بعد ثلاثة عقود من التجربة، تخلت الصين عن سياسة الطفل الواحد. الهدف هو احتواء مخاطر شيخوخة المجتمع وتراجع إنتاجيته وتحفيز النمو. ومع ذلك، فالسلطة تتمسك بحقّها في تحديد النسل، ما يشير إلى استمرار التجربة
"تتطلب إدارة العائلة رقة بالغة تماماً كطهو سمكة صغيرة"، غالباً ما تسيطر مثل هذه التشبيهات المثالية على الأقوال المأثورة الصينية. غير أن الرقة والشفافية والتوازن المنبعث من الصراعات والمشاكل - وهي ليست نادرة أبداً في الخلايا الاجتماعية - تُصبح جميعها معطيات ثانوية على كرّاسات البحث الديموغرافي لصياغة معادلات التنمية. فهنا تُصاغ إدارة العائلات من وحي سياسات حديدية خالية من العواطف تصبو لتحفيز النمو انطلاقاً من تحديد النسل.
هذا تحديداً ما تعيشه الصين منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي حين قرّرت إدارة الرئيس دينغ زاوبينغ، الزعيم الذي جهّز لـ"عظمة" الصين في العولمة، أنّ حظر إنجاب أكثر من طفل واحد في كلّ عائلة، ضروري لضمان عدم "التهام النمو السكاني ثمار النمو الاقتصادي".
المعطيات الديموغرافية كانت مقلقة فعلاً حينها، فمعدّل الخصوبة فاق خمسة أطفال لكلّ امرأة في منتصف ذلك العقد. ولكي يحقّق مخطط الانفتاح الاقتصادي أهدافه، بمعنى ألا تذوب الثروة الجديدة المتولدة من التصنيع للعالم، في بحر "فائض الأطفال"، كان لا بدّ من السيطرة على الإنجاب.
أدت هذه السياسة إلى نتائج مباشرة - إنما مثيرة للجدل في الوقت نفسه- مع هبوط معدل الخصوبة تدريجياً واستقراره ما دون الطفلين منذ منتصف التسعينيات. وبالتوازي، شهدت البلاد خروج نحو نصف مليار إنسان من براثن الفقر وصعود البلاد إلى مراتب اقتصادية متقدمة.
هكذا ساهم العامل الديموغرافي، كما تهوى السلطات الصينية الجزم، في تحقيق نهضة الصين واستقرارها الاجتماعي القائم على توسع الطبقة الوسطى بالاعتماد على التصدير. لكن خلال السنوات القليلة الماضية بدأ يتضح أنّ مقاربة المسألة السكانية من منظور التقشّف لم تعد مقاربة مستدامة، وأنّ القلق الديموغرافي ما زال قائماً، إنّما للأسباب العكسية تماماً.
خلال العقدين الماضيين نما عديد القوى العاملة في هذا البلد بواقع 100 مليون عامل، غير أنّ هذا النمو بدأ يضعف على نحو ملحوظ، ومن المتوقع وفقاً للسيناريوهات الحالية أن يؤدي هذا النمط إلى ارتفاع نسبة المسنين إلى 20 في المائة بنهاية العقدين المقبلين، فيما هي عند نصف هذا المعدل حالياً. هذه توقعات سيئة لبلد يعدّ أكثر من 1.3 مليار نسمة إنما يبحث من دون كلل عن ابتكار آليات التوسع التنموي المستدام واستبدال ماكينة التصدير بالاستهلاك المحلي، لتأمين زخم للنمو المتباطئ.
جميع هذه المعطيات، كانت في خلفية قرار السلطات الصينية الأسبوع الماضي إلغاء سياسة الطفل الواحد، والسماح لكلّ عائلة بإنجاب طفلين.
فقد ذكرت "اللجنة الوطنية للتخطيط الصحي والعائلي" في البيان الخاص بتبرير القرار بعد اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الحاكم أنّ التخلي عن سياسة الطفل الواحد هدفه "زيادة قوة العمل وتخفيف الضغوط الناجمة عن ارتفاع معدل الأعمار". وأضافت أنّ القرار سيساهم في تحقيق نمو اقتصادي صحي ومستدام.
القرار الذي يُفترض أن يتبلور خلال الأشهر القليلة المقبلة بعد تنقيحه حكومياً ودراسته في المحافظات للتوصل إلى نماذج تلائم كل منطقة، يبدو مفاجئاً، إنما مسوغاته بدأت تظهر تدريجياً خلال السنوات الأخيرة.
فقبل عامين قدّمت السلطات تعديلات على القانون الحديدي، فسمحت للأزواج بأكثر من طفل واحد في حال كان أحد الزوجين طفلاً وحيداً (وقد كان السماح في السابق شرطه أن يكون الزوجان طفلين وحيدين). كما تسمح السلطات أساساً للعائلات التابعة لأقليات إثنية بأكثر من طفل.
اليوم تسعى السلطة المركزية بنحو حثيث لتجنب مصير يُشبه ما يُتوقع لليابان، وذلك عبر التمسك بحق التحكم بخصوبة كل عائلة، فمن يخالف قانون التوالد يُعاقب.
لكنّ المسألة الديموغرافية في الصين - أو الحالة الإنسانية إجمالاً- لا تنحصر في شقها الاقتصادي والتنموي فقط كما يروّج الحزب الشيوعي، وليست اختباراً اقتصادياً اجتماعياً يُحقّق نجاحات مستمرّة. فهناك تقديرات تفيد أنّ أكثر من 100 مليون فتاة أهملت، قتُلت أو أُجهضت في آسيا خلال العقود التي تبعت سياسة الطفل الواحد. وفي ظل الضغوط الاجتماعية لإنجاب ذكور، وبتوفّر التكنولوجيا لاستراق النظر على ما تكتزه الأرحام، تحول احترام القانون إلى سلوك جديد من وأد البنات عبر الإجهاض أو الإهمال.
في كلّ الأحوال ليس محسوماً بعد ما إذا كانت السياسة ستشكّل نجاحاً في مجال الإدارة الديموغرافية التي تهدف إلى النجاحات الاقتصادية. بعض المسؤولين التكنوقراط السابقين علّقوا على التغييرات بأنها جاءت متأخّرة ومن المستبعد أن تُعدّل جدياً المسارات الديموغرافية التي تسلكلها البلاد. برأي هؤلاء فإنّ التعديل، أو بالحدّ الأدنى تخفيف القيود، كان واجباً خلال الثمانينيات.
وفقاً لبيانات وحدة السكان في الأمم المتّحدة وتقديرات أُعدّت أخيراً من وحي القرار الجديد، فإنه، وبالرغم من تطبيق سياسة الطفلين، سيبدأ عدد سكان الصين بالتراجع بعد عام 2030: السيناريو الأكثر تفاؤلاً - أي أن معظم النساء سيُنجبن طفلين بدءاً من عام 2016 - يتوقع تعداداً عند 1.429 مليار نسمة بحلول 2050 مع وصول التوسع السكاني إلى قمته عام 2034. السيناريو المعتدل يرصد القمة في عام 2030 وعدد السكان عند 1.369 مليار. أما لو استمرّت سياسة الطفل الواحد المعتمدة لكان عدد السكان بعد ثلاثة عقود ونصف العقد عند 1.346 مليار مع تحقيق قمّة في التوسع السكاني في عام 2029.
بنظر المراقب العادي قد تكون الفروقات بسيطة، إنما هي أساسية لقياس معدلات الإنتاجية والتنافسية والقدرة على فرض النفوذ الإقليمي والعالمي. كذلك قد يفترض المراقب نفسه سهولة أن تعتمد السلطات تعديلات بقدر ما تشاء على قانون تحديد النسل، بهدف التوصّل إلى النتائج المرجوّة. لكن حتّى هذه المقاربة الكمية تعاني أساساً من الخلل. إذ هناك تساؤلات كثيرة حول معدل النجاح الذي حققته أساساً السياسة السابقة. وفقاً لبعض النقاد فإنّ مزاعم السلطات الصينية أنّ سياسة الطفل الواحد جنّبت البلاد 400 مليون ولادة جديدة، غير دقيقة. برأيهم فإنّ التراجع الأكبر في معدل الخصوبة تحقق قبل بدء تطبيق السياسة المثيرة للجدل في نهاية السبعينيات، وأنّ التراجع في السنوات اللاحقة يعود بمعظمه إلى رغبة الأزواج، في المدن تحديداً، بالاكتفاء بطفل واحد وذلك مع زيادة اهتمامهم بمسيراتهم المهنية ونجاحاتهم المادية.
هكذا تتحوّل محاولات السلطات الصينية لتحقيق القفزات الاجتماعية الاقتصادية - عبر التعجيل في خلق الطبقة الوسطى - إلى تدابير دكتاتورية مصطنعة تُنتج بموجبها فئران اختبار وليس أطفالاً.
هذا التلاعب الديموغرافي مخيف. فهو يعني أساساً أنّ كلّ شيء مباح على مذبح النمو الاقتصادي. فالمحافظة على المعدلات المقبولة تعني اعتماد سياسات وتدابير تذهب إلى حدّ التطرّف. ويُشار هنا إلى أنّ خطوة السلطات تعدّ جهداً إضافياً من إدارة الرئيس زي جينبنغ، لإحداث حركة إيجابية في لوحة الأخبار السيئة نسبياً التي تسيطر على الاقتصاد الصيني وأفقه. فأخيراً، سجّل الاقتصاد أضعف معدّل نموّ اقتصادي منذ الأزمة الاقتصادية قبل ستة أعوام.
وقد أدّت المعلومات المتعاظمة عن تباطؤ وضعف الاقتصاد الصيني، وهو ثاني أكبر اقتصاد بعد الأميركي، إلى تململ في الأسواق وفي حركة الرساميل. وكانت آخر مآثر السلطات الصينية لتحفيز الاقتصاد، وهي التلاعب المباشر بالسوق المالية في الصيف الماضي، ذات دلالة خاصة عن حاجة البلاد لحقن جديدة من التحفيز الاقتصادي، بعدما اتضح حجم الضعف في مجالي الصناعات التصديرية وبناء المساكن.
من هذا المنظور تكون تجربة السياسة العامة الصينية - ومنها الاجتهادات الديموغرافية - برمتها مأساةً ليس مفهوماً حجم تداعياتها الاجتماعية الحزينة. حزنٌ تحدّث عنه ليو تولستوي في روايته المثالية، "آنا كارينينا": "كلّ العائلات السعيدة متشابهة، لكن كلّ عائلة حزينة، حزينة بطريقتها الخاصة". فمن الصعب أن تنتهي أحزان العائلات الصينية بنهاية سياسة الطفل الواحد، لكن هل تتجنب البلاد أحزاناً أصعب في المستقبل؟
إقرأ أيضاً: "الطفل الواحد" يفسد الصينيين
"تتطلب إدارة العائلة رقة بالغة تماماً كطهو سمكة صغيرة"، غالباً ما تسيطر مثل هذه التشبيهات المثالية على الأقوال المأثورة الصينية. غير أن الرقة والشفافية والتوازن المنبعث من الصراعات والمشاكل - وهي ليست نادرة أبداً في الخلايا الاجتماعية - تُصبح جميعها معطيات ثانوية على كرّاسات البحث الديموغرافي لصياغة معادلات التنمية. فهنا تُصاغ إدارة العائلات من وحي سياسات حديدية خالية من العواطف تصبو لتحفيز النمو انطلاقاً من تحديد النسل.
هذا تحديداً ما تعيشه الصين منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي حين قرّرت إدارة الرئيس دينغ زاوبينغ، الزعيم الذي جهّز لـ"عظمة" الصين في العولمة، أنّ حظر إنجاب أكثر من طفل واحد في كلّ عائلة، ضروري لضمان عدم "التهام النمو السكاني ثمار النمو الاقتصادي".
المعطيات الديموغرافية كانت مقلقة فعلاً حينها، فمعدّل الخصوبة فاق خمسة أطفال لكلّ امرأة في منتصف ذلك العقد. ولكي يحقّق مخطط الانفتاح الاقتصادي أهدافه، بمعنى ألا تذوب الثروة الجديدة المتولدة من التصنيع للعالم، في بحر "فائض الأطفال"، كان لا بدّ من السيطرة على الإنجاب.
أدت هذه السياسة إلى نتائج مباشرة - إنما مثيرة للجدل في الوقت نفسه- مع هبوط معدل الخصوبة تدريجياً واستقراره ما دون الطفلين منذ منتصف التسعينيات. وبالتوازي، شهدت البلاد خروج نحو نصف مليار إنسان من براثن الفقر وصعود البلاد إلى مراتب اقتصادية متقدمة.
هكذا ساهم العامل الديموغرافي، كما تهوى السلطات الصينية الجزم، في تحقيق نهضة الصين واستقرارها الاجتماعي القائم على توسع الطبقة الوسطى بالاعتماد على التصدير. لكن خلال السنوات القليلة الماضية بدأ يتضح أنّ مقاربة المسألة السكانية من منظور التقشّف لم تعد مقاربة مستدامة، وأنّ القلق الديموغرافي ما زال قائماً، إنّما للأسباب العكسية تماماً.
خلال العقدين الماضيين نما عديد القوى العاملة في هذا البلد بواقع 100 مليون عامل، غير أنّ هذا النمو بدأ يضعف على نحو ملحوظ، ومن المتوقع وفقاً للسيناريوهات الحالية أن يؤدي هذا النمط إلى ارتفاع نسبة المسنين إلى 20 في المائة بنهاية العقدين المقبلين، فيما هي عند نصف هذا المعدل حالياً. هذه توقعات سيئة لبلد يعدّ أكثر من 1.3 مليار نسمة إنما يبحث من دون كلل عن ابتكار آليات التوسع التنموي المستدام واستبدال ماكينة التصدير بالاستهلاك المحلي، لتأمين زخم للنمو المتباطئ.
جميع هذه المعطيات، كانت في خلفية قرار السلطات الصينية الأسبوع الماضي إلغاء سياسة الطفل الواحد، والسماح لكلّ عائلة بإنجاب طفلين.
فقد ذكرت "اللجنة الوطنية للتخطيط الصحي والعائلي" في البيان الخاص بتبرير القرار بعد اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الحاكم أنّ التخلي عن سياسة الطفل الواحد هدفه "زيادة قوة العمل وتخفيف الضغوط الناجمة عن ارتفاع معدل الأعمار". وأضافت أنّ القرار سيساهم في تحقيق نمو اقتصادي صحي ومستدام.
القرار الذي يُفترض أن يتبلور خلال الأشهر القليلة المقبلة بعد تنقيحه حكومياً ودراسته في المحافظات للتوصل إلى نماذج تلائم كل منطقة، يبدو مفاجئاً، إنما مسوغاته بدأت تظهر تدريجياً خلال السنوات الأخيرة.
فقبل عامين قدّمت السلطات تعديلات على القانون الحديدي، فسمحت للأزواج بأكثر من طفل واحد في حال كان أحد الزوجين طفلاً وحيداً (وقد كان السماح في السابق شرطه أن يكون الزوجان طفلين وحيدين). كما تسمح السلطات أساساً للعائلات التابعة لأقليات إثنية بأكثر من طفل.
اليوم تسعى السلطة المركزية بنحو حثيث لتجنب مصير يُشبه ما يُتوقع لليابان، وذلك عبر التمسك بحق التحكم بخصوبة كل عائلة، فمن يخالف قانون التوالد يُعاقب.
لكنّ المسألة الديموغرافية في الصين - أو الحالة الإنسانية إجمالاً- لا تنحصر في شقها الاقتصادي والتنموي فقط كما يروّج الحزب الشيوعي، وليست اختباراً اقتصادياً اجتماعياً يُحقّق نجاحات مستمرّة. فهناك تقديرات تفيد أنّ أكثر من 100 مليون فتاة أهملت، قتُلت أو أُجهضت في آسيا خلال العقود التي تبعت سياسة الطفل الواحد. وفي ظل الضغوط الاجتماعية لإنجاب ذكور، وبتوفّر التكنولوجيا لاستراق النظر على ما تكتزه الأرحام، تحول احترام القانون إلى سلوك جديد من وأد البنات عبر الإجهاض أو الإهمال.
في كلّ الأحوال ليس محسوماً بعد ما إذا كانت السياسة ستشكّل نجاحاً في مجال الإدارة الديموغرافية التي تهدف إلى النجاحات الاقتصادية. بعض المسؤولين التكنوقراط السابقين علّقوا على التغييرات بأنها جاءت متأخّرة ومن المستبعد أن تُعدّل جدياً المسارات الديموغرافية التي تسلكلها البلاد. برأي هؤلاء فإنّ التعديل، أو بالحدّ الأدنى تخفيف القيود، كان واجباً خلال الثمانينيات.
وفقاً لبيانات وحدة السكان في الأمم المتّحدة وتقديرات أُعدّت أخيراً من وحي القرار الجديد، فإنه، وبالرغم من تطبيق سياسة الطفلين، سيبدأ عدد سكان الصين بالتراجع بعد عام 2030: السيناريو الأكثر تفاؤلاً - أي أن معظم النساء سيُنجبن طفلين بدءاً من عام 2016 - يتوقع تعداداً عند 1.429 مليار نسمة بحلول 2050 مع وصول التوسع السكاني إلى قمته عام 2034. السيناريو المعتدل يرصد القمة في عام 2030 وعدد السكان عند 1.369 مليار. أما لو استمرّت سياسة الطفل الواحد المعتمدة لكان عدد السكان بعد ثلاثة عقود ونصف العقد عند 1.346 مليار مع تحقيق قمّة في التوسع السكاني في عام 2029.
بنظر المراقب العادي قد تكون الفروقات بسيطة، إنما هي أساسية لقياس معدلات الإنتاجية والتنافسية والقدرة على فرض النفوذ الإقليمي والعالمي. كذلك قد يفترض المراقب نفسه سهولة أن تعتمد السلطات تعديلات بقدر ما تشاء على قانون تحديد النسل، بهدف التوصّل إلى النتائج المرجوّة. لكن حتّى هذه المقاربة الكمية تعاني أساساً من الخلل. إذ هناك تساؤلات كثيرة حول معدل النجاح الذي حققته أساساً السياسة السابقة. وفقاً لبعض النقاد فإنّ مزاعم السلطات الصينية أنّ سياسة الطفل الواحد جنّبت البلاد 400 مليون ولادة جديدة، غير دقيقة. برأيهم فإنّ التراجع الأكبر في معدل الخصوبة تحقق قبل بدء تطبيق السياسة المثيرة للجدل في نهاية السبعينيات، وأنّ التراجع في السنوات اللاحقة يعود بمعظمه إلى رغبة الأزواج، في المدن تحديداً، بالاكتفاء بطفل واحد وذلك مع زيادة اهتمامهم بمسيراتهم المهنية ونجاحاتهم المادية.
هكذا تتحوّل محاولات السلطات الصينية لتحقيق القفزات الاجتماعية الاقتصادية - عبر التعجيل في خلق الطبقة الوسطى - إلى تدابير دكتاتورية مصطنعة تُنتج بموجبها فئران اختبار وليس أطفالاً.
هذا التلاعب الديموغرافي مخيف. فهو يعني أساساً أنّ كلّ شيء مباح على مذبح النمو الاقتصادي. فالمحافظة على المعدلات المقبولة تعني اعتماد سياسات وتدابير تذهب إلى حدّ التطرّف. ويُشار هنا إلى أنّ خطوة السلطات تعدّ جهداً إضافياً من إدارة الرئيس زي جينبنغ، لإحداث حركة إيجابية في لوحة الأخبار السيئة نسبياً التي تسيطر على الاقتصاد الصيني وأفقه. فأخيراً، سجّل الاقتصاد أضعف معدّل نموّ اقتصادي منذ الأزمة الاقتصادية قبل ستة أعوام.
وقد أدّت المعلومات المتعاظمة عن تباطؤ وضعف الاقتصاد الصيني، وهو ثاني أكبر اقتصاد بعد الأميركي، إلى تململ في الأسواق وفي حركة الرساميل. وكانت آخر مآثر السلطات الصينية لتحفيز الاقتصاد، وهي التلاعب المباشر بالسوق المالية في الصيف الماضي، ذات دلالة خاصة عن حاجة البلاد لحقن جديدة من التحفيز الاقتصادي، بعدما اتضح حجم الضعف في مجالي الصناعات التصديرية وبناء المساكن.
من هذا المنظور تكون تجربة السياسة العامة الصينية - ومنها الاجتهادات الديموغرافية - برمتها مأساةً ليس مفهوماً حجم تداعياتها الاجتماعية الحزينة. حزنٌ تحدّث عنه ليو تولستوي في روايته المثالية، "آنا كارينينا": "كلّ العائلات السعيدة متشابهة، لكن كلّ عائلة حزينة، حزينة بطريقتها الخاصة". فمن الصعب أن تنتهي أحزان العائلات الصينية بنهاية سياسة الطفل الواحد، لكن هل تتجنب البلاد أحزاناً أصعب في المستقبل؟
إقرأ أيضاً: "الطفل الواحد" يفسد الصينيين