كل يوم تقريباً تبرز معلومات جديدة حول لوحة "سالفاتور مُندي" (مخلّص العالم) للرسام الإيطالي ليوناردو دافنشي. ومع كل معلومة يزداد الغموض حول مصير اللوحة التي كان يفترض أن تعرض منذ أشهر طويلة في متحف اللوفر في أبو ظبي. وهو ما لم يحصل حتى اليوم؛ إذ منذ شرائها بمزاد علني من قبل الأمير السعودي بدر بن عبدالله آل سعود، نيابة عن ولي العهد محمد بن سلمان، في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2017، نشرت عشرات المعلومات حول عملية الشراء وأهدافها، وحول أصالة اللوحة، والأهمّ حول مكانها الحالي، المجهول بالنسبة إلى كل النقّاد الفنيين في العالم.
ليوناردو الأخير
من أين نبدأ إذاً؟ من التقرير الذي نشرته صحيفة "ذا تايمز" البريطانية أول من أمس السبت، وكشفت فيه عن معلومات نقلاً عن كتاب جديد بعنوان The last Leonardo للناقد وأستاذ الفنون البريطاني بن لويس. الكتاب الذي سينشر على أجزاء عدة في "ذا تايمز" يكشف للمرة الأولى أن "دار العرض الوطنية National Gallery" البريطانية وعند عرضها اللوحةَ عام 2011، ضمن "معرض ليوناردو دافنشي"، ذكرت معلومة مضللة في الكتيّب الخاص بهذه التحفة، إذ قالت إنها "لوحة أصلية رسمت بريشة دافنشي نفسه". لكن ما لم يذكره الكتيّب، بحسب بن لويس، هو أن الدار تجاهلت تماماً تعليقات 5 متخصصين في أعمال دافنشي، عرضت عليهم اللوحة سنة 2008، أي قبل المعرض بثلاث سنوات، للتأكد من أصالة اللوحة. وقد جاءت أجوبة المتخصصين على الشكل التالي: اثنان اعتبرا أن العمل أصلي، وواحد اعتبره مزيّفاً، واثنان رفضا التعليق. وهو يطرح علامات استفهام حول أصالة اللوحة تجاهلتها الدار، بل عمدت إلى طمسها، حاسمة أن العمل رسمه دافنشي نفسه.
وهذا الحسم نفسه، هو الذي أدى إلى ارتفاع سعر اللوحة من 1175 دولاراً عام 2005 إلى 450 مليون دولار في 2017.
علامات الاستفهام السابقة
هذا التشكيك في أصالة اللوحة طبعاً ليس الأول منذ العام 2017، بل إن نقّاداً أكدوا في أحاديث صحافية مختلفة أن اللوحة ليست أصلية، حتى أن الأستاذ المحاضر في جامعة "أوكسفورد" ماثيو لاندروس، يكاد يجزم أن أغلبية مراحل اللوحة نفّذها مساعد دافنشي، الشاب برناردينو لويني.
كما أنّ صحيفة "نيويورك تايمز" نشرت نهاية شهر مارس/آذار الماضي تحقيقاً مطولاً لمراسلها الدولي ديفيد كيركباتريك (كان مديراً لمكتب الصحيفة في القاهرة بين العامين 2011 و2015)، يسأل فيه عن سبب عدم عرض اللوحة حتى اليوم في متحف اللوفر.
في التقرير الذي نشرته الصحيفة الأميركية، أكد كيركباتريك أن دائرة الثقافة في إمارة أبوظبي أعلنت بعد حوالي شهر من المزاد العلني الذي بيعت فيه اللوحة أنها حصلت عليها، ومن المقرر عرضها في متحف لوفر أبوظبي، إلا أنه تم إلغاء عرضها في سبتمبر/ أيلول الماضي ودون أن توضح إدارة المتحف أسباب الإلغاء، مكتفية بالتغريد على حسابها على "تويتر" قائلة: "متحف لوفر أبوظبي، سيؤجل كشف الستار عن لوحة "سالفاتور مندي" أو "مخلص العالم" للفنان العالمي الشهير، ليوناردو دافينتشي، لأجل غير مسمى".
وقالت "نيويورك تايمز" إن فشل أبوظبي في عرض اللوحة أثار الشكوك حول صلتها بدافينتشي، الأمر الذي أثار خوف بن سلمان، المالك الجديد، من عرضها في معرض عام خشية خضوعها للتدقيق من قبل الخبراء والأكاديميين المتخصصين في أعمال الرسام الإيطالي، ما قد يكشف حقيقتها وزيفها.
رغم رفض أبوظبي الإجابة عن الأسئلة المطروحة عليها، إلا أن "نيويورك تايمز" استطاعت بطريقة سرية الوصول إلى موظفي لوفر أبوظبي الذين أكدوا لها أنهم لا يعرفون مكان وجود اللوحة. وأكدت الصحيفة أن متحف اللوفر الباريسي الذي منح أبوظبي ترخيصا لإنشاء متحف محلي يحمل اسمه، لم يستطع هو الآخر تحديد مكان لوحة Salvator Mundi، وذلك وفقاً لمسؤول مطلع على مناقشات المتحف مع أبوظبي، رفض الكشف عن اسمه بسبب سرية المحادثات.
ومضى تقرير "نيويورك تايمز" في القول إنه لم يكن من الواضح أبداً كيف حصلت أبوظبي على اللوحة من السعودية، وهل حصلت عليها هدية أو عن طريق قرض أو صفقة بيع خاصة، مضيفاً أن البعض تكهن بأن ولي العهد السعودي ربما قرر الاحتفاظ بها. وللحديث عن هذه الفرضية، رفضت السفارة السعودية في واشنطن التعليق.
وقدمت نيويورك تايمز في تقريرها سرداً تاريخياً للوحة المثيرة للجدل، مؤكدة أنها رسمت عام 1500 وهي أحد عملين متشابهين وكانت ضمن مجموعة للملك تشارلز الأول ملك إنكلترا تم جردها بعد إعدامه عام 1649، مشيرة إلى أن اللوحة اختفت من السجلات الفنية التاريخية في أواخر القرن الثامن عشر.
الشكوك بعد عملية البيع
لكن التقارير الصحافية لم تكن وحدها التي طرحت علامات استفهام حول أصالة اللوحة، بل مباشرة بعد إتمام عملية البيع بمبلغ 450 مليون دولار، كتب المدير السابق لـ"متحف متروبوليتان" في نيويورك، توماس كامبل، على حساباته على مواقع التواصل، معلقاً على شراء اللوحة بهذا المبلع: "450 مليون دولار؟! آمل أن يكون المشتري مدركاً حجم النقاش حول اللوحة". ونشر مع تعليقه صورة لـ"مخلص العالم" أثناء عملية ترميمها، في إشارة إلى أن اللوحة التي باعتها "دار كريستيز" في مزاد علني للأمير السعودي قد تم ترميمها بشكل مبالغ فيه.