18 فبراير 2020
لماذا الحرب التركية الكردية؟
بعد نحو سنتين من إطلاق عملية السلام بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني، كانت لافتة العودة إلى التصعيد الأمني والعسكري من الجانبين، فور انتهاء الانتخابات البرلمانية التي جرت في السابع من يونيو/حزيران الماضي، والفوز الكبير الذي حققه حزب الشعوب الديمقراطية الكردي، وكان سببا أساسيا في إفقاد حزب العدالة والتنمية الأغلبية البرلمانية التي امتلكها منذ وصوله إلى السلطة عام 2002، ومن ثم الفشل في تشكيل حكومة ائتلافية، والدعوة إلى انتخابات مبكرة. وعليه، أثار التصعيد الجديد أسئلة كثيرة عن التوقيت، وعن مستقبل عملية السلام، منها، هل فشلت العملية وذهبت إلى غير رجعة، أم أن هدفه وضع قواعد جديدة للصراع، بعد أن أحست تركيا بخطر الصعود الكردي في الداخل، وعلى حدودها الجنوبية، وتحول حزب العمال الكردستاني إلى دولة، تمتد من جبال قنديل إلى تخوم المتوسط.
في الواقع، على الرغم من ضراوة الحرب المندلعة حاليا، ثمة قناعة دفينة لدى الجانبين، التركي والكردي، بأن النهج العسكري لن يؤدي إلى نتيجة، فجولات القتال السابقة بين الجانبين
انتهت بالفشل، بعد أن كلفت أعداداً كبيرة من الضحايا، وتدميراً هائلا للبنى التحتية، وهدراً للأموال، حيث تفيد التقارير التركية بأن الحرب ضد حزب العمال الكردستاني، منذ عام 1984، كلفت أكثر من خمسمئة مليار دولار، وهو مبلغ كاف لتحقيق نهضة اقتصادية واجتماعية في المناطق الكردية في جنوب شرق البلاد. وأمام هذه القناعة، فإن السؤال الجوهري، هنا، يتعلق بخلفيات التصعيد الجديد وكيفية العودة إلى طاولة الحوار، من أجل سلام منشود، يحقق الاستقرار لتركيا والهوية القومية للكرد. عندما أعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية في السابع من يونيو/حزيران الماضي، وجد الرئيس رجب طيب أردوغان نفسه أمام مشهد تركي جديد، خلافا لما كان يخططه من أجل الانتقال من النظام البرلماني إلى نظام رئاسي، إذ وجد نفسه أمام إقليم كردي بمحاذاة المناطق الحدودية الجنوبية مع سورية، تحت سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، كما وجد أن الأخير بدلاً من أن يسحب ثقله العسكري من الداخل التركي يخطط لإقامة إدارة ذاتية في جنوب شرق تركيا، حيث الغالبية الكردية، فيما تحول جناحه السياسي (حزب الشعوب الديمقراطية) الذي فاز بنحو 13% من الأصوات إلى قوة سياسية ودستورية، وسط شكوك عميقة بأنه على علاقة سرية بقيادة الكردستاني في جبال قنديل، ولعل ما زاد من الهواجس التركية ارتفاع معدل العمليات، والإجراءات الأمنية التي يقوم به حزب العمال الكردستاني في الداخل. في المقابل، فإن الكرد الذين انتظروا طويلاً لتقوم الحكومة التركية بخطوات عملية للدفع بعملية السلام إلى الأمام، ولا سيما الإفراج عن عبد الله أوجلان، والاعتراف الدستوري بالكرد وحقوقهم القومية، وجدوا أنها تمارس سياسة أقرب إلى تمرير الوقت والتهرب من الاستحقاقات وعدم الجدية، وزادت تصريحات أردوغان بعدم وجود قضية كردية، وتنصله من بيان السلام الذي أعلن في قصر (دولمه باهجه) بين الحكومة التركية وحزب الشعوب الديمقراطية من قناعة الكرد بأهمية التصعيد السياسي والأمني، لوضع الحكومة أمام معادلة: إما الاستجابة للمطالب الكردية أو الدفع نحو التفجير، ولعل ما رجحت الخيار الأخير نتائج الانتخابات البرلمانية والتطورات الأمنية المتعلقة بالأزمة السورية والحرب ضد داعش، إذ برزت كل هذه التطورات على شكل رهانات يمكن البناء عليها في ترتيب الداخل التركي من جديد، حيث الاستعداد للانتخابات المبكرة التي ستجري بعد أقل من شهرين. وعليه، كانت العمليات العسكرية التركية ضد موقع الكردستاني في العراق وتركيا، في مقابل تصعيد الأخير عملياته في الداخل، على شكل استهداف جنود ومقار أمنية وحكومية، لتتصدر أخبار المواجهات وسائل الإعلام التركية والكردية، بدلا من الحديث عن أهمية عملية السلام.
وفي ذروة الغارات التركية على مواقع الكردستاني، حرص المسؤولون الأتراك، ولا سيما أردوغان وأحمد داود أوغلو، على القول إن عملية السلام لم تمت، وإن شرط العودة إليها ترك الحزب الكردستاني السلاح، فيما أكد الأخير مراراً أنه مستعد للسلام، شرط أن يوقف الجانب التركي عملياته العسكرية ضده، ويلتزم باتفاق عملية السلام، والسماح بزيارة زعيمه أوجلان في السجن. وقد تكشّف هذا الحرص الضمني من الجانبين، على الرغم من لهجة القوة، عن دوافع الطرفين، ومحاولة كل طرف اتباع قواعد جديدة لإمكانية العودة إلى المفاوضات، ولو بعد حين، يحددها المعنيون بمرحلة ما بعد الانتخابات المبكرة، خصوصاً بعد أن تحول التصعيد الجاري إلى بعد انتخابي في المعركة الجارية. وعليه، يمكن القول إن هدف العملية العسكرية
التركية إضعاف الكردستاني وشل قدرته على التحرك في ساحات تركيا وسورية والعراق عبر أجنحته السياسية والعسكرية، وربما دفع إقليم كردستان إلى التحرك ضده، خصوصاً في ظل العلاقة المميزة التي تربط تركيا برئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البرزاني، حيث سمعنا، للمرة الأولى، تصريحات مقربين من البرزاني، يدعون فيها حزب العمال الكردستاني إلى الخروج من إقليم كردستان، ولعل الأهم هنا أيضا، الحد من صعود حزب الشعوب الديمقراطية الكردي، عبر إجراءات سياسية ودستورية تؤثر على شعبيته في الانتخابات المبكرة، وكان واضحا إصرار الحكومة التركية على مطالبة الحزب بإدانة "العمال الكردستاني" وعملياته، فيما تدرك هي صعوبة ذلك، نظرا للعلاقة العضوية بين الجانبين، فيما اكتفى حزب الشعوب وأوجلان بدعوة الطرفين إلى وقف العنف والعودة إلى طاولة الحوار.
في مقابل الرغبة التركية في البحث عن قواعد جديدة للصراع، ثمّة رغبة مماثلة، يحاول الحزب الكردستاني استثمارها، بالقول إنه بات حليفا حقيقيا للإدارة الأميركية في الحرب ضد داعش، وإن الانفتاح الغربي عليه يترتب على المعنيين الاعتراف بشرعيته ودوره لاعباً في المنطقة وممثلاً للكرد، ويبدو أن تركيا أدركت هذا المنحى لدى "الكردستاني". وعليه، جاء انخراطها في الحرب ضد داعش، بعد اتفاق مع واشنطن على وضع قاعدة إنجرليك في خدمة الحرب ضد داعش، للحد من الاعتماد الغربي على "الكردستاني"، لاعباً في محاربة داعش، خصوصاً أن تركيا عضو في الحلف الأطلسي منذ عام 1952، ولعل الخلاصة التي يمكن استنتاجها، هنا، أن الحكومة التركية تريد جلب الحزب الكردستاني إلى مفاوضات السلام وهو ضعيف، يقبل بالرؤية التركية للمصالحة والسلام. ولعل البحث عن قواعد جديدة ربما يهدف إلى تحديد اللاعبين والفائزين في المستقبل، فأردوغان يريد انتصاراً انتخابياً وسياسياً، يشكل هزيمة للحزب الكردستاني، وهو، في تطلعه إلى هذا الفوز، يدرك في العمق أن الطرف الكردي الذي يمكن البناء معه للمرحلة المقبلة هو أوجلان، لا لرمزيته فقط، بل لأن أردوغان يعتقد أن رؤيته أكثر قبولاً وقابلية للتطبيق من رؤية الحزب الكردستاني.
في الواقع، على الرغم من ضراوة الحرب المندلعة حاليا، ثمة قناعة دفينة لدى الجانبين، التركي والكردي، بأن النهج العسكري لن يؤدي إلى نتيجة، فجولات القتال السابقة بين الجانبين
وفي ذروة الغارات التركية على مواقع الكردستاني، حرص المسؤولون الأتراك، ولا سيما أردوغان وأحمد داود أوغلو، على القول إن عملية السلام لم تمت، وإن شرط العودة إليها ترك الحزب الكردستاني السلاح، فيما أكد الأخير مراراً أنه مستعد للسلام، شرط أن يوقف الجانب التركي عملياته العسكرية ضده، ويلتزم باتفاق عملية السلام، والسماح بزيارة زعيمه أوجلان في السجن. وقد تكشّف هذا الحرص الضمني من الجانبين، على الرغم من لهجة القوة، عن دوافع الطرفين، ومحاولة كل طرف اتباع قواعد جديدة لإمكانية العودة إلى المفاوضات، ولو بعد حين، يحددها المعنيون بمرحلة ما بعد الانتخابات المبكرة، خصوصاً بعد أن تحول التصعيد الجاري إلى بعد انتخابي في المعركة الجارية. وعليه، يمكن القول إن هدف العملية العسكرية
في مقابل الرغبة التركية في البحث عن قواعد جديدة للصراع، ثمّة رغبة مماثلة، يحاول الحزب الكردستاني استثمارها، بالقول إنه بات حليفا حقيقيا للإدارة الأميركية في الحرب ضد داعش، وإن الانفتاح الغربي عليه يترتب على المعنيين الاعتراف بشرعيته ودوره لاعباً في المنطقة وممثلاً للكرد، ويبدو أن تركيا أدركت هذا المنحى لدى "الكردستاني". وعليه، جاء انخراطها في الحرب ضد داعش، بعد اتفاق مع واشنطن على وضع قاعدة إنجرليك في خدمة الحرب ضد داعش، للحد من الاعتماد الغربي على "الكردستاني"، لاعباً في محاربة داعش، خصوصاً أن تركيا عضو في الحلف الأطلسي منذ عام 1952، ولعل الخلاصة التي يمكن استنتاجها، هنا، أن الحكومة التركية تريد جلب الحزب الكردستاني إلى مفاوضات السلام وهو ضعيف، يقبل بالرؤية التركية للمصالحة والسلام. ولعل البحث عن قواعد جديدة ربما يهدف إلى تحديد اللاعبين والفائزين في المستقبل، فأردوغان يريد انتصاراً انتخابياً وسياسياً، يشكل هزيمة للحزب الكردستاني، وهو، في تطلعه إلى هذا الفوز، يدرك في العمق أن الطرف الكردي الذي يمكن البناء معه للمرحلة المقبلة هو أوجلان، لا لرمزيته فقط، بل لأن أردوغان يعتقد أن رؤيته أكثر قبولاً وقابلية للتطبيق من رؤية الحزب الكردستاني.