لماذا استنكرت إسرائيل حرق دوابشة؟

09 اغسطس 2015
+ الخط -
من بين ردود الفعل الكثيرة على حرق مستوطنين الشهيد الرضيع، علي دوابشة، وعائلته، برزَت ردود فعل القيادات الإسرائيليّة، والتي استنكرَت، في مجملها، مقتل الشهيد، واعتبرت العمَل إرهابياً. وشملت الاستنكارات قيادات الأطياف الإسرائيليّة، من "اليسار" الصهيوني واليمين بأحزابه المركزيّة، وبرَز تحديداً بينيت وشاكيد من حزب البيت اليهودي، ورئيس الدولة، رئوفين ريفلين، الذي نشر رسالة على صفحته على "فيسبوك"، بالعربية والعبريّة، استنكر فيها الأعمال الإرهابيّة. وتثير هذه الاستنكارات أسئلة بشأن النيّة والاستراتيجيّة لقيادات اسرائيل، خصوصاً وأنّ من البديهيّات أن المستوطنين أبناء النظام الإسرائيلي الاستعماري المدللون. 
بدايةً، يلاحظ أن الانزعاج الإسرائيلي من "الإرهاب اليهودي" مقتصر على مستوى الكلام والتصريحات؛ فقليلاً ما تلاحق إسرائيل مجرمي العصابات اليهودية. في السنوات الأخيرة، ارتكبت منظمة "جباية الثمن – تاغ محير" مئات الاعتداءات على ممتلكات فلسطينية، والحالات القليلة التي ضبطت شرطة الاحتلال الإرهابيين اليهود هي التي أخذت بعداً عالمياً ضاغطاً على إسرائيل، مثل حرق كنيسة الطابغة في طبرية وحرق الشهيد محمد أبو خضير. وفي هذا السياق، يُذكر أن تقرير جمعية مولاد الإسرائيليّة كشف أن منظمة "يوجد ثمن – تاغ محير" ممولة من "المجلس الإقليمي في السامرة"، التابع لوزارة الداخلية الإسرائيلية. يضاف هذا إلى تصريحات قيادات اليمين التحريضيّة الصّريحة بالقتل، مثل قول الوزيرة شاكيد إنه يجب قتل أمهات الشهداء، وكل الفلسطينيين كالأفاعي السامة.

تُجمع القيادات الإسرائيلية، يميناً ويساراً، على ضرورة استخدام العنف تجاه الفلسطينيين، وتنقسم حول كيفيّة استعمال هذا العنف إلى فئتين: أولى، الوسط واليسار الصهيوني، يُريد أن تحتكر الدولة العنف. الحديث، هنا، عن العنف الظاهر، مثل إطلاق النار على المتظاهرين على يد الجيش، أو قتل 2200 شخص في الحرب على غزة، وحرق 500 طفل. وتتفهّم هذه الفئة العنف ضد الفلسطينيين بحجّة "الأمن"، ويرتكز نقد "اليسار" الصهيوني على الإفراط في استخدام العنف، وعدم ملاءمته المعايير الدوليّة... إلخ. وبخصوص العنف المخفي؛ والقصد عنف الدولة المخبأ بقوانين وبأرقام,.. إلخ، تحاول إسرائيل تسويق "العنف المخفي" على أنّه ليس عنفاً، بالأساس، لكي لا يكون لك حق مقاومته، مثلاً، هل قرار للمحكمة العليا الإسرائيليّة بمصادرة أراضٍ بالضفة الغربية عنف أم لا؟ هل إغلاق الأبواب امام المزارعين بقرار منمّق عنف او لا؟ هل الاحتلال بذاته عنف أو لا؟ هل إعلان دولة على أرض ليست لك هي عنف أم لا؟ اذا أقنعتنا إسرائيل، وأقنعت العالم، بأن هذا ليس عنفاً، فبالضرورة لا نستطيع مقاومة هذا العنف، ويصبح عنف الاحتلال المخفي عنفاً شرعياً، ويصبح بالتالي العنف الذي يوجهه الواقع تحت الاحتلال، للرد عليه والتخلص منه، غير شرعي. ترى هذه الفئة أن عنف الدولة يمكن تسويقه للعالم.
فئة ثانية، هي اليمين الإسرائيلي (الليكود حتى البيت اليهودي)، تؤيّد، مثل اليسار والوسط الصهيونيين، استعمال عنف الدولة، وتؤيّد استعمال المستوطنين العنف. لكن هذه الفئة تؤيّد عنف الأفراد الذي لا يسبب حرجاً أمام العالم. مثلاً تؤيّد استيلاء المستوطنين على بيوت الفلسطينيين، ومنع الفلاحين الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم الزراعيّة، تؤيّد بوضوح قتل فلسطيني يلقي حجراً، على يد أفراد، ولو أنه لا يشكل خطراً آنياً. يؤمن اليمين الإسرائيلي بأهميّة استعمال القوّة تجاه الفلسطينيين، وأن الحل تجاههم هو مزيد من القوّة. يقول بعض قادة المستوطنين المتطرفين إنّهم نجحوا في إيجاد حالة خوف في القرى الفلسطينيّة، بعد أن كان المستوطنون عرضة لهجمات الفلسطينيين. ولكن اليمين يعارِض أحداثاً إرهابية، مثل التي حدثت في دوما، لأنّه لا يمكنه تفسيرها للعالم، فمثلاً لا توجد أي حجّة أمنية، يمكن أن تطرحها أمام العالم، فتستنكرها.
كما أن القيادة الإسرائيلية تهدف إلى إيجاد خطاب محلّي وعالمي معارض "عنف المليشيا"، أو "عنف الأفراد"، فهي تقول للعالم إنّ في المنطقة عنف أفراد فلسطينياً وعنف مليشيا فلسطينياً، ويقابله عنف أفراد إسرائيلي وعنف شبه-مليشيا إسرائيلي. وبالتالي، يُصبح كل النضال الفلسطيني عنفاً غير شرعي (وهو عنف موجّه للتخلص من العنف الأكبر المذكور أعلاه)، مثل عنف المستوطنين غير الشرعي، ويُصبح قادة إسرائيل حكاماً وقضاة عند طرفين عنيفين، الأوَل المقاومة بأشكالها المختلفة، والثاني فئة صغيرة متطرفة إسرائيليّة.
بالإضافة إلى محاولة إسرائيل الفصل بينها وبين إرهاب المستوطنين، لكي تمتص غضب الفلسطينيين والعالم، أو توجهه نحو هذه "الفئة الضالة"، تهدف إلى تقوية مفهوم أن إسرائيل دولة طبيعيّة، وفيها متطرفون هامشيّون منبوذون، مثل باقي الدول الغربيّة. ليست هذه أماني بعيدة لإسرائيل؛ إذ نشر شباب فلسطينيون وعرب رسالة ريفلين التي قال فيها عن الإرهابيين اليهود "طريقهم ليست طريقي. طريقهم ليست طريقنا. طريقهم ليست طريق دولة إسرائيل، ولا طريق الشعب اليهودي".

1F9720DF-B28D-4C1C-925E-47712776A352
وئام بلعوم

محامِ فلسطيني، طالب ماجستير في العلوم السياسية في جامعة حيفا.