لنكن مواطنين.. فقط

02 اغسطس 2018
+ الخط -
نقرأ على مواقع التواصل الاجتماعي عبارة "كن رجلا". ربما يبتدأ الفعل بالموعظة "الحسنة"، وينتقل إلى الغضب والعنف اللفظي وينتهي بالمنع والحجز فالضرب، ما دام الأمر يقع تحت مظلة وسلطة الرجل، الذكر، الآمر والناهي.
ماذا يعني هذا الخطاب (كن رجلا)؟ ولمن هو موجه؟ ألم يكن من الأوضح أن يضيفوا إلى هذه العبارة كلمة، كي تصبح: كن رجلا شرقيا! بما تحمله هذه العبارة من معان ودلالات، أو ربما كان من الأفيد والأصح أن يكتبوا "كن ذكرا". هكذا ستتوضح الأمور أكثر وسنعمل جميعا نحن فصيلة الذكور على شحذ ذكورتنا، وإذاك سنسعى إلى تطبيق نصيحة نيتشه على لسان زرادشت حيث تكلمت المرأة العجوز المسنة وقالت: "إذا ذهبت إلى النساء، فلا تنسى السوط".
فعل أمر "كن" في جوهره من اختصاص وأسرار الله في الخلق. إذن، كيف تسرّب هذا الأمر إلى بعض العقول التي ما زالت لم تقطع حبل السرة مع عصور غابرة، وما لبثت تشتغل تحت سلطان مفاهيم وأعمال لم تعد صالحة للإجابة على إشكالات العصر وتطلعات الشعوب.
تحمل بنية اللغة في ذاتها ما يوضح ويثبت منطق الهيمنة والتفوق للذكر، وهذا شأن جل اللغات السائدة في الأرض، فللغة إيديولوجيتها، وبالتالي ليست بريئة أو مجرّد أداة للتعبير والتواصل، فكلمة أو مصطلح أو مفهوم "الرجل" يجب مراجعته وإعطائه قيمته وحجمه الحقيقي بعيدا عن أي نزعة ذكورية، فحتى في اللغة العامة أصبحنا نسمع كثيرا تعبير "ما بقاوش الرجال". هذه العبارة لا بد أنها تحمل من المعاني والدلالات الكثير. والمرأة لن تظل تحت نفوذ الرجل وحمايته وهيمنته، فإما أن نشتغل جميعا تحت راية "النساء شقائق الرجال" أو سنظل نراوح مكاننا في مستنقعات التخلف وتحت ظل الجهل والاستبداد.
لماذا مجتمعاتنا، جلها، لا تتسامح في بعض الأمور الشخصية مثلا لباس المرأة أو الإفطار جهرا في رمضان؟ وفي المقابل، تغض الطرف على أمور خطيرة قد تربك تطور المجتمع، كاحتلال المُلك العمومي، وتحويل جلّ مدننا إلى مدن بدون أرصفة أو عدم احترام قانون السير الذي يخلّف حوادث مأساوية تنجم عنها الوفيات والخسائر المادية المكلفة، أو عدم الاكتراث للأطفال والشيوخ الذين ينامون على الأرصفة أو الأمكنة المهجورة، شأنهم شأن الكلاب والقطط الضالة وربما الجرذان أو عدم الاحتجاج على الرشوة والمحسوبية والفساد الذي ينخر الوطن، فهل المجتمع يعيش تحت الوعي الشقي؟ وهل ما زال تحت هيمنة وعي ومنطق الجماعة والكثرة حتى لا أقول القطيع؟ هل نفتقر إلى ثقافة الاختلاف واستيعاب مكانة الفرد المستقل والاعتراف بالآخر المختلف؟ ربما لازلنا لم نستوعب بعد ثقافة المواطنة و الوطن؟
"كن رجلا"، عبارة ضيقة الأفق، مقفرة ومقززة، لا تتسع إلا للعقل الذي يدعو إلى الهيمنة، أو الذي يرضى ويخضع لها. هناك تعبير أرحب وأوسع وأكثر تحضرا وملاءمة للعصر يتسع للجميع، من دون فرز أو أي تمييز أو إقصاء، هو: "لنكن جميعا مواطنين"، لنشتغل جميعا تحت راية وطن واحد، لا يهم لونك أو جنسك أو عقيدتك أو لسانك أو نسبك أو سنك أو أصلك أو موقعك الاجتماعي أو مستواك العلمي أو حالتك الصحية. ليكون الوطن هو السفينة الوحيدة التي تحمل الجميع إن غرقت، لنكون كما الكسكس المغربي، المتعدد في خضرواته وتوابله وذوقه، والمعروض في إناء واحد. لنحترم بعضنا بعضا، لنعترف بخصوصيات كل منا، لنستوعب ونقتنع أنّ في اختلافنا وتعددنا وتنوعنا تكمن قوتنا، ثرائنا، جمالنا، تميزنا وهويتنا، لنعترف بخصوصيات ومميزات كل فرد منا.
لنربط المسؤولية بالمحاسبة، وبالتالي نتحاور فيما يجمعنا، وفي أمور دنيانا ووطننا، لنتحدّث في الأرض ونترك السماء لمالك الكون، لنتناقش في يومياتنا وندع الغيبيات لخالق الكون، لنقول بصوت واحد "كن مواطنا" للذي يتحمل أي مسؤولية، للراشي والمرتشي، لمن يستغل أموال الوطن لمصلحته الخاصة، لسارق أموال الشعب، لمن يعيث ظلما وفسادا في الوطن، لمن يهين المواطنين ويحتقرهم، لمن يعيش كالطفيليات من خيرات الوطن من دون أن يقدم أي مقابل، لمن رأسماله هو العلاقات الزبونية والأسرية، لمن يشتغل بمنطق حلال علي وحرام على الغير، لمن يكيل الكيل بمكيالين، لمن يتاجر بالدين ويستغل بساطة الناس، وثقتهم في كل ما له علاقة بالمقدس، لكل فاسد وبدون ضمير، أي لنكن مواطنين وكفى.
6CD01A49-74BB-4A9E-AC8F-3FB5631C566B
6CD01A49-74BB-4A9E-AC8F-3FB5631C566B
عمر بن أعمارة (المغرب)
عمر بن أعمارة (المغرب)