الأزمة الاقتصادية في غزة مستمرة، لكنّ كثيراً من المعلمين لا يشعرون مع أولياء الأمور، بل يستمرون في طلب لوازم إضافية من التلاميذ ترهق الأهالي.
فرحت عائلات غزية كثيرة بالقرار الصادر من وزارة التربية والتعليم الفلسطينية في قطاع غزة في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، الذي يقتضي بأسلوب تعليم جديد يعفي التلاميذ الصغار من الصف الأول الى الرابع الابتدائي من الاختبارات لتخفيف ضغوط الدراسة على أطفالهم. لكنّ الفرحة لم تدم إذ بدأ أطفالهم يطالبونهم بمصاريف إضافية لتغطية لوازم بعض المواد والأنشطة التي يجري تقييمهم على أساسها، بدلاً من الاختبارات مع نهاية كلّ فصل دراسي.
قررت لجان المعلمين ومديرو المدارس في جميع مدارس قطاع غزة بعد قرار الوزارة، اعتماد نظام الأنشطة الصفية، من خلال إلزام التلميذ بجلب لوازم المواد والمشاركة بأنشطة كلّ مادة، وهو الأمر الذي لا يستطيع تلبيته أولياء الأمور في ظل الأزمة الاقتصادية التي طاولت موظفي حكومة رام الله التي تقتطع نسبة 30 في المائة من رواتبهم، والموظفين التابعين لحكومة غزة السابقة الذين يتقاضون نصف رواتبهم.
في شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي شعر التلميذ محمود (9 أعوام) في الصف الثالث الابتدائي، بغصة عندما حضر إلى حصة العلوم العامة وبدأ زملاؤه بإخراج الأعمال اليدوية المطلوبة منهم. هو لم يتمكن من إحضار أشكال وصور أعضاء جسم الإنسان، التي كانت ضمن اللوازم المطلوبة منهم ليشرح كلّ تلميذ ما يعرفه عنها أمام بقية الصف. قال محمود لمعلمه إنّه نسي المطلوب، لكنّ ذلك أدى إلى توجيه إنذار له. يقول لـ"العربي الجديد": "أكره معلم العلوم ولا أحب مادته هو ومعلم الرياضيات لأنّهما يطلبان منا واجبات منزلية تحتاج إلى نقود. والدي دائماً يقول إنّه لا يملك مالاً. أحب مادة اللغة العربية لأنّ معلمها يطلب منا النسخ وتسميع القصائد وهو ما أنا شاطر فيه".
من جهته، وجد رزق رضوان، أنّه مضطر لزيارة مدرسة ابنه في منطقة الشيخ رضوان بعدما زادت طلبات معلميه من أدوات مدرسية ومستلزمات، فهو لا يقدر على توفير كامل احتياجاته، واعتذر لعدم تلبيته كلّ ذلك، طالباً مراعاة ظروفه وظروف كثير من العائلات في مثل حاله. يقول لـ"العربي الجديد": "70 شيكلاً (20 دولاراً أميركياً) أخذ ابني لشراء لوازم مدرسية لشهر واحد بداية الفصل الثاني، وكان قبلها يطلب وألبي طلبه. لكن، عندها شعرت أنّ التعليم المجاني الذي يخفف علينا بات مكلفاً، وأنا في أشد الحاجة إلى كلّ قرش لتوفير الطعام والماء والكهرباء، زرت المدرسة".
وجد رضوان أنّه ليس الأب الوحيد الذي يعاني من تكاليف اللوازم المدرسية. وكان مدير المدرسة أخبره أنّه الوالد العاشر الذي حضر إليه خلال أسبوع واحد ليشتكي من طلبات المعلمين. وعليه، قرر مدير المدرسة الاجتماع بالمعلمين لحثهم على تقييم التلاميذ من دون اللجوء إلى طلب أدوات يشترونها، بل من خلال أنشطة غير مكلفة.
من جهته، وجد معلم التربية الفنية، أحمد الخضري، أنّ لوازم مادته من أقلام فحم ودفاتر رسم وبعض الألوان المائية وغيرها، مكلفة على التلاميذ، ولاحظ أنّ أقل من نصفهم استطاع شراء اللوازم، فطلب من التلاميذ الذين لا يستطيعون شراء اللوازم الرسم على دفاترهم العادية. استطاع الخضري الحصول على دعم إحدى الجمعيات الخيرية التي تهدف في برامجها إلى دعم قطاع التعليم، وذلك من خلال توفير معدات الرسم لأكثر من 280 تلميذاً في المرحلة الابتدائية. يقول لـ"العربي الجديد": "أمام الأزمة الاقتصادية، يشعر المدرس أنّ هناك واجباً أخلاقياً عليه في أن يراعي ظروف التلاميذ جميعاً، وبالرغم من الحاجة كنت أخلق نوعاً من الدعابة في الرسم لكي أكسر الجمود بين بعض التلاميذ كي لا ينظروا لمن لم يحضر أدوات دراسية، حتى استطعت ان أجد الكل سعيداً بأدوات الرسم التي توفرت لاحقاً".
مدير مدرسة ذكور غزة الجديدة الابتدائية "أ" وأحد أعضاء مجلس المعلمين الفلسطيني، حسن محسن، يجد أنّ الظروف الاقتصادية الصعبة وقلة الدعم الخاص بالأونروا والأزمة الاقتصادية الفلسطينية تهدد مستقبل التعليم الفلسطيني. يشير محسن إلى أنّ مادة العلوم والتربية الفنية والرياضيات والتربية الإسلامية واللغة الإنكليزية، هي أكثر المواد في المرحلة الابتدائية تطلب أنشطة ولوازم خارج إطار المدرسة، من خلالها يقدم التلميذ نشاطاً يدوياً لكي ينشط عقله. يقول لـ"العربي الجديد": "بعض المدرسين لا يضغطون على التلاميذ لإحضار اللوازم للمواد الدراسية، بينما تفاجأت بآخرين يجلبون هم أنفسهم أدوات بسيطة يشرحون من خلالها للتلاميذ، ولا يحمّلونهم أعباء اللوازم".