لماذا يفشل أبطال الفرق المتوسطة مع الأندية الكبيرة؟

21 فبراير 2015
+ الخط -

"الريال في أمان مع هذا اللاعب، إنه ميكاليلي الأبيض الذي يحمي الدفاع ويصنع الفارق أسفل الوسط، لقد تعاقد الملكي مع صمام الأمان الخاص بمجرة النجوم"، هكذا استقبل جمهور وإعلام فريق ريال مدريد اللاعب الجديد توماس جرافيسين، بعد انتقاله إلى البرنابيو قادماً من إيفرتون صيف 2005، وتوقعت الصحافة الإسبانية انتهاء كافة المشاكل الدفاعية التي تعاني منها مجرة "الجلاكتيكوس"، لكن جاءت الرياح عاصفة على قلعة الملوك، وكانت النتائج كارثية بحق!

لأن جرافيسين الذي قدم مواسم خيالية رفقة التوفيز في إنجلترا، لعب 34 مباراة فقط مع ريال مدريد، ولم يظهر أبداً بشكل مميز طوال مسيرته في الملاعب الإسبانية، حتى رحيله إلى سيلتيك ثم إيفرتون واعتزاله سريعاً الكرة في عام 2008، وكأن رحلة الليجا كانت بمثابة الانتحار الكارثي للنجم الدنماركي، لكن يبقى السؤال الأهم على الإطلاق، لماذا ينجح بعض اللاعبين في أندية متوسطة، وتحدث حالاث الفشل مع تضاعف مستويات الطموحات في الفرق الكبيرة!؟


بطل أم مجرد مساعد؟
اللعب في ناد متوسط أو صغير يعني أداء المباريات من دون ضغط أو اهتمام مضاعف، من الممكن أن تشارك مع ناد جماهيري عظيم، كنابولي في إيطاليا مثلاً، لكن في النهاية المطالبات لن تتعدى فكرة الحصول على الكأس وخطف مركز مؤهل إلى دوري الأبطال، إنه الطموح وسره المحوري في تشكيل قوالب تحفيزية لأشهر نجوم المستديرة داخل المستطيل الأخضر.

لافيتزي، الأرجنتيني الذي قارنه البعض بدييجو أرماندو مارادونا في بداياته مع نابولي، لدرجة أن جمهور السان باولو قارن إزيكويل سريعاً بالأسطورة دييجو، لكن في النهاية فارس الجنوب الإيطالي لم يفز بالدوري أو كأس الاتحاد الأوروبي، بل صنع للفريق شكلاً جمالياً مميزاً رفقة كافاني والباقين، لينتقل في صفقة قياسية إلى النادي الطامح لمناطحة الأباطرة، باريس سان جيرمان.

لافيتزي في نابولي من الممكن أن يلعب بشكل جيد في مباراتين ويقل مستواه في مباراة، سيغفر له المدرب هفواته سريعاً، لأنه النجم الأول للفريق ومعشوق الأنصار في المدرجات، لكن في باريس هناك ابراهيموفيتش، لوكاس مورا، تياجو سيلفا، وأسماء أخرى بعضها لا يقل عن الأرجنتيني موهبة وشهرة، والبعض الآخر يفوقه بمراحل على غرار السلطان السويدي، لذلك لم يصل لافيتزي أبداً في فرنسا لنصف ما وصل له في الكالشيو، والسر يعود إلى اختلاف الطموحات من ناد إلى آخر.

الضغط يولّد الانفجار
بدأ كورايسما سلم النجومية سريعاً، وانتقل إلى برشلونة في السنة نفسها التي ذهب فيها كريستيانو رونالدو إلى مانشستر يونايتد، لكن شتان الفارق بين تعامل الفريقين مع موهبة الثنائي البرتغالي. فالسير أليكس فيرجسون التقط الدون سريعاً، وساهم في تطوير مستواه خطوة فخطوة، مع عقلية فذة ومميزة لكريستيانو، اللاعب الذي صنع جزءاً كبيراً من نجاجه بسبب قوته وعزيمته الفولاذية.

بينما في برشلونة، بدأت المقارنات سريعاً بين كواريسما وفيجو، الجناح الذي عاش فترة تألق غير عادية في كامب نو، قبل أن يخطفه ريال مدريد في النهاية، لذلك لم يصبر البارسا أبداً على ريكاردو، وفي الوقت نفسه لم يتحمل اللاعب الضغوطات الكبيرة الملقاة على عاتقه، لذلك هرب سريعاً بعيداً عن أسوار كتالونيا، وقبل كواريسما فشل مواطنه سيماو سابروسا أيضاً بالطريقة نفسها.

وكما نجح رونالدو في الأولد ترافورد، جاء ناني محملاً بآمال عريضة وأمنيات كبيرة لمواصلة التألق، لكن ليس كل لاعب يملك جينات كريستيانو، وبالطبع النجاحات العظيمة للدون البرتغالي جعلت الجماهير والصحافة تتوقع درجة مماثلة لمواطنه، لينفجر الضغط في النهاية ويرحل ناني بلا بصمة عملاقة بعيداً عن الأراضي البريطانية.


العقلية الإنجليزية

إنجلترا هي مهد كرة القدم، وأجواء اللعب هناك تختلف عن أي مكان آخر، حيث إن الشغف هو العنوان الرئيسي في كافة الملاعب والتجمعات، لكن تعاني الكرة الإنجليزية من أفكار التضخيم والتهويل الحاد، وهذا يظهر بوضوح بعد بزوغ نجم كل ناشئ صغير، فتزيد الطموحات ويتوقع الجميع ميلاد لاعب كبير، لكن في النهاية تأتي النتائج صادمة لأغلب التوقعات التي تتم دون تفكير.

صدق أو لا تصدق، اشترى ليفربول المهاجم لويس سواريز بمبلغ يصل إلى 22.8 مليون باوند، بينما تعاقد في الفترة نفسها مع أندي كارول مقابل 35 مليون باوند، ولك أن تتخيل الفارق الكبير والشاسع لمصير الثنائي الهجومي مؤخراً، فالأول يلعب الآن مع برشلونة ويعتبر بمثابة الأيقونة لمنتخب بلاده أوروغواي، بينما يناطح الثاني الهواء في ويستهام في محاولات مستمرة لإعادة هوس الكرات الطويلة إلى أراضي إنجلترا من جديد.

"أضعه بين أقواس مع ليونيل ميسي والباقين"، هذه هي الكلمات التي قيلت في حق أشلي يونج، النجم الذي تألق مع واتفورد ثم أستون فيلا، لكن مستويات المديح البالغ فيها جعلت مصير اللاعب ينتهي على دكة اليونايتد، وحتى في حالة مشاركاته، فإنه يقدم مردوداً ضعيفاً للغاية، لذلك، الحسابات الجماهيرية الخاطئة والمبالغات الإعلامية تؤدي في بعض الأوقات إلى نهايات غير سعيدة.


المقامرة الإدارية

يلجأ مديرو الأندية إلى فكرة جلب المواهب الصغيرة، وذلك للهروب من فشل إداري قريب، وإيهام الجمهور عن طريق الصحف المقربة منهم بأن هذا النجم الصغير سيصبح أسطورة كروية في أقرب وقت ممكن. وهذا ما تم بالفعل بعد مونديال الشباب في الأرجنتين 2001، حين تعاقد مسؤولو برشلونة مع الصاعد خافيير سافيولا بمبلغ تعدى 15 مليون دولار قادماً من ريفر بلات.

توقع الجميع استمرار تألق الأرنب اللاتيني، لكن هناك متطلبات عديدة من أجل التألق في برشلونة، الضغط أقوى والجمهور لا يرحم، واللاعب سنه صغيرة للغاية، وبالتالي لم يحقق النجاحات المنشودة ورحل في النهاية بعيداً عن كامب نو. وتكرر الأمر مؤخراً مع البرازيلي كيريسون، الناشئ الذي أتى بأحلام المقارنة مع الأسطورة روماريو، لينتهي به المطاف في فريق برازيلي متواضع.

كليبرسون أيضاً مع مانشستر يونايتد، بعد تألق لافت خلال مونديال 2002 رفقة السيلساو البرازيلي، اعتقد البعض أن اللاعب بإمكانه معاودة الإبداع في أوروبا مع الشياطين الحمر، لكنْ، بكل تأكيد، استنساخ روي كين جديد أمر ليس بالسهل، ليرحل البرازيلي سريعاً بعد عامين فقط إلى تركيا ويخفت نجمه فيما بعد.


لاعب الظل
ليس كل لاعب مميز باستطاعته التألق في الأندية الكبيرة، لأن الحسابات تختلف من بيئة إلى أخرى، وسقف المطالب يرتفع كلما انتقل اسم ما من فريق بالظل إلى أحد الفرق العملاقة، وهنا يأتي الفارق الرهيب في التطلعات والرغبات التي تتأثر بعوامل عديدة كصافرات الجمهور، مطالبات الفوز المستمر، والثبات الانفعالي اللازم للتعامل مع كافة المواقف الصعبة سواء داخل الملعب أو خارجه.

وبالتالي، حينما يتعاقد فريق كبير مع أي لاعب، يجب أن يكون التقييم أكبر من كونه مجرد نظرة فنية أو تكتيكية، لأن هناك عوامل أخرى ترجح كفة الميزان، وعلى رأسها مدى قدرة هذا اللاعب على التكيف مع شروط النجاح الخاصة بالأندية العظيمة، خصوصاً عندما تتناسب النتائج عكسياً مع المقدمات.

تألق لاعب مثل ماكسي لوبيز مع أندية ريفر، كاتانيا، جريميو، وموسكو، لكنه لم ليثبت نفسه أبداً مع برشلونة وميلان، ليضع النجم المعروف بـ"الدجاجة" الإجابة الصحيحة حول وجوب عدم تصديق كل كلمة يقولها رئيس ناد ما، وتكررها مختلف وسائل الإعلام، لأن النجاح في النهاية رهان، يحتاج إلى أدلة عديدة من أجل إثباته.

المساهمون