منذ نهاية يونيو/حزيران الماضي، بدأ المجتمع الدولي، بما فيه الدول الخمس الكبرى (الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، روسيا والصين) يطالب بوقف الحرب في محيط العاصمة الليبية طرابلس. وآخر المناشدات ترجمت في بيان وزارة الخارجية الأميركية، الجمعة الماضية، والذي كان الأكثر وضوحاً في مطالبة خليفة حفتر بوقف عدوانه على طرابلس. ويُظهر إحصاء بسيط وجود 15 اعتراضاً دولياً على الحل العسكري وضرورة وقف الحرب، فمن يدعم حفتر إذاً؟
الثلاثاء الماضي، ردت الصين على طلب وزارة الخارجية الليبية بـ"اتخاذ موقف من استخدام طائرات مسيّرة صينية الصنع في العدوان على طرابلس"، بـ"طلب أدلة على ذلك"، على الرغم من اعتراف الأمم المتحدة، في تقرير خبرائها الأخير، بخرق دول من بينها الإمارات، لقرار حظر توريد الأسلحة لليبيا، كما أن صور طائرات "وينغ لونغ" الصينية التي تمكّنت قوات "بركان الغضب" من إسقاطها، متاحة لكل متابع، فما بالك بالسياسيين وأصحاب القرار.
هل عجز المجتمع الدولي بالفعل عن إرغام حفتر على وقف عدوانه، على الرغم من قرب توافق الدول الكبرى التي تتشاور للإعداد لقمة برلين حول صياغة حل سياسي، بناء على توافق بينها على مصالحها في البلاد، يقول مراقبون إنه سيُفرض على الأطراف الليبية؟ وما دامت لديها القدرة على إرغام حفتر على القبول بحل سياسي، لماذا تتأخر في إرغامه على وقف عدوانه على المدنيين والأحياء المدنية؟
يؤكد المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، في إحاطته لأعضاء مجلس الأمن الإثنين الماضي، أن حرب حفتر على طرابلس تسبّبت في مقتل 200 مدني، كاشفاً عن وجود أكثر من 135 ألف مدني في المناطق التي تُشكّل الخطوط الأمامية للنزاع، فمن غير المنطقي أن الدول الخمس الكبرى دائمة العضوية وبعد استماعها لهذه الأرقام والحقائق المروعة عاجزة عن توجيه خطاب مباشر لحفتر لوقف عدوانه حتى لا تتضاعف هذه الأرقام.
يبرر سلامة تأخر المواقف الدولية تجاه حفتر بانقسام مجلس الأمن وأعضائه، لكننا لم نرَ هذا الانقسام عشية إعلان حفتر نقل تبعية حقول وموانئ النفط إلى إدارته في شرق البلاد، في يوليو/تموز من العام الماضي، فصباح اليوم التالي رجع حفتر مرغماً عن قراره بعد إنذار فوري وصله من واشنطن. أوليس 200 قتيل مدني، و135 ألفاً آخرين ينتظرهم الموت، هم أنفسهم المدنيين الذين أصدر أعضاء مجلس الأمن القرار 1973 لحمايتهم وفرض حظر الطيران على ليبيا من أجلهم؟
كان متابعو الشأن في ليبيا ينتظرون قراراً دولياً سريعاً بوقف أرتال حفتر التي كانت تمر إلى طرابلس طيلة مارس/آذار الماضي، وهي المسافة نفسها التي قطعتها قوات معمر القذافي إلى بنغازي في الشهر نفسه من عام 2011، ليكون الطيران الفرنسي أول من يتصدى لها بالقصف، لكن ضباطاً وخبراء فرنسيين سبقوا هذه المرة أرتال حفتر ليكونوا في استقبالها في غريان على بعد 90 كيلومتراً غرب طرابلس.