تدخل أزمة الحكومة التونسية مرحلة جديدة مع فشل الاجتماع الذي عقد يوم الإثنين الماضي بين الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي وزعماء الأحزاب والمنظمات الوطنية لبحث مصير الحكومة ورئيسها يوسف الشاهد، ما أدى إلى تعليق العمل بوثيقة قرطاج الثانية، التي تشتمل على إجراءات اقتصادية واجتماعية وسياسية تمثل خارطة طريق لعمل الحكومة إلى غاية 2019، تاريخ إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة.
وفي السياق، كشفت مصادر حزبية تونسية في حديث مع "العربي الجديد" أن ما بدا للجميع تمسكاً من قبل حركة النهضة برئيس الحكومة يوسف الشاهد يعكس في الحقيقة قراراً "بعدم القفز في المجهول". وكانت حركة "النهضة" إلى جانب حزب "المسار والمبادرة" قد تصدرت خلال الاجتماع القوى السياسية التي تطالب بإجراء تعديل جزئي على الحكومة مع بقاء رئيسها يوسف الشاهد، بينما تصرّ الأطراف الأخرى على رحيل كامل الحكومة وتعيين رئيس جديد يتولى تشكيل حكومة جديدة.
وبحسب المصادر التي تحدثت مع "العربي الجديد"، فإن جميع المطالبين بإبعاد الشاهد لا يملكون في الحقيقة بديلاً جاهزاً له ولحكومته، ما يعني أن المرحلة التي تلي إقالته ستكون فترة فراغ كامل مفتوحة على كل السيناريوهات الممكنة وقد تفتح مجالاً لتدخل لوبيات لتشكيل وضع جديد قد يعبث بمرحلة الاستقرار النسبي الذي تعيشه البلاد منذ مدة، وهو ما تؤكده تصريحات كل قياديّي النهضة بـ"ضرورة المحافظة على الاستقرار". ويمثل عدم وجود بديل جاهز لحكومة الشاهد مشكلة حقيقية، إذ تعودت الأحزاب والمنظمات التونسية في التجارب السابقة على قضاء أشهر طويلة في المشاورات بحثاً عن تشكيل متناسق يستجيب مع كل المعادلات المعقدة، وهو ما سيقود إلى فترة فراغ قد تشكل خطورة على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية.
وقالت المصادر إن هناك إجماعاً داخل النهضة على هذا الموقف، مشيرة إلى أن مجلس الشورى الأخير للحركة منذ أيام كان استثنائياً من حيث عمق النقاشات وتناسق المواقف ورؤيتها للوضع العام في البلاد.
وأكدت المصادر أنه تم بالفعل إخطار الشاهد بشرط عدم ترشحه للانتخابات المقبلة، وهي رسالة طمأنة لبقية الشركاء المتوجسين من هذا المعطى الذي قد يربك حسابات كثيرين.
وعن إشارة الغنوشي في تصريحه إلى أنه "إذا كان الرئيس السبسي يرغب في إقالة الشاهد فليطلب منه ذلك"، قالت المصادر إن "النهضة" ترفض أن تقوم أطراف بضرب الشاهد بيدها هي، حتى لا تتحمل فاتورة الإخفاق الحكومة وحدها.
وأشارت المصادر إلى أن المشاورات لم تنته بعد وأن المجال يبقى مفتوحاً للتوصل إلى اتفاق في الأيام المقبلة. ولفتت إلى أن الحوار "قد يتم استئنافه بعد عودة الرئيس السبسي من باريس بعد مشاركته في القمة حول ليبيا، وقد فضّل تعليق المفاوضات وترك الطبخة على نار عالية في انتظار توضح كل المواقف والتباحث حول تقريب وجهات النظر".
في هذه الأثناء يبقى مصير الشاهد غامضاً، إذ ترجح أغلب التكهنات أن يتم إبعاده في نهاية الأمر، لأن العمل في ظل هذه الظروف أصبح مستحيلاً، إذ سجّل الإخفاق في الملفين الاقتصادي والاجتماعي وكل هذه الأحزاب والمنظمات مجتمعة، فكيف وهي مختلفة وتجاهر بضرورة إبعاده وخصوصاً من حزبه نداء تونس.
واستعاد "النداء"، بعد تعليق العمل بوثيقة قرطاج وتشبث النهضة بموقفها، سيناريو رئيس الوزراء السابق الحبيب الصيد وعقد اجتماعاً طارئاً ليلة الاثنين لبحث إمكانية خروج وزرائه من حكومة الشاهد لإحداث فراغ وسحب الدعم الحزبي له ودفعه إلى الاستقالة في نهاية الأمر.