أكدت معارك مدينة البوكمال السورية أن إيران ماضية في مشروعها الهادف للسيطرة على هذه المدينة المهمة، ومحيطها. ويكشف مقتل قائد بارز في "الحرس الثوري" الإيراني في المعارك أن قوات النظام ليس لها الدور القيادي في معارك البوكمال وفي ريف دير الزور الشرقي كله، الذي بات منكوباً وخالياً من أغلب سكانه. واستطاعت قوات النظام والمليشيات المساندة لها "السيطرة" على المدينة، بعد اشتباكات عنيفة بين قوات النظام ومليشيات إيرانية من جهة، وبين تنظيم "داعش" من جهة أخرى، والذي لا يزال يسيطر على مناطق في ضفتي نهر الفرات في ريف دير الزور الشرقي.
وقال مصدر عسكري لوكالة "فرانس برس"، أمس الأحد، "سيطر الجيش السوري والقوات الرديفة والحليفة على كامل مدينة البوكمال، وهي تقوم بإزالة الألغام والمفخخات التي خلفها تنظيم داعش في المدينة" التي نجح عناصر التنظيم في السيطرة عليها قبل أسبوع، بعد أيام من إعلان النظام السوري طردهم منها. وكانت مصادر إعلامية تابعة للنظام قالت إن قوات الأخير ومليشيات إيرانية تقاتل معها "أحكمت الحصار على آخر بؤر وأوكار مسلحي تنظيم داعش في مدينة البوكمال"، مشيرة إلى اشتباكات وصفتها بـ "العنيفة" مع من تبقى من مسلحي "داعش" في أطراف المدينة. وأوضحت المصادر أن قوات النظام و"حلفاءها" تمكنوا من عزل مدينة البوكمال من جهتي الحدود السورية العراقية، مشيرة إلى أن وحدات الاقتحام في هذه القوات وصلت إلى دوار الساعة في مدينة البوكمال وتواصل تقدمها، وأن الوحدات المقتحمة تتقدم بحذر وبطء في شوارع المدينة بسبب كثرة الألغام والعبوات الناسفة التي زرعها التنظيم في كل مكان. وذكرت وكالة "سانا" التابعة للنظام أن قوات الأخير سيطرت بشكل كامل على الطريق بين الميادين والبوكمال وبلدة السكرية ومنطقة حمدان في محيط البوكمال آخر المعاقل المهمة للتنظيم في سورية، مشيرة إلى أن انتزاع السيطرة على البوكمال يعني أن التنظيم "قد أصبح بحكم المنتهي تماماً". وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان ذكر أن قوات النظام فرضت سيطرتها على معظم البوكمال، مشيراً الى معارك في الأجزاء الأخيرة من المدينة، وسط محاولات من تنظيم "داعش" لتنفيذ هجمات معاكسة تمكنه من استعادة السيطرة على ما خسره من المدينة ذات الأهمية الاستراتيجية، وفق المرصد.
وفي السياق، وضعت إيران ثقلها في معركة مدينة البوكمال، إذ تؤكد مصادر محلية أن المليشيات المدعومة من "الحرس الثوري" الإيراني هي من تخوض غمار المعركة، فيما لم يكن لقوات النظام دور كبير في الاشتباكات، لكن "الانتصار" ينسب لها لأسباب إعلامية وسياسية. وجاء مقتل اللواء الإيراني خير الله صمدي، المستشار العسكري لقائد "فيلق القدس"، قاسم سليماني، السبت الماضي، بالمعارك الدائرة في البوكمال، ليؤكد حرص طهران على السيطرة على هذه المدينة في إطار سعيها المعلن إلى فتح ممر بري يربط إيران بالعاصمة السورية دمشق ومنها إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط. وبعد اختفاء تنظيم "داعش" من غربي العراق وشرقي سورية يصبح الطريق مفتوحاً أمام طهران لتحقيق "الهلال الشيعي" الذي يمكنها من الهيمنة على جزء كبير من العراق وسورية، لكن يبقى على المليشيات الإيرانية فرض سيطرتها الكاملة على البادية السورية المرتبطة ببادية الأنبار العراقية، حيث لا يزال عناصر التنظيم ينتشرون فيها.
وأشار "المرصد" إلى أن اشتباكات مدينة البوكمال ترافقت مع اشتباكات "عنيفة" على الضفاف الغربية لنهر الفرات، على بعد نحو 35 كيلومتراً إلى الغرب من البوكمال، مشيراً إلى أن قوات النظام سيطرت على بلدة الصالحية. وأوضح "المرصد" أن التنظيم "بات بذلك محاصراً في نحو 7 بلدات وقرى ممتدة بين محكان المحاذية للميادين والصالحية"، مشيراً إلى أنباء عن انسحاب عناصر التنظيم من القرى قبيل حصارهم من قبل قوات النظام على ضفة الفرات الغربية. ولم ينته وجود تنظيم "داعش" في محافظة دير الزور شرقي سورية، إذ لا يزال، وفق مصادر محلية، يسيطر على المنطقة الممتدة من مدينة العشارة حتى مدينة البوكمال في ريف دير الزور الشرقي في منطقة الشامية جنوب نهر الفرات، كما لا يزال يسيطر على المنطقة الممتدة من بلدة غرانيج حتى البوكمال في منطقة الجزيرة شمال نهر الفرات، لكن معطيات ميدانية ترجح انسحاب التنظيم من هذه المناطق خلال الأيام القليلة المقبلة باتجاه مناطق في البادية السورية لا يزال يسيطر عليها.
وبالتزامن مع تقدم قوات النظام ومليشيات إيرانية في منطقة الشامية جنوب النهر تتحرك "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) شمال النهر في منطقة الجزيرة، في مسعى للسيطرة عليها بشكل كامل حتى الحدود السورية العراقية. ومر أكثر من 70 يوماً على حملة "عاصفة الجزيرة" العسكرية التي مكنت "قوات سورية الديمقراطية" من السيطرة على أهم وأكبر حقول النفط والغاز ومحطات التجميع في محافظة دير الزور الغنية بالنفط، والمتوقع أن تكون محور صراع قادم. وذكرت مصادر في "سورية الديمقراطية" أن "قسد" سيطرت، أول من أمس، على قرية ذبيان شمال شرقي مدينة دير الزور بنحو 50 كيلومتراً، مشيرة إلى مقتل عدد من مسلحي تنظيم "داعش" في الاشتباكات. ولا يزال مستقبل محافظة دير الزور غير واضح، إذ لا يزال تنظيم "داعش" لاعباً في الصراع، رغم أنه فقد القدرة على المناورة بشكل يمكنه من استعادة مناطق مهمة. كما أن التنافس بين قوات النظام و"قوات سورية الديمقراطية" من المرجح أن يتصاعد مع اقتراب نهاية تنظيم "داعش"، إذ لم يعد هناك ما يحول دون صدام عسكري قد يقع، إذ يسعى كل طرف إلى توسيع نطاق سيطرته في منطقة منكوبة باتت عملياً بلا سكان. ونزح أغلب المدنيين من مدينة دير الزور وريفها نتيجة القصف الجوي والعمليات العسكرية المستمرة منذ عدة أشهر، ومخاوف من عمليات انتقامية من الممكن أن ترتكبها قوات النظام ومليشيات إيرانية، تحت ذريعة الانتماء إلى تنظيم "داعش". ووصل عدد كبير من مدنيي ريف دير الزور الشرقي إلى مناطق تقع تحت سيطرة "قسد" في ريف الحسكة الجنوبي، لكنهم يعيشون في ظروف صعبة ومأساوية، إذ لم تولي منظمات دولية هؤلاء النازحين ما يكفي من الاهتمام.