03 أكتوبر 2024
لماذا يعشق الفنانون العرب الطغاة؟
هل لأن في كل فنان طاغيةً تم قمعه بالفن؟ أم لأن الطغاة هم مادة ثريّة للفرجة والحكي والاقتراب منهم؟ أم أن العملية برمتها زواج جبري للاثنين لأجل الفائدة المتبادلة؟ هل كانت أم كلثوم في حاجة إلى كل ذلك الانحناء لجمال عبد الناصر والغناء في حضرة الملك فاروق، والغناء له باسمة في "يا ليلة العيد"، وهي سيدة القلوب والسلوى للعرب قبل فاروق وعبد الناصر؟
نتكلم هنا عن الفن الحقيقي، وليس فن الأراجوزات المعاصر في حضرة الرؤساء والملوك، ولَحْس الموائد، كما يفعل محمد صبحي (من صدّام حسين إلى بشار الأسد إلى ما شاء، بشرط أن يدفع له، أو مجرد إنقاذه من الخواء الفني الذي يعيشه من سنوات، فاستبدله سريعا بسبوبة تبييض نحاس الملوك، وسيرهم ومشاريعهم الوهمية).
هل يتسلى الطغاة بمهارةٍ على حرق الذوات في ملكهم، من الكاهن إلى الكاتب إلى الشعب إلى الحزب إلى النخبة إلى الطبقة أيضا (قوى الشعب العاملة أيام زمان)، ولا مانع عندهم أيضا من حرق الفنان أيضا؟ أو حتى حرق روما نفسها إن تطلب الأمر، أو هدم حتى ربع أوروبا كما فعل هتلر. الغريب أن "أحفاد هتلر" يتناسلون في كل قرن وكل ملة، من الشاويش علي عبد الله صالح شرقا حتى خليفة حفتر غربا، مرورا ببشار، وما خفي كان أعظم.
هل الفنان، وإن لم يكن فقيرَ جيب، هو فقير قلب؟ أو يخاف أن ينزل من فوق قمة ذلك الهرم الاجتماعي الذي ارتقاه مع الأيام من صلب أموال الشعب، ناسيا الشعب في غمرة استمراره على قمة ذلك الهرم الذي وصل إليه من محبة الناس له، من دون أن ينسى رضعات السلطة المهمة (تأملوا إلى ماذا أوصلت تلك الرضعات محمد منير)؟ أمر يستحق الدهشة بالفعل (علّها السبعون ومخاوفها ووهنها أيضا مع الحالة الصحية بالطبع)، أما حال الفنان الموهوب، محمد رمضان، فأمر يستحق استشارةً نفسيةً بحق، ولا مانع في أن يكون الطبيب هو دكتور أحمد عكاشة المستشار العلمي للرئاسة. أما الممثلة سهير البابلي، وهي بكل تأكيد تقترب الآن من الثمانين عاما (تلميذها عادل إمام في "مدرسة المشاغبين" على أبواب الثمانين هو الآخر) فقد حنّت، لا لأيام حسني مبارك فقط، بل لرائحة شراب (جوارب) مبارك، وليس شرابه النظيف أو الجديد، بل (شرابه المعفن) على حد تعبيرها. وهذا بالطبع أمر فريد يخص مصر الآن فقط، ويخص السيدة سهير فقط، فلم أجده أو أجد حتى شبيها له، لا في كتب المقريزي ولا في ابن إياس ولا حتى الجبرتي في أيام القحط.
أما قصّ الفنانة السورية رغدة شعرها في حلب، ورميه في ساحة من ساحاتها، نوعا من "الندر"، فهو بالطبع أهون على أن تشمّ "شراب حسني مبارك المعفّن" كما تمنت الفنانة سهير البابلي، وكل محبة لرئيس ولها فنونها.
ومسبحة المحبة للسادة الرؤساء قد تطول وتطول من دريد لحام إلى عادل إمام إلى محمود ياسين لولا المرض (فأنابت عن محبته السيدة كريمته رانيا وزادت في المحبة خمسين قيراطا) إلى طباخ الرئيس إلى حسن يوسف.. إلخ إلخ. والمسبحة قد تطول حتى الصباح، ورحم الله الفنان رشدي أباظة من ثلاثين سنة تقريبا إلا قليلا، ابن فقراء الأباظية، حينما اشتد عليه مرض الموت، جاءه من يقول له إن علاجك سيكون على حساب الدولة، فكان رده القطعي: "بعدما تنتهي فلوسي كاملة وفلوس أهلي، قد أضطر لذلك، وشكرا". وبالطبع مات قبل أن يضطر، فعلى الأرواح الغنية والنبيلة السلام، وعلى فقراء الأرواح من أهل الفن ألا يستهينوا بقيمة الفن، أو محبّة الناس، من أجل حاكمٍ يأتي ثم يذهب ويندثر، كما تذهب الأشياء وتندثر.
نتكلم هنا عن الفن الحقيقي، وليس فن الأراجوزات المعاصر في حضرة الرؤساء والملوك، ولَحْس الموائد، كما يفعل محمد صبحي (من صدّام حسين إلى بشار الأسد إلى ما شاء، بشرط أن يدفع له، أو مجرد إنقاذه من الخواء الفني الذي يعيشه من سنوات، فاستبدله سريعا بسبوبة تبييض نحاس الملوك، وسيرهم ومشاريعهم الوهمية).
هل يتسلى الطغاة بمهارةٍ على حرق الذوات في ملكهم، من الكاهن إلى الكاتب إلى الشعب إلى الحزب إلى النخبة إلى الطبقة أيضا (قوى الشعب العاملة أيام زمان)، ولا مانع عندهم أيضا من حرق الفنان أيضا؟ أو حتى حرق روما نفسها إن تطلب الأمر، أو هدم حتى ربع أوروبا كما فعل هتلر. الغريب أن "أحفاد هتلر" يتناسلون في كل قرن وكل ملة، من الشاويش علي عبد الله صالح شرقا حتى خليفة حفتر غربا، مرورا ببشار، وما خفي كان أعظم.
هل الفنان، وإن لم يكن فقيرَ جيب، هو فقير قلب؟ أو يخاف أن ينزل من فوق قمة ذلك الهرم الاجتماعي الذي ارتقاه مع الأيام من صلب أموال الشعب، ناسيا الشعب في غمرة استمراره على قمة ذلك الهرم الذي وصل إليه من محبة الناس له، من دون أن ينسى رضعات السلطة المهمة (تأملوا إلى ماذا أوصلت تلك الرضعات محمد منير)؟ أمر يستحق الدهشة بالفعل (علّها السبعون ومخاوفها ووهنها أيضا مع الحالة الصحية بالطبع)، أما حال الفنان الموهوب، محمد رمضان، فأمر يستحق استشارةً نفسيةً بحق، ولا مانع في أن يكون الطبيب هو دكتور أحمد عكاشة المستشار العلمي للرئاسة. أما الممثلة سهير البابلي، وهي بكل تأكيد تقترب الآن من الثمانين عاما (تلميذها عادل إمام في "مدرسة المشاغبين" على أبواب الثمانين هو الآخر) فقد حنّت، لا لأيام حسني مبارك فقط، بل لرائحة شراب (جوارب) مبارك، وليس شرابه النظيف أو الجديد، بل (شرابه المعفن) على حد تعبيرها. وهذا بالطبع أمر فريد يخص مصر الآن فقط، ويخص السيدة سهير فقط، فلم أجده أو أجد حتى شبيها له، لا في كتب المقريزي ولا في ابن إياس ولا حتى الجبرتي في أيام القحط.
أما قصّ الفنانة السورية رغدة شعرها في حلب، ورميه في ساحة من ساحاتها، نوعا من "الندر"، فهو بالطبع أهون على أن تشمّ "شراب حسني مبارك المعفّن" كما تمنت الفنانة سهير البابلي، وكل محبة لرئيس ولها فنونها.
ومسبحة المحبة للسادة الرؤساء قد تطول وتطول من دريد لحام إلى عادل إمام إلى محمود ياسين لولا المرض (فأنابت عن محبته السيدة كريمته رانيا وزادت في المحبة خمسين قيراطا) إلى طباخ الرئيس إلى حسن يوسف.. إلخ إلخ. والمسبحة قد تطول حتى الصباح، ورحم الله الفنان رشدي أباظة من ثلاثين سنة تقريبا إلا قليلا، ابن فقراء الأباظية، حينما اشتد عليه مرض الموت، جاءه من يقول له إن علاجك سيكون على حساب الدولة، فكان رده القطعي: "بعدما تنتهي فلوسي كاملة وفلوس أهلي، قد أضطر لذلك، وشكرا". وبالطبع مات قبل أن يضطر، فعلى الأرواح الغنية والنبيلة السلام، وعلى فقراء الأرواح من أهل الفن ألا يستهينوا بقيمة الفن، أو محبّة الناس، من أجل حاكمٍ يأتي ثم يذهب ويندثر، كما تذهب الأشياء وتندثر.