لماذا يلعب حفتر ورقة تقاسم مداخيل النفط الليبي؟

16 يوليو 2020
مطامع متمادية بالنفط الليبي (فرانس برس)
+ الخط -

إصرار اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر على تقاسم مداخيل النفط، ووضعها في حساب بنكي بدولة أجنبية، يقابله رفض حكومة الوفاق الليبية، المعترف بها دوليا، لهذا الطلب لمساسه بسيادة البلاد، مما يدعو للتساؤل حول كيفية صرف أموال النفط في إحدى أغنى الدول الأفريقية دون أن ينعكس ذلك على الواقع الفعلي للمواطن وللبلاد إجمالا.

فخلال الأيام الأخيرة، تسارعت الأحداث بشأن فتح وغلق موانئ وحقول النفط تحت ضغط عدة دول لكن في اتجاهات متضادة، انتهت باشتراط أحمد المسماري، المتحدث باسم مليشيات حفتر، "فتح حساب خاص في إحدى الدول، تودع فيه عوائد النفط".
وردّ عليه مندوب ليبيا بالأمم المتحدة طاهر سني، بأن ذلك "انتهاك للسيادة، ودليل الوصاية، ومحاولة تكرار مسلسل النفط مقابل الغذاء"، في إشارة لبرنامج أممي سمح للعراق في 1995 ببيع جزء من نفطه لشراء الغذاء لشعبه.

فحفتر الذي يسيطر على نحو 90 في المائة من حقول النفط والغاز في البلاد، وعلى أغلب المنشآت وموانئ تصدير المحروقات، لا يحصل سوى على جزء محدود من مداخيل هذه الثروة الهائلة بالعملة الصعبة، بينما يسعى للاستحواذ على حصة الأسد.

الحكومة الليبية وحدها التي تمتلك شرعية تصدير المحروقات عبر المؤسسة الوطنية للنفط في العاصمة طرابلس، ومداخيل هذه الصادرات تصب في حساب للبنك المركزي في طرابلس أيضا، وتقوم الحكومة بصرف هذه الأموال على أقاليم البلاد الثلاثة (طرابلس، برقة، فزان)، بما في ذلك تلك التي لا تخضع لسيطرتها الفعلية.

وحاول حفتر الاستيلاء على مداخيل النفط من خلال خلق مؤسسة نفط وبنك مركزي موازيين، لكنه فشل لأنه لا يملك الشرعية الدولية، والمجتمع الدولي لا يعترف سوى بالمؤسسات الرسمية في طرابلس. فلجأ حفتر وبدعم من مصر والإمارات إلى تهريب النفط وبيعه بأسعار مخفضة في السوق السوداء، لتمويل حربه على "الوفاق".

كما حرض القبائل الموالية له لغلق الحقول والموانئ النفطية في 17 يناير/كانون الثاني 2020، حتى لا تقع على مليشياته المسؤولية الجنائية والقانونية، وأيضا حتى لا تطالبه شركات النفط العالمية المستثمرة في ليبيا وشركات التأمين بدفع تعويضات عن خسائرها، حيث تسبب غلق مليشيات حفتر لحقول وموانئ النفط طيلة ستة أشهر في خسائر فاقت 6.5 مليارات دولار.

وتتولى الحكومة الشرعية في طرابلس دفع أجور الموظفين في كامل البلاد، بما فيها المناطق الشرقية الخاضعة لسيطرة مليشيات حفتر.

وتشمل أجور الموظفين التي تدفعها الحكومة الليبية في طرابلس، حتى العسكريين وأفراد الشرطة التابعين لحفتر، أي جزءا منهم وليس كلهم، ما يضع على حفتر أعباء مالية إضافية يسعى لتغطيتها عبر تهريب الخردة ونهب بعض البنوك والاستدانة من أخرى وطبع النقود في روسيا، بالإضافة إلى دعم الإمارات المالي، ومصادرة أملاك خصومه وبيعها..

ويوضح وزير الداخلية في حكومة الإنقاذ السابقة محمد البرغثي، في تصريح صحافي في 2015، هذه المفارقة، في أن السجلات الإدارية لأفراد الشرطة في المنطقة الشرقية (مثلا) كلها موجودة في طرابلس.

فالنظام الإداري الموروث عن نظام معمر القذافي (1969-2011) مركزي، وليس فيدراليا، وهو متركز في طرابلس، لذلك تُدفع مرتبات الموظفين في المنطقة الشرقية كما كامل البلاد، من الحكومة المسيطرة على العاصمة، وهذا أحد الأسباب التي دفعت حفتر للاستعجال في الهجوم عليها.

لكن لا توجد محاصصة في توزيع مداخيل، أي أنه ليست لكل إقليم نسبة معينة من مداخيل النفط، كما يشترط حفتر، وبعض فيدراليي برقة، الذين يعتبرون أنهم لا يستفيدون بشكل كافٍ من مداخيل النفط رغم أن أغلبها يقع في الشرق.
ظن حفتر أن بإمكانه تركيع الحكومة الليبية من خلال غلق موانئ النفط، بالتزامن مع تهريبه إلى الإمارات ومصر، وبذلك يكون ضرب عصفورين بحجر واحد.

"لكن رب ضارة نافعة"، فعملية إيريني البحرية التي أطلقتها دول الاتحاد الأوروبي لفرض حظر بحري على السلاح إلى ليبيا، واعتبرت "الوفاق" أنها تستهدفها أكثر من مليشيات حفتر، الذي يهرب إليه السلاح برا وجوا، تبين أن لها جانبا إيجابيا.

ففي 22 مايو/أيار الماضي، اعترضت سفينة حربية فرنسية (جان بارت)، ناقلة نفط تسمى "جال لاكسمي"، تحمل علم الغابون، كانت متوجهة إلى ميناء الحريقة النفطي بمدينة طبرق، أقصى شرقي ليبيا، لتحميل منتجات بترولية مكررة لحساب شركة مسجلة في الإمارات، بحسب تقارير إعلامية غربية.

وبقيت ناقلة النفط تحوم في عرض البحر لقرابة أسبوع دون أن تتمكن من الوصول إلى هدفها، خاصة بعدما تم الاتصال بمالك ناقلة النفط والشركة المؤمنة عليها، و"كان التهديد بالعقوبات مجديا في منع السفينة من الرسو في طبرق".

وضيع حفتر في هذه الصفقة ملايين الدولارات، لكن أهم من ذلك أن عمليات تهريب النفط من ليبيا، أصبحت محفوفة بالمخاطر، في ظل وجود سفن عملية "إيريني"، إضافة إلى السفن الحربية التركية، ما يجعل ناقلات النفط وشركات التأمين العالمية مترددة في تهريب المنتجات النفطية الليبية سواء لحساب الإمارات أو أي دولة أخرى.

وهذا الواقع الجديد أفقد حفتر موردا ماليا هاما لتمويل الحرب وخنق الحكومة الشرعية، أضف إلى ذلك مصادرة مالطا كميات هامة من الأوراق النقدية المطبوعة في روسيا، مما ضاعف من عجزها في الدفع لمرتزقة شركة فاغنر والمرتزقة الأفارقة، فضلا عن عائلات القتلى وعلاج المصابين الذين بلغوا آلافا.

فتراجع أسعار النفط، وارتفاع تكاليف الحرب في اليمن، أثرا بالتأكيد على سخاء ممولي مليشيات حفتر ومرتزقته، وقد يكون أحد الأسباب التي دفعت مرتزقة سودانيين للانسحاب من ليبيا واتهام حفتر بعدم دفع مستحقاتهم.

فالحديث عن تقاسم مداخيل النفط يهدف بالأساس إلى حرمان الحكومة الشرعية من "السلطة المالية"، وهي ورقة قوية خاصة بعد تلاشي حلم حفتر في دخول طرابلس، وانهيار مليشياته في المنطقة الغربية.

وإذا وُضِعت أموال النفط في حساب بنكي بدولة أجنبية وتم توزيعها تحت إشراف أممي أو دولي، فيعني هذا أن الشعب الليبي سيصبح تحت وصاية دولية، وهذا يفقد البلاد جزءا من سيادتها، وإن كان سيعزز شفافية توزيع الأموال، إلا أنه في الوقت نفسه سيشجع مليشيات حفتر على دخول مزيد من المغامرات العسكرية.

وهذا ما يفسر تأكيد المتحدث باسم الجيش الليبي محمد قنونو، ضرورة إنهاء هذا العبث، قائلا إن "الوقت حان لتدفق النفط مجددا والضرب على الأيدي التي توقفه"، ما يعني أن الحكومة الشرعية مُصرة على استعادة سيطرتها على الحقول والموانئ النفطية.

 
المساهمون