لماذا آمرلي؟
لماذا سرعّت الحكومة العراقية في بدء عملياتها العسكرية نحو ناحية آمرلي الصغيرة التي تتبع قضاء طوز خورماتو في محافظة صلاح الدين شمال العراق، وهي تحاصرها قوات "داعش" منذ أكثر من 80 يوماً، ويسكنها نحو 53 ألف نسمة كلهم من الشيعة التركمان. وهي أول مدينة شيعية بالكامل يقترب منها تنظيم "داعش" إلى هذا الحد، ولكم أن تتصوروا حجم المجزرة المنتظرة، لا سمح الله، إذا ما تمكن مسلحو التنظيم من دخول المدينة.
سبقت العملية العسكرية تعبئة إعلامية واسعة، لم تتجاوز، بالتأكيد، مواقع التواصل الاجتماعي، حاولت فيها الحكومة حشد أكبر قدر ممكن من المؤيدين لحماية سكان المدينة. في هذه الحملة، لم يُبذل جهد كثير، فالجمهور الشيعي حاضر لتأييد أية عملية عسكرية، تنال من تقدم تنظيم "داعش".
في الشارع، حشدت الأحزاب الشيعية مؤيديها، وبعد ساعات من بدء العملية، بدأت تنتشر صور عبر مواقع التواصل الاجتماعي لوزير النقل، هادي العامري، الذي يرأس، أيضاً، منظمة بدر، الجناح العسكري السابق للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية، وهو بالزي العسكري ويرتدي خوذة. وكانت صورته هذه مذيلة بخبر قصير، مفاده بأن العامري وأولاده في مقدمة قوات الحشد الشعبي التي دعا إلى تشكيها المرجع الشيعي، علي السيستاني. قرأ بعضهم نشر هذه الصورة في هذا التوقيت على أنه إعلان لبدء سباقٍ إلى نصر سيتغنى به الشيعة فترة طويلة، خصوصاً بعد إخفاق أي مليشيا شيعية في الثأر لـ 1700 مغدور في قاعدة سبايكر. وقد أدركت الأحزاب العراقية الشيعية خطورة الموقف، وسباقها مع الزمن لتخلص آمرلي من حصار مسلّحي "داعش". وأنقذت50 ألفاً من سكان المدينة من كارثة.
وقد سارعت تلك الأحزاب بتسويق هذا الانتصار في آمرلي على أنه انتصار لقوات الحشد الشعبي، على الرغم من أن تلك القوات لم تنجح، طوال الفترة الماضية، في الاقتراب من المدينة، وكانت أية محاولة للتسلل تواجه بحزم من مسلحي "داعش"، لكن ذلك لم يدم. صباح 31 من أغسطس/آب، دخلت مقاتلات أميركية على خط المواجهة في آمرلي، وشنت نحو عشرين غارة جوية، كانت كفيلة لتمهيد الطريق أمام قوات الحشد الشعبي، لكي تدخل المدينة بهدوء، ومن دون مواجهة تذكر. وربما كان التدخل العسكري الأميركي محسوباً في هذا التوقيت، لأن الأميركيين لم يعد من أولوياتهم تقديم "داعش" أمام الرأي العام الدولي، على أنه تنظيم إجرامي، فالآلة الإعلامية الغربية، وعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية، استطردت كثيراً في تفصيل الوجه الإجرامي لداعش. لكنهم، من دون شك حرصوا على عدم وقوع كارثة في آمرلي، شبيهة بالتي واجهها الأيزيديون في جبل سنجار، خصوصاً وأن إعلان الرئيس الأميركي باراك اوباما عن العمليات العسكرية الأميركية في العراق جاء انتصاراً للنائبة الأيزيدية، فيان دخيل، التي بكت أمام عدسات التصوير، وقالت من لنا ليحمينا، فكان جواب اوباما: نحن قادمون.
لم يكن من مصلحة إيران، أيضاَ، حدوث مجزرة كبيرة في آمرلي، تهز سلطانها في العراق، خصوصاً وأنها تعتبر نفسها وصية على الشيعة في العالم. وكانت الخارجية الإيرانية قد حذرت، في السادس والعشرين من أغسطس/آب الماضي، من كارثة إنسانية كبيرة في آمرلي، لكن التحذير، بالتأكيد، لن يكون كافياً لإيران، لتوقف زحف داعش نحو المدينة. ففي اليوم نفسه، كان وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، في أربيل يلتقي رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود برزاني، الذي أعلن عن تزويد طهران قوات البيشمركة بالسلاح، وهو ما كان ينادي به منذ بدء عناصر تنظيم داعش سيطرتها على الموصل.
الخوف الأميركي والإيراني من خطر مجزرة كانت محتملة في آمرلي تشوه سطوتهما الأمنية في العراق هو الذي أنقذ هذه المدينة، إذن. ولكن، ماذا لو داهم هذا الخطر مدينة شيعية أخرى؟! فالتدخل الامريكي سيعزز من دون شك المخاوف التي كانت تراود واشنطن، قبل إعلانها بدء العمليات مجدداً في العراق، بشأن استخدام سلاحها الجوي، من أجل حماية ميليشيات شيعية، لذلك، الخطوة الأخرى المنتظرة تكثيف الغارات الأميركية نحو الموصل مجدداً، ومساعدة القوات العراقية في استعادة مدنٍ سنية، من باب الحفاظ على التوازن، لا أكثر ولا أقل.