجة تبقى في خطر السقوط المدوي. وهو ما سيجلب لنا جميعاً من الكوارث أكثر من المُترشح نفسه. نماذج عديدة تفصح عن عزوف النُخب والأجيال الصاعدة عن الاقتناع بالفكر المُتكرّر، أو اجترار المقولات والأحاديث عينها. الوقت المستقطع قاب قوسين أو أدنى للانتهاء. وفي المحصلة، الشرائح التي وجدت في سياسات المجلس خلاصها وصوابيتها وحدها ستدفع الثمن.
مقالات أخرى
12 أكتوبر 2024
30 سبتمبر 2024
15 سبتمبر 2024