لورا سروجي.. تذكارات فلسطين بلغة بريل

08 مايو 2017
+ الخط -
تستحضر الفنانة الأردنية الفلسطينية لورا سروجي بعناية خاصة صوراً لمنتجات صنعت في فلسطين لا تزال قائمةً عبر عشرات ومئات السنين، وتُستخدم في الأكل والشرب وسواهما بشكل يومي، لكنها استقرّت في الوعي والممارسة بوصفها "تذكارات" تحيل إلى شعور مركّب حيال ما تبعثه من أمل وما تحجبه من واقع.

"الاستهلاك الوطني ونزع الحساسية" عنوان معرضها الذي افتتح في "دارة الفنون" في الثاني والعشرين من نيسان/ أبريل ويستمر حتى العشرين من حزيران/ يونيو المقبل، يقابله في الإنكليزية "Patriotic Consumption & Desensitization".

ابتدأ النقاش مع الفنانة حول المعرض من عنوانه، حين نمتلك الأيقونة ونبتهج بحضورها المكرّر في حياتنا وتعفينا من الإحساس بفقدان أصلها في الحقيقة، فيتمّ استبدال غضبنا تجاه سلبها بفعل استذكار لجمالياتها لا يولّد أي فعل مقاوم يُذكر.

تتحوّل الهزيمة إلى مجرد صورة يجري الاكتفاء باستذكارها من الماضي دوماً رغم أن هزيمتنا مستمرة، فإن الحدث يصبح مثل كتابة "بريل" برموز غير نافرة، لا يتمكّن المبصر من فهمها ولا الكفيف من قراءتها، وهو ما عبّرت عنه الفنانة في أكثر من عمل؛ حيث تفرش مساحة أرضية في قاعة العرض تنقسم إلى مربعات متجاورة في كل مربّع "تذكار" لصابون الجمل، الماركة الشهيرة التي ما زال ينتجها مصنع الشكعة في نابلس، لتكوّن جميعها عبارة "صنع في فلسطين" كما تُكتب بلغة بريل لكن بسطح أملس.

نجد لوحتين بالأكريليك والرزن؛ الأولى "رام الله 67" وتتكوّن من مربعات بورق الـ"غلاسيه" الذي يغلّف بها محل "ركب" لبيع البوظة في رام الله منتجاته، وكُتب عنوان العمل بطريقة المكفوفين كما العمل السابق، والثانية أعدّت بالطريقة ذاتها لغلاف صابون الجمل وعنوانها "نابلس 67".

في أعمال أخرى، تُعرض أغلفة وصور لمحالّ أخرى، مثل "حلويات المحروم" التي تأسّست في الناصرة عام 1890، و"حلويات العكر" التي أنشئت في نابلس عام 1946، و"بن زحيمان" الذي انطلق من القدس عام 1920، وكذلك "مطعم أبو اسكندر" في رام الله، و"فلافل ميشيل: كل لقمة حكاية" في حيفا.

تبدو التذكارات/ الأعمال لامعة ومبهرة، قبل أن تنتقل إلى عمل بعنوان "نزع الحساسية" المكوّن من أسلاك شائك ملوّنة يبرز فيها الأصفر، الذي يرمز إلى فكرة المعرض الأساسية بوصفه لون التفاؤل والحياة مثلما هو لون الذبول والانحطاط، وفي الأعمال الأربعة التي تليه تبدأ الحياة بالتكوّن خلف الأسلاك بالأزرق وكأنها في مراحل تشكّلها كأيقونة في المستقبل.

الأصفر يتداخل في تجسيم لأنابيب إنارة "نيونات" تجري إضاءتها فجأة في الغرفة المعتمة حيث يُعرض قسم آخر من الأعمال، ليصطدم الزائر ويضعه في مواجهة مع اللحظة التي نعيشها وامتدادها في الماضي؛ "نقش همرشولد" الذي صنتعه امرأة غزّية في خمسينيات القرن الماضي، متفائلة بزيارة داغ همرشولد، ثاني أمين عام للأمم المتحدة، بعد تعرّض غزة إلى أول عدوان إسرائيلي.

رحل همرشولد عام 1961 في حادث سقوط طائرة، وظلّ نقشه يذكّر بلحظة حلم بها الفلسطينيون بزوال الاحتلال، لتستعيد سروجي الحادثة بنقش آخر طرزته على أكياس المعونات التي تصل إلى اللاجئين في مخيم غزة في الأردن، وتعلوه حمامة سلام منسوجة بالأصفر.

تبحث الفنانة عن أكياس الإسمنت التي اتهمت "الأونروا" بتهريبها إلى قطاع غزة عام 2014، ولما تيّقنت أنها محض افتراء، افترضت وجودها في لوحة بعنوان "إرهاب غزة المتخيّل".

تختتم الفنانة مفهوم الاستهلاك الوطني بعمل تفاعلي تحضر فيه أطباق تحتوي أصباغاً بألوان الكركم والعصفر والشمندر والملفوف الأحمر وصبغة الكنافة على مائدة يعلوها لفافة ورق، يجلس حولها الزوّار الذين يضعون الأواني داخل الأطباق ويصبغون بها الورق بما يشبه "النقاش السياسي" الذي لا يحضر إلا وقت الطعام وينتهي عند ابتلاع اللقمة الأخيرة.

المساهمون