لماذا تقدموا ولماذا فشلنا؟

16 ديسمبر 2014

السيسي وحكومته يخالفون القانون (Getty)

+ الخط -

ما الفارق بيننا وبينهم؟ ومن هم؟

الفارق بيننا وبينهم كبير، ليس وليد اللحظة، فهم كانوا مثلنا، وربما أسوأ منذ مائة عام، لكننا نحن الذين ما زلنا نعيش في الماضي، أو هناك من هم بيننا، ويحاولون إعادتنا إلى الماضي، توهماً أنه الحل السحري، سواء من يريدون إعادتنا إلى الماضي "الديني" ومجد الإسلام والخلافة منذ 1400 عام، عندما كانت الناس غير الناس، والإمبراطوريات غير الإمبراطوريات، أو هناك من يريد إعادتنا إلى الماضي القريب الذي كان قبل 60 عاماً، عندما كانت الكلمة العليا للعسكر في مصر والمنطقة العربية.

هناك من يملك السلطة، الآن، في مصر، ويعمل لإعادتنا إلى زمن مضى وأثبت فشله، حيث الدولة المركزية، وإغلاق المجال السياسي وتحكم العسكر في كل شيء، وإعلاء الدولة الأمنية أو القمعية أو السلطوية على كل قيم الحرية والديمقراطية والحكم الرشيد والمحاسبة والشفافية وحقوق الإنسان. وهي كل القيم التي أثبتت نجاحها، وأسهمت في تقدم "هم". و"هم" هو الغرب الكافر الصليبي، الذي يريد تدمير الإسلام، طبقاً لنظرية المؤامرة في أدبيات الأصولية الإسلامية. "هم" الغرب المتآمر، المعتمد على المخابرات الموالي لإسرائيل (حليفة العسكرية المصرية بعد كامب ديفيد). إنهم الغرب الذي لا يشغل باله إلا ترتيب المؤامرات على مصر وجيشها الأسطوري "الذي لا مثيل له في العالم كله"، طبقاً لنسخة المؤامرة في الأصولية العسكرية السلطوية الناصرية.

ما الفارق بيننا وبين"هم"؟ ما الذي جعلهم في هذا النظام والإنتاجية والتحضر، وجعلنا في هذه الفوضى والتخلف والجهل؟ هل فقط المؤامرات ضد الإسلام، أو الجيش المصري، كما نسمع من الإسلاميين، أو العسكر والدولجية والناصريين من جهة أخرى. بالتأكيد، لا يخلو العالم من مؤامرات وكتابات كراهية وعنصرية، وخطط طويلة المدى تضمن تفوق الغرب، ومنع أي منافسة للعولمة أو الحضارة الغربية. ولكن، أين حضارتنا نحن؟ وأين إنتاجيتنا نحن؟

وماذا نفعل؟ وكيف نواجه عملياً، وليس إعلامياً جعجعياً، مؤامرات الغرب المزعومة التي لا يجرؤ عبد الفتاح السيسي على الحديث عنها، بتوضيح أو حتى مواجهة الغرب بها، في أثناء طلبه المعونات والتمويل الأجنبي منهم، في أثناء جولات التسول التي يقوم بها كل فترة.

أيها الدولجية والعسكر والسيسي والسيساوية: لماذا تبذلون كل هذا المجهود والوسائل للتسول من الغرب المتآمر، إذا كانت كل المعونات والتمويل جزءاً من مؤامرة؟ كيف تقولون لنا إن ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وأميركا، ومعهم تركيا وقطر وإسرائيل، يتآمرون علينا ليل نهار، في حين أن السيسي يسعى إلى التسول من معظمهم، عدا قطر وتركيا بالطبع. إن قرأنا في تاريخهم وتاريخنا منذ 300 إلى 350 عاماً، نجد أن "هم" ثاروا على الجهل والخزعبلات وحكم الفرد وتدخل الدين في السياسة. ثاروا ضد فساد المؤسسة العسكرية التي تحكمت في كل شيء، وثاروا ضد تقديس الأفراد والحكام، فأصبحوا ما أصبحوا عليه، ونحن لم نتقدم خطوة فكرية ولا فلسفية ولا تقنية ولا صناعية، منذ مئات السنين. هذا هو الفارق، الفارق، أيضاً، في تطبيقهم مبادئ نادوا بها، ولو بعد تطوير وشد وجذب وتجارب مؤلمة وحروب، تعلموا ولا يزالون يتعلمون من أخطائهم وجرائمهم.

يطبقون على أنفسهم مبدأ دولة القانون على الجميع، فطبيعي أن تجد في أوروبا وزيراً يدفع غرامة "تزويغ" من مترو الأنفاق، أو مواطناً يصفع رئيس وزراء، ويدفع غرامة فقط، ولا يتم إعدامه في الشارع، بل وترى رئيس الوزراء الأوروبي هو الذي يطلب العفو للمواطن الغاضب، ويدافع عن حقه في التعبير ولو بعنف. هذا هو الفارق بين دولة متقدمة تطبق فعلاً مفهوم دولة القانون، ودولة فاشلة لا تحترم القانون، وتطبقه بغلظة وتعسف وظلم وتدليس على أي معارض، في حين أن السلطة ورئيس الجمهورية وضباط الشرطة والجيش والوزراء وكل المحاسيب وأقارب وأصدقاء وأقرباء المسؤولين المصريين، كلهم فوق القانون والحساب والنقد.

لا تجد في دولة متقدمة حديثاً كاذباً عن استحقاق دستوري، لم يتم، ولن تجد تعارضاً بين الدستور والقوانين، ولا ترسانات متراكمة من قوانين، تم طبخها عشرات السنين، وتتراكم وتتعارض، أحياناً. لن تجد عند "هم" مثل عندنا تطبيقاً للقانون والدستور "أحيانا" على الضعيف والمعارض والمزعج، في حين أنه يتم عندنا تجاهل للدستور والقانون، عند طلبات المحاسبة للرئيس الإله، أو علية القوم.

عندنا أكذوبة كبرى، يتم اشتغالنا بها، اسمها الالتزام العسكري، والجدية العسكرية في تطبيق القوانين، في حين أن الواقع أن هذا أيضا كذب، وأنهم لا يبرعون سوى في الجعجعة و"الهيلمان".

الكذاب والضبط والربط "الصوري" بدون تفكير أو ابتكار أو تحديد أو اختراع أكذوبة انضباط العسكر والعسكرية المصرية، أو احترامها القانون، في حين أنه مستحيل لأحد أن يعلم أي معلومة عن أي شيء، أو أن تعرف ما مرتبات أو ممتلكات وثروات الباشوات القادة العسكريين، أو قادة الشرطة، في حين أن أميركا "المفترض أنها هي العدو المتآمر" تعرف بالتفصيل، فهي من تعطيهم المرتبات أحياناً، وتنفق على برامج تدريبية لهم، وتتغاضى عن سمسرة بعضهم لصفقات التسليح، أو توريدات المعونة الأميركية للعسكرية المصرية.

أكاذيب احترام الدستور والقانون، ويمكن بسهولة رصد أكثر من 20 مخالفة حكومية وعسكرية للدستور "دستورهم"، بالإضافة إلى مئات المخالفات الحكومية الرسمية العسكرية للقوانين التي كانت مفصلة منذ 1952. وأكاذيب وفد السلطة والمنظمات الموالية في جنيف، لدينا دستور تمام، "زي الفل في الحريات" "وهذا قد يكون حقيقياً"، لكنه حبر على ورق السلطة، والحكومة أول من يخالف الدستور والقوانين. السلطة والمنظمات الموالية زعمتا أنه ليس هناك معتقلون، لكنهم لم يذكروا عشرات آلاف المحبوسين احتياطياً بتهم ملفقة، وبدون محاكمات جادة، وفي السجون أكثر من عام، ويختلط في السجون الإرهابي الجهادي مع الإخواني مع الثوري العلماني مع الممسوك بالغلط، والكل سيخرج كارهاً للدولة والسلطة والحياة. تذكروا هذا جيدا. ولم يذكر وفد المجلس أن المساجين مكدسون في السجون، وأنه لا توجد رعاية صحية ولا إصلاحية ولا نفسية، وأن السياسي يخرج إرهابياً، وأن من مال إلى التجاوزات الجنائية سيخرج أكثر عدوانيةً، وارتكابا للجرائم، وإدمانا للمخدرات. لم يتحدث وفد المجلس عمن تم الحكم عليهم بـثلاث سنوات، بسبب مظاهرة لم يشارك فيها، ولم يتحدث الوفد عن تلفيق التهم، أو القضاء الذي يعمل بالريموت كونترول، أو القضاة ووكلاء النيابة الذين يلقون خطباً سياسية، ويعلنون كراهيتهم علناً للمتهمين.

تحدّث السيسي أن قانون التظاهر المصري يماثل قانون التظاهر الفرنسي، يتلاعب بالألفاظ، ولم يذكر أن العقوبات في قانون التظاهر الفرنسي، أو في باقي الدول الأوروبية، وفي قانون التظاهر الأميركي، تتراوح بين الغرامات أو حبس (الخدمة العامة) أو الحبس في (السجون المفتوحة)، في حالة ثبوت تهمة تعمد مخالفة القانون وتعطيل المرور، وتكرار ذلك بعد (تحذيرات موثقة)، وعلى الرغم من أن الحصول على إذن التظاهر (من القضاء) أسهل ما يمكن. وأنه في (فرنسا وأوروبا) يتم فقط سجن من يتعمد السرقة والتخريب، ويتم إثبات ذلك جنائياً وتصويرياً ثبوتا قاطعاً، وليس بشهادة ضابط شرطة فاسد، أو مسجل خطر، كما حدث معي، ومع مئات من شباب الثورة.

مجلس حقوق الإنسان كاذب، ولجنة تقصي الحقائق كاذبة. السيسي وحكومته أول من يخالفون القانون، ويكذبون وهم مرتاحو الضمير، وإذا كان رب البيت بالدف ضارباً، ماذا تنتظر من الشعب، يرى رئيسه وحكومته وشرطته وجيشه يخالفون القانون والدستور؟ وهل تغليظ قانون المرور هو الحل؟ أم تطبيقه على الكبير قبل الصغير هو الحل؟

الفارق بين الغرب "الكافر" عند الإسلاميين، أو الغرب المتآمر "عند العسكر والدولجية"، وبيننا، أنهم "هذا الغرب الكافر الداعر المتآمر" يطبق الدستور والقوانين بقدسية شديدة وصرامة، ولو بعد حين، وعندنا "دولة العسكر البوليسية الشاكمة". عندنا دستور حبر على ورق، وقوانين ضد بعض، ويطبق بعضها "عند الحاجة" على الغلبان، أو الذي لا ظهر له، أو المعارض أو المزعج للنظام.

عندهم ديمقراطية في التشريع، ونقاش مجتمعي حقيقي، ثم صرامة وجدية في التطبيق على الجميع. عندنا سلطوية في التشريع، بدون أي حوار، ثم تطبيق (خيار وفقوس)، عندنا احترام القانون هو الشذوذ، وعندهم احترام القانون الأساس. هل عرفتم لماذا تقدموا، ونحن فاشلون؟

DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017