لماذا استخدم الأسد السلاح الكيميائي؟
شاءت الأقدار أن أقضي معظم خدمتي العسكرية الإلزامية ضمن صفوف الحرس الجمهوري منتصف تسعينيات القرن الماضي، ولعل أهم ما أنتجته خبرات تلك المرحلة هو إيجاد أجوبة للسؤال الذي يطرحه مؤيدو الأسد حول أسباب استخدام الأسد للسلاح الكيميائي إذا كان يستطيع أن يقتل ويدمر بأسلحة أخرى ودون محاسبة؟ لذلك لا بد من إجابة منطقية بسيطة غير معقدة وبعيدة عن التحليلات السياسية والعسكرية ومتاهة التفاهمات الدولية والإقليمية!
جنوب دمشق، وعلى بعد عدة كيلومترات، وتحديداً ما بين مدينتي جديدة عرطوز وقطنا؛ منطقة صغيرة تدعى الناعورة، حيث مركز تجمع أغرار الحرس الجمهوري (الواصلين الجدد لتأدية الخدمة الإلزامية أو الطوعية)، هنالك حيث يجب أن تبقى وظيفة القلب ضخ الدم للجسم ليس إلا، فالعواطف والمشاعر تدفن على حاجز الباب الرئيسي للمعسكر، في ذاك المركز (المعسكر) وبالقرب من ساقية الماء الصغيرة الشديدة البرودة مكتب المساعد أبو فارس. لأبو فارس قصة يعلمها كل من خدم في الحرس الجمهوري، فأبو فارس المنحدر من إحدى قرى الساحل السوري يملك أمام باب مكتبه برميلا صغيرا مليئا بالماء المجمد أيام الشتاء، يستخدمه لتنفيذ العقوبات على عناصر المعسكر، كان من بين من عوقب في هذا البرميل فارس الابن البكر للمساعد المعروف، حيث لقي فارس حتفه في ذلك البرميل وعلى بعد مترين من سرير والده الدافئ.
عاد أبو فارس بعد مضي ثلاثة أيام (أيام تقديم واجب العزاء) قاطعا إجازته لمتابعة عمله وكأن شيئا لم يكن! خسر أبو فارس ابنه وربح مكتبه والبرميل والأهم ربح رضا القيادة السياسية والعسكرية، "كما كان يقول ويتباهى دائماً" فالأصل في مهام هذه البقعة الجغرافية هو تحويل الشخص إلى آلة قتل مجردة من المشاعر؛ أسمى أهدافها الحصول على رضا القيادة.
فارس أحد ضحايا ذاك المعسكر الكثر، فالقيادة الحكيمة كانت تسمح بقتل 13% من عناصر المركز تحت التدريب الجسدي أو العقائدي، والمقصود بالتدريب العقائدي أن يتم تحويلك إلى آلة قتل وعبد مقيد بأفكار القيادة الخالدة ونظرياتها وتطبيقها على أتم وجه، فإن كنت تؤمن بالله فالقائد الخالد هو مشيئة الله في الأرض وهو الملهم كما أي نبي ورسول، وإرضاؤه هو إرضاء لله وهو أوجب المقدسات، وليتم تحويلك إلى عبد أو حيوان مجنزر مرضي عنك؛ كما كانوا يقولون، تحتاج إلى التدريب المكثف لاجتياز العديد من الاختبارات الجسدية والنفسية ضمن برامج تضعها القيادة الحكيمة لهذا الغرض.
من بين هذه البرامج برنامج العقوبة اليومي؛ الذي كان ينضوي تحت برنامج التدريب العقائدي.. يستمر التدريب "التعذيب" من السابعة مساء الى الثانية عشر ليلاً؛ ورغم قساوة التدريب على الجسد لا يندرج ضمن التدريب الجسدي، وإنما هو حلقة أخرى من حلقات التدمير الذاتي لكل ما هو إنساني في داخلك، فجرعة الإهانة والإذلال التي تتلقاها يوميا كافية لتحولك الى عبد حاقد على كل شيء، إلا العائلة الملهمة والقيادة الحكيمة التي يجب عليك تمجيدها في كل خطوة وكل نفس تقوم به في المعسكر..
أذكر المرة الأولى التي رأيت فيها شخصا يقتل أمامي، فدماغه لم يكن يستجيب بالشكل المطلوب لبرنامج التحويل؛ "عندي أرنب.. عندي أرنب" جملة كررها المدرب غدير خضور منادياً مدربي المجموعات الأخرى، ليجتمع المدربون حول العسكري العاري والمبلل بالماء وهم يقهقهون ويتهامسون بكلمات غير مفهومة، بدأ خضور ينهال ضرباً بالسوط على جسد العسكري وهو يردد: "هون آفي أرانب.. هون في فدائيين.. أسود مجنزرة.. هون الأرنب بنضحيه.." كان خطأ العسكري أنه سها عن ترديد أحد الشعارات الخاصة بنظام العقوبة فكان "عبرة الدورة" (في كل دورة هناك يقتل شخص عمداً ليكون عبرة لغيره من المتساهلين مع ترديد الشعارات والتدريبات).. كان أول "قتيل" في دورة 74 ولم يكن الأخير، فقد قتل في تلك الدورة 12 شخصا لأسباب مختلفة؛ كلهم وكما كان يقول المدربون ضحوا بأنفسم في سبيل إعلاء كلمة القائد.. والوطن!، فالوطن بنظر مؤيدي الأسد يقتصر على قامة الرئيس الخالد.. ولم يكن عبثاً أبداً اختيار شبيحة الأسد "الأسد أو نحرق البلد" شعاراً دائماً لحملتهم ضد المدنيين.. فالبلد ليس له أي علاقة بالوطن "القائد الملهم" وإنما هو مجرد معسكر آخر أكبر حجماً من معسكر الناعورة يجري فيه ومنذ أكثر من أربعة عقود تدجين البشر وتحويلهم إلى قطيع يردد شعارات الوطن، وليس مستبعداً أبداً أن يتم حرق البلد بالكيميائي أو البراميل أو الفوسفور أو أي سلاح يمتلكه شبيحة الأسد في سبيل إعادة القطيع إلى حظيرة الوطن..
فالكيميائي كغيره من الأسلحة الواجب استخدامها حال السهو عن شعارت القيادة الحكيمة أو تحويلها أو تحريفها؛ وخاصة إذا تسلّم زمام الأمور شخص من مدرسة الحرس الجمهوري كحال العماد علي عبد الله أيوب وزير الدفاع الحالي، ففي أول استخدام للسلاح الكيميائي ضد المدنيين الثائرين في آب 2013 (ليكونوا عبرة لباقي المناطق) كان أيوب يشغل، ومنذ مدة قصيرة نسبياً، منصب رئيس هيئة أركان الجيش.
أيوب الذي شغل منصب قائد لواء 103 م/ د هو الصورة المكبرة للمدرب خضور وللمساعد أبو فارس وأمثالهم من الذين شربوا الذل من ثدي الأسد، فسوط خضور هو ذاته برميل أبي فارس وذاته كيميائي أيوب؛ يتم استخدامه حال الشرود أو السهو؛ فما بالك بالتمرد؟ وحين يكون شعار الثورة الأولي الأزلي "يلعن روحك يا حافظ"!؟
جنوب دمشق، وعلى بعد عدة كيلومترات، وتحديداً ما بين مدينتي جديدة عرطوز وقطنا؛ منطقة صغيرة تدعى الناعورة، حيث مركز تجمع أغرار الحرس الجمهوري (الواصلين الجدد لتأدية الخدمة الإلزامية أو الطوعية)، هنالك حيث يجب أن تبقى وظيفة القلب ضخ الدم للجسم ليس إلا، فالعواطف والمشاعر تدفن على حاجز الباب الرئيسي للمعسكر، في ذاك المركز (المعسكر) وبالقرب من ساقية الماء الصغيرة الشديدة البرودة مكتب المساعد أبو فارس. لأبو فارس قصة يعلمها كل من خدم في الحرس الجمهوري، فأبو فارس المنحدر من إحدى قرى الساحل السوري يملك أمام باب مكتبه برميلا صغيرا مليئا بالماء المجمد أيام الشتاء، يستخدمه لتنفيذ العقوبات على عناصر المعسكر، كان من بين من عوقب في هذا البرميل فارس الابن البكر للمساعد المعروف، حيث لقي فارس حتفه في ذلك البرميل وعلى بعد مترين من سرير والده الدافئ.
عاد أبو فارس بعد مضي ثلاثة أيام (أيام تقديم واجب العزاء) قاطعا إجازته لمتابعة عمله وكأن شيئا لم يكن! خسر أبو فارس ابنه وربح مكتبه والبرميل والأهم ربح رضا القيادة السياسية والعسكرية، "كما كان يقول ويتباهى دائماً" فالأصل في مهام هذه البقعة الجغرافية هو تحويل الشخص إلى آلة قتل مجردة من المشاعر؛ أسمى أهدافها الحصول على رضا القيادة.
فارس أحد ضحايا ذاك المعسكر الكثر، فالقيادة الحكيمة كانت تسمح بقتل 13% من عناصر المركز تحت التدريب الجسدي أو العقائدي، والمقصود بالتدريب العقائدي أن يتم تحويلك إلى آلة قتل وعبد مقيد بأفكار القيادة الخالدة ونظرياتها وتطبيقها على أتم وجه، فإن كنت تؤمن بالله فالقائد الخالد هو مشيئة الله في الأرض وهو الملهم كما أي نبي ورسول، وإرضاؤه هو إرضاء لله وهو أوجب المقدسات، وليتم تحويلك إلى عبد أو حيوان مجنزر مرضي عنك؛ كما كانوا يقولون، تحتاج إلى التدريب المكثف لاجتياز العديد من الاختبارات الجسدية والنفسية ضمن برامج تضعها القيادة الحكيمة لهذا الغرض.
من بين هذه البرامج برنامج العقوبة اليومي؛ الذي كان ينضوي تحت برنامج التدريب العقائدي.. يستمر التدريب "التعذيب" من السابعة مساء الى الثانية عشر ليلاً؛ ورغم قساوة التدريب على الجسد لا يندرج ضمن التدريب الجسدي، وإنما هو حلقة أخرى من حلقات التدمير الذاتي لكل ما هو إنساني في داخلك، فجرعة الإهانة والإذلال التي تتلقاها يوميا كافية لتحولك الى عبد حاقد على كل شيء، إلا العائلة الملهمة والقيادة الحكيمة التي يجب عليك تمجيدها في كل خطوة وكل نفس تقوم به في المعسكر..
أذكر المرة الأولى التي رأيت فيها شخصا يقتل أمامي، فدماغه لم يكن يستجيب بالشكل المطلوب لبرنامج التحويل؛ "عندي أرنب.. عندي أرنب" جملة كررها المدرب غدير خضور منادياً مدربي المجموعات الأخرى، ليجتمع المدربون حول العسكري العاري والمبلل بالماء وهم يقهقهون ويتهامسون بكلمات غير مفهومة، بدأ خضور ينهال ضرباً بالسوط على جسد العسكري وهو يردد: "هون آفي أرانب.. هون في فدائيين.. أسود مجنزرة.. هون الأرنب بنضحيه.." كان خطأ العسكري أنه سها عن ترديد أحد الشعارات الخاصة بنظام العقوبة فكان "عبرة الدورة" (في كل دورة هناك يقتل شخص عمداً ليكون عبرة لغيره من المتساهلين مع ترديد الشعارات والتدريبات).. كان أول "قتيل" في دورة 74 ولم يكن الأخير، فقد قتل في تلك الدورة 12 شخصا لأسباب مختلفة؛ كلهم وكما كان يقول المدربون ضحوا بأنفسم في سبيل إعلاء كلمة القائد.. والوطن!، فالوطن بنظر مؤيدي الأسد يقتصر على قامة الرئيس الخالد.. ولم يكن عبثاً أبداً اختيار شبيحة الأسد "الأسد أو نحرق البلد" شعاراً دائماً لحملتهم ضد المدنيين.. فالبلد ليس له أي علاقة بالوطن "القائد الملهم" وإنما هو مجرد معسكر آخر أكبر حجماً من معسكر الناعورة يجري فيه ومنذ أكثر من أربعة عقود تدجين البشر وتحويلهم إلى قطيع يردد شعارات الوطن، وليس مستبعداً أبداً أن يتم حرق البلد بالكيميائي أو البراميل أو الفوسفور أو أي سلاح يمتلكه شبيحة الأسد في سبيل إعادة القطيع إلى حظيرة الوطن..
فالكيميائي كغيره من الأسلحة الواجب استخدامها حال السهو عن شعارت القيادة الحكيمة أو تحويلها أو تحريفها؛ وخاصة إذا تسلّم زمام الأمور شخص من مدرسة الحرس الجمهوري كحال العماد علي عبد الله أيوب وزير الدفاع الحالي، ففي أول استخدام للسلاح الكيميائي ضد المدنيين الثائرين في آب 2013 (ليكونوا عبرة لباقي المناطق) كان أيوب يشغل، ومنذ مدة قصيرة نسبياً، منصب رئيس هيئة أركان الجيش.
أيوب الذي شغل منصب قائد لواء 103 م/ د هو الصورة المكبرة للمدرب خضور وللمساعد أبو فارس وأمثالهم من الذين شربوا الذل من ثدي الأسد، فسوط خضور هو ذاته برميل أبي فارس وذاته كيميائي أيوب؛ يتم استخدامه حال الشرود أو السهو؛ فما بالك بالتمرد؟ وحين يكون شعار الثورة الأولي الأزلي "يلعن روحك يا حافظ"!؟
فهل سيبقى عندكم أدنى شك باستخدام شبيحة الأسد ومؤيديه للسلاح الكيميائي إذا علمت أن فارس الذي قتله والده في برميل العقوبة؛ قتل لأنه أخطأ بترديد شعار يستخدم مع تدريبات النظام؟.. "بشار أنت الأمل.. باسل كنت المثل" فقد قال فارس سهواً: "بشار كنت المثل.. باسل أنت الأمل"!.