لماذا يا أزهر؟!

26 فبراير 2015
يختلف الاتفاق حول جريمة الحرق من واقعة إلى أخرى(Getty)
+ الخط -

عقب إعلان إحراق الطيار الأردني، معاذ الكساسبة، علي يد تنظيم "داعش"، توالت ردود الفعل الدولية بإدانة هذا الحادث، بعد تنفيذ عقوبة الإعدام "حرقا"، لتتأسى قلوب الجميع باختلاف أديانهم وجنسياتهم وتوجهاتهم، ويجمعوا على أن حادثا كهذا تتبرأ منه الإنسانية والأديان كافة، ولا سيما دين الإسلام.

وفي الواقع، فإن جريمة القتل حرقا ليست بالجديدة علينا، لا سيما في مصر، ولذلك قد يبدو من الطبيعي أن ما ذكرته عن إدانة الجميع دينا وجنسا وإنسانية لجريمة الحرق في الفقرة السابقة لم يكن صحيحا بنسبة كبيرة. نعم، فالاتفاق حول جريمة الحرق قد يختلف من واقعة إلى أخرى، حسب مرتكبيها، ومن ارتُكبت بحقهم.

ففي مصر، لم يكفّ الأزهر ودار الإفتاء المصرية عن التصريح حول تلك الجريمة، مسارعين بنقض الأحاديث المشكوك في صحتها التي قام داعش بالاعتماد عليها في إعدام الكساسبة. ولم تكتف المؤسسات الإسلامية الرسمية في مصر بإدانة ونقض الأحاديث، كما هو معهود إليها، فأصدر مجلس حكماء المسلمين، برئاسة شيخ الأزهر، بيانا يستنكر فيه "العمل الإرهابي الخسيس"، على حد وصفه، داعين إلى تطبيق حد الحرابة بقتل وصلب وقطع أرجل وأيدي إرهابيي التنظيم.

قد لا أختلف مع بيان الأزهر الشريف، ولكن مثل هذا البيان وتلك التصريحات التي لم تكف دار الإفتاء المصرية عن التصريح بها عبر صفحتها الرسمية، التي امتلأت بالشجب والندب، مستدلين بالآيات والأحاديث النبوية، ولا سيما الحديث الشريف في صحيح البخاري، أن الرسول قال: "لا تعذبوا بالنار، فإنه لا يعذب بالنار إلا ربها"، قد تثير تساؤلات عدة حول تكرار مثل ذلك الحادث سابقا في مصر، في مواقع مشابهة، وسكوت الأزهر عنها، وامتناعه عن مجرد الشجب والإدانة.

ففي أغسطس/آب 2013، إبان مذبحة رابعة العدوية والنهضة، أحرقت قوات الأمن المصرية العديد من المشاركين في الاعتصام أثناء فضها له أمام أعين الجميع، في مشهد مأساوي لا يقل جسامة عما فُعل بالكساسبة، إلا أنه بمطالعة البيانات الرسمية، وعبر صفحة دار الإفتاء ذاتها، رأينا تجاهلا تاما لما حدث من حرق للمشاركين في ذلك الاعتصام. بل وفي بيانات ومواقف لاحقة، سارعت المؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية المصرية، بتأييد موقف قوات الجيش المصري في الحفاظ على البلاد، رغم قتله وحرقه للمئات من العزل.

إذا، تكررت الحادثة واختلف موقف الأزهر من الحرق حسب الأطراف الحارقة والمحترقة. أو ليست قسوة الجريمة وشناعتها حينما يحرق مصري مسلم مسلما مصريا غيره؟ فلم لا يسير الأزهر على خط واحد، حتى ينأى بنفسه عن الشبهات المتلاحقة، التي عرفت عنه بمحاباته للدولة في مواقفها على اختلاف حكامها.

أو تذكرون حينما تفحّمت جثث 37 مواطنا في عربة الترحيلات؟! لم نقل أين كان القضاء، بل أين كان الأزهر الشريف من مثل تلك الجرائم؟

لماذا معاذ على وجه الخصوص؟ سؤال قد تبدو إجابته يسيرة، ولكن التغاضي عن مثل هذا الأمر يجعل من التساؤل ذاته، لا الإجابة، أمرا منسيا مثل ما سبقه من الأسئلة التي لا إجابة لها، نظرا للغيبوبة التي وقع فيها "المنطق" في مصر.

قد أتفهم أن يستنكر كلا من الحادثتين من يتحلى بقدر من المنطق، لبشاعة الطريقة، فالإنسانية تتجزأ. ولكن الذي يستعصى على أي عقل أن يتفهمه، هو تقبل واقعة والفرح بها مرة، واستنكار الأخرى، فإلى المواطنين الذين أدانوا إعدام الكساسبة حرقا: بربكم أين كانت إنسانيتكم عندما هتفتم "اضرب يا سيسي" حين تم حرق العشرات في النهضة، وسيارة الترحيلات وغيرها؟


(مصر)