01 أكتوبر 2022
لماذا هتفت الأمهات "لا للتعريب"؟
تبدو مظاهرة أمهات طلاب المدارس التجريبية أمام وزارة التربية والتعليم أقرب إلى مشهد من المسرح العبثي، لكن الواقع أكثر عبثاً. بالتأكيد لم تكن هتافاتهن غضباً من تعليم اللغة العربية، أو من رغبة الوزير في أن يتعلم الأطفال قراءة القرآن والشعر كما قال، فهن جميعاً محجبات ومنهن منتقبات، وبالتأكيد لا يعنيهن مطلقاً الجدل العلماني والحداثي في مواجهة حراس التراث.
قلن إنهن يدافعن عن تعليم أولادهن، وعن ألا يُفرق بينهم وبين إخوتهم في نمط التعليم بالبيت الواحد. وفي المقابل، قال الوزير إن الأسر حريصة على أن "يرطن" الأطفال للوجاهة الاجتماعية.
في الواقع تتواطأ كل الأطراف على عدم ذكر الحقيقة البسيطة: الأزمة اقتصادية أولاً. هذه الأسر التي تدفع بين 1000 – 3000 جنيه (170 دولاراً) سنوياً في المدارس الحكومية التجريبية (الرسمية لغات) هي بأدنى سلم الطبقة الوسطى، حرفياً على حافّة الفقر، لكن لديهم قدراً من التعليم يجعلهم يفهمون أن التعليم هو الأمل الوحيد في الصعود، ولو درجة واحدة بالسلم الطبقي.
لا تدافع الأمهات عن وجاهة اجتماعية، وإن كانت جزءاً لا يُنكر، كما لا تدافعن حقاً عن اللغات الأجنبية أو التعليم، بل يدافعن عن "أكل العيش"، كما يقول المصريون.
لماذا تتكالب الأسر بجنون على أن يُحرز الأبناء نتائج خيالية، ولماذا يتقاتل الجميع على كليات الهندسة والطب والصيدلة؟ لا علاقة لهذا بأن لدينا حمقى متفاخرون، بينما في الغرب عقلانيون يتركون للطلاب مساحات القدرات والرغبات، بل ببساطة لأن هذه الكليات في بلادنا هي التي لديها فرص أعلى بكثير في العثور على عمل في الداخل أو السفر في الخارج، بينما الملايين من خريجي مدرجات التجارة والتربية والحقوق المُكدسة فضلاً عن ملايين خريجي التعليم الفني يذهبون إلى المجهول. قابلت محامياً ترك الشهادة، وعاد إلى ارتداء الجلباب وفلاحة أرض أسرته، وقصص سائقي الأجرة من حملة الشهادات أكثر من أن تُحصى، فضلاً عن مظاهرات حملة الماجستير والدكتوراه العاطلين.
تملك أغلب الدول الغربية حداً أدنى من الأمان، إعانات بطالة وعلاجاً مجانياً ومساعدات بالسكن، بينما البديل في مصر هو الهبوط، وربما الجوع حرفياً. ولهذا لن يقبل أحد بقدرات ابنه وميوله، هذه رفاهيات للآخرين لا لنا!
جانب آخر من مخاوف الأمهات المرتعبات هو خبراتنا المتراكمة، كم مرة نسمع أن مشروع كذا هو البداية الحقيقية للنهضة؟ وأن الوزير الفلاني والمسؤول العلاني مختلف؟
صحيحٌ أنه هذه المرة المسؤول ذو خلفية مختلفة، فقد كان مديراً إقليمياً لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) سنوات طويلة، وصحيح أن الخطة هذه المرة تبدو حاملة شهادات دولية ثقيلة إلى حد أن البنك الدولي وافق على تمويلها بقرضٍ بقيمة نصف مليار دولار، لكن في النهاية نعرف جميعاً السياق العام الذي لم ينكره الوزير الطموح نفسه، معترفاً بأنه لا يمكنه رفع رواتب المعلمين بالقدر الكافي على سبيل المثال.
وفي ما يخص قضية التعريب تحديداً، والتي تحدث بها الوزير عن أهمية الهوية والانتماء العربي ونحو ذلك، وهي للمفارقة كانت سابقاً على الأجندة الإخوانية، لا تغيب المخاوف مما قد تعنيه الدولة بهذه المصطلحات.
والحقيقة أن التعليم بشكل عام أداة خارقة الخطر، إذا عملت بكفاءة بيد نظام مستبد. لا يغيب دور التعليم في الهندسة الاجتماعية في مختلف دول العالم، حتى أن ألمانيا تعد التعليم المنزلي جريمة، وقد ذاع صيت وقائع انتزعت فيها الدولة الأطفال بالقوة من أهالي رفضوا إرسال أبنائهم إلى المدارس لتعليمهم في المنزل، وتعلن بوضوح أن هذا لدمج الأطفال في المجتمع وقيمه ومنع تكون مجتمعات موازية. لكن في المقابل تُراقب هذه السلطة الخطيرة في ألمانيا بديمقراطية صلبة، وحريات متجذرة، وفي المقابل من سيفعلها ببلادنا؟
حين تُطرح قضية خطة التعليم الجديدة باعتبارها جوانب تقنية بحتة، يجب علينا التأكيد أنها لا تحلق في الفراغ، بل هناك أسئلة السياسة والاقتصاد تنتظر من يجيب عنها.
قلن إنهن يدافعن عن تعليم أولادهن، وعن ألا يُفرق بينهم وبين إخوتهم في نمط التعليم بالبيت الواحد. وفي المقابل، قال الوزير إن الأسر حريصة على أن "يرطن" الأطفال للوجاهة الاجتماعية.
في الواقع تتواطأ كل الأطراف على عدم ذكر الحقيقة البسيطة: الأزمة اقتصادية أولاً. هذه الأسر التي تدفع بين 1000 – 3000 جنيه (170 دولاراً) سنوياً في المدارس الحكومية التجريبية (الرسمية لغات) هي بأدنى سلم الطبقة الوسطى، حرفياً على حافّة الفقر، لكن لديهم قدراً من التعليم يجعلهم يفهمون أن التعليم هو الأمل الوحيد في الصعود، ولو درجة واحدة بالسلم الطبقي.
لا تدافع الأمهات عن وجاهة اجتماعية، وإن كانت جزءاً لا يُنكر، كما لا تدافعن حقاً عن اللغات الأجنبية أو التعليم، بل يدافعن عن "أكل العيش"، كما يقول المصريون.
لماذا تتكالب الأسر بجنون على أن يُحرز الأبناء نتائج خيالية، ولماذا يتقاتل الجميع على كليات الهندسة والطب والصيدلة؟ لا علاقة لهذا بأن لدينا حمقى متفاخرون، بينما في الغرب عقلانيون يتركون للطلاب مساحات القدرات والرغبات، بل ببساطة لأن هذه الكليات في بلادنا هي التي لديها فرص أعلى بكثير في العثور على عمل في الداخل أو السفر في الخارج، بينما الملايين من خريجي مدرجات التجارة والتربية والحقوق المُكدسة فضلاً عن ملايين خريجي التعليم الفني يذهبون إلى المجهول. قابلت محامياً ترك الشهادة، وعاد إلى ارتداء الجلباب وفلاحة أرض أسرته، وقصص سائقي الأجرة من حملة الشهادات أكثر من أن تُحصى، فضلاً عن مظاهرات حملة الماجستير والدكتوراه العاطلين.
تملك أغلب الدول الغربية حداً أدنى من الأمان، إعانات بطالة وعلاجاً مجانياً ومساعدات بالسكن، بينما البديل في مصر هو الهبوط، وربما الجوع حرفياً. ولهذا لن يقبل أحد بقدرات ابنه وميوله، هذه رفاهيات للآخرين لا لنا!
جانب آخر من مخاوف الأمهات المرتعبات هو خبراتنا المتراكمة، كم مرة نسمع أن مشروع كذا هو البداية الحقيقية للنهضة؟ وأن الوزير الفلاني والمسؤول العلاني مختلف؟
صحيحٌ أنه هذه المرة المسؤول ذو خلفية مختلفة، فقد كان مديراً إقليمياً لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) سنوات طويلة، وصحيح أن الخطة هذه المرة تبدو حاملة شهادات دولية ثقيلة إلى حد أن البنك الدولي وافق على تمويلها بقرضٍ بقيمة نصف مليار دولار، لكن في النهاية نعرف جميعاً السياق العام الذي لم ينكره الوزير الطموح نفسه، معترفاً بأنه لا يمكنه رفع رواتب المعلمين بالقدر الكافي على سبيل المثال.
وفي ما يخص قضية التعريب تحديداً، والتي تحدث بها الوزير عن أهمية الهوية والانتماء العربي ونحو ذلك، وهي للمفارقة كانت سابقاً على الأجندة الإخوانية، لا تغيب المخاوف مما قد تعنيه الدولة بهذه المصطلحات.
والحقيقة أن التعليم بشكل عام أداة خارقة الخطر، إذا عملت بكفاءة بيد نظام مستبد. لا يغيب دور التعليم في الهندسة الاجتماعية في مختلف دول العالم، حتى أن ألمانيا تعد التعليم المنزلي جريمة، وقد ذاع صيت وقائع انتزعت فيها الدولة الأطفال بالقوة من أهالي رفضوا إرسال أبنائهم إلى المدارس لتعليمهم في المنزل، وتعلن بوضوح أن هذا لدمج الأطفال في المجتمع وقيمه ومنع تكون مجتمعات موازية. لكن في المقابل تُراقب هذه السلطة الخطيرة في ألمانيا بديمقراطية صلبة، وحريات متجذرة، وفي المقابل من سيفعلها ببلادنا؟
حين تُطرح قضية خطة التعليم الجديدة باعتبارها جوانب تقنية بحتة، يجب علينا التأكيد أنها لا تحلق في الفراغ، بل هناك أسئلة السياسة والاقتصاد تنتظر من يجيب عنها.