هذا التطور الحاسم في الموقف البريطاني، الذي ظلّ مرتبكاً لفترة طويلة، لم يمنع رئيس "برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" في مركز "تشاتهام هاوس"، نيل كوليام، من التشكيك في جدوى توسيع بنك الأهداف ضد "داعش" إلى الأراضي السورية، ما لم يُستَنَد إلى استراتيجية شاملة.
ويقول كوليام إنه "من المنطقي تماماً أن تتجاوز الضربات الجوية لقوات التحالف ضد داعش في العراق وتصل إلى سورية، لأن اقتصار الضربات الجوية الموجهة ضد التنظيم على الأراضي العراقية، يُتيح له فرصة تأسيس موطئ قدم قوي ودائم في سورية. كما أن فكرة دفع داعش نحو سورية لمقاتلة نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد بغية تدمير الطرفين، ضرب من الخيال".
ويُضيف الباحث أنه "إذا كانت القوى الغربية راغبة فعلاً بالقضاء على داعش تماماً، فإنها تحتاج للقيام بحملة عسكرية شاملة في كل من العراق وسورية. ويتطلّب هذا أكثر من بضعة آلاف عنصر مدرب ومجهّز من المقاتلين السوريين، ويحتاج إلى حملة عسكرية مصحوبة بعملية سياسية تدعمها القوى الإقليمية، بما في ذلك السوريون".
اقرأ أيضاً جهاديو سورية: تحولات فكرية وتكتيك سياسي يهيّئان لتغيير الموازين
ويُؤكد الباحث في ورقة نشرت على الموقع الإلكتروني لمركز "تشاتهام هاوس" في لندن، أنه "من دون هذه الاستراتيجية، فإن خطة الحكومة البريطانية لضرب أهداف داعش في سورية، ستُقدّم القليل من الدعم المعنوي للائتلاف، من غير أن يُترجم هذا الدعم مادياً بالنسبة للسوريين الذين يعيشون في المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم أو النظام. كما أن أي عمل عسكري لا يستند إلى استراتيجية شاملة، لن يُؤثر في تغيير قواعد اللعبة مع داعش، ولن يُساعد كاميرون على الوفاء بتعهداته".
ويرى كوليام، أن "هناك ثلاثة أسباب تجعل أضرار توسيع الضربات الجوية من دون استراتيجية سياسية وعسكرية، أكثر من منافعها". ويعدّد الأسباب كالتالي: "أولاً، من شأن ذلك تعزيز وجهة النظر الشائعة بين فئات واسعة من السوريين، بأن الحكومة البريطانية، وغيرها من الحكومات الغربية، تُعطي الأولوية لمكافحة داعش على حساب حياة السوريين ومستقبلهم. وبالتالي فإن الغارات الجوية البريطانية سوف تزيد استياء السوريين المُصّرين على أن نظام الأسد هو العدو الرئيسي ولا أولوية تتقدّم على الخلاص منه".
ويشير إلى أن "أي عمليات عسكرية من دون استراتيجية شاملة ستُقوض ما تبقّى من مصداقية بريطانيا، لا سيما أن الكثير من السوريين فقدوا الثقة في مدى جدية ومصداقية الولايات المتحدة وحلفائها للقضاء على نظام الأسد، بل إن منهم من يرى أن الحلف الغربي يدعمه".
أما بالنسبة إلى السبب الثاني بالنسبة لكوليام، فإن "تزامن قرار الحكومة البريطانية بتوسيع العمليات العسكرية ضد داعش، مع حادثة مقتل مواطنين بريطانيين في تونس، من شأنه أن يحمل رسالة سلبية للمعارضة السورية، مفادها أن بريطانيا تتدخل فقط عندما يتم تهديد مواطنيها، ولكنها غير مستعدة للتدخل عندما تُستخدم الأسلحة الكيماوية ضد السوريين. ومن شأن هذا الانطباع إضعاف موقف المعارضة المعتدلة المدعومة من الغرب".
وفي السبب الثالث يعتبر الكاتب أن "استهداف داعش في العراق وسورية، من دون القضاء عليه تماماً، من شأنه أن يؤدي إلى تعزيز نفوذ جماعات أخرى في المعارضة السورية، على حساب المصالح السورية الأوسع، لا سيما الأكراد وجبهة النصرة".
ويقول في هذا الصدد، إن "الدعم غير المباشر للأكراد سيزيد قلق المعارضة السورية، التي طالما تعهّدت بتأمين سلامة ووحدة الأراضي السورية، كما سيزيد قلق الدول المجاورة، وأبرزها تركيا. وقد تؤدي الغارات الجوية ضد داعش إلى ازدياد نفوذ جماعات المعارضة المتحالفة مع تنظيم القاعدة، مع ما ينطوي عليه هذا الأمر من مخاطر كبيرة".
ويخلص الباحث إلى القول، إن "توسيع العمليات الجوية البريطانية ضد داعش في العراق وسورية، لن يكون له أي أثر ملموس، إذا ما اقتصر على إضعاف التنظيم، لا القضاء عليه تماماً. كما أن هذه الضربات قد تؤدي إلى نتائج عكسية وتضيف المزيد من التعقيدات على الأرض، ما لم تستند إلى استراتيجية شاملة، تُقدّم حلولاً سياسية للأزمة السورية. وستُهدّم ما تبقّى من ثقة لدى السوريين في المجتمع الدولي، بل قد تدفع المزيد منهم للانضمام إلى الجماعات المتطرفة، بما في ذلك داعش بعد فقدان الأمل بإمكانية إيجاد حل سياسي، ناهيك عما ستضيفه الغارات الجوية البريطانية للمعاناة الإنسانية في سورية".
اقرأ أيضاً: أنقرة تعوّل على جيش من 5000 تركماني سوري