للتفكير خارج صندوق "أوسلو"

15 مارس 2019
+ الخط -
بصفاقةٍ فاجرة، وبلا حياء أو خجل، يجاهر رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بعنصريةٍ، بأن "دولة إسرائيل ليست دولة قومية لجميع مواطنيها، وبموجب قانون القومية هي الدولة القومية للشعب اليهودي، وله فقط". هذه التصريحات التي وصفتها صحيفة الغارديان البريطانية بأنها "مخزية"، تنضح بما في إناء اليمين الإسرائيلي من عنصريةٍ تجاه أكثر من مليون ونصف المليون من العرب المسلمين والمسيحيين، ممن يعيشون داخل الخط الأخضر. ولا يمكن اعتبار تصريحات نتنياهو مجرّد صراخٍ وسط ضجيج الانتخابات، بل هي ضربةٌ استباقيةٌ يوجهها نتنياهو لأصوات عربية وإسرائيلية، تدعو إلى حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، عبر ما يُعرف بـ "حل الدولة الديمقراطية الواحدة" في كلّ فلسطين التاريخيّة، لا سيما أن الحلول الأخرى فشلت جميعاً، وجديدها "حل الدولتين" الذي حفر نتنياهو قبره بالاستيطان والتهويد، ودفنته إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بقرارات نقل سفارة واشنطن إلى القدس بعد الاعتراف بها عاصمة لدولة إسرائيل. وأخيراً إسقاط صفة "المحتل" عن الأراضي العربية المحتلة، بما فيها الضفة الغربية وقطاع غزة وهضبة الجولان. 
ليس حل الدولة الواحدة بدعة جديدة، فقد طُرح في برنامج منظمة التحرير الفلسطينيّة لعام 1968، ونص البيان الختامي للدورة الخامسة للمجلس الوطني الفلسطيني في دمشق عام 1969 على حل "الدولة الديمقراطية العلمانية"، غير أنه تراجع لصالح مشاريع بدأت مع تبنّي منظمة التحرير "برنامج النقاط العشر" عام 1974، ثم تورّط القيادة الفلسطينيّة في مفاوضاتٍ مع إسرائيل على أمل أن تُفضي تلك المفاوضات إلى "دولةٍ فلسطينيّةٍ مستقلّة" في الأراضي المحتلة عام 1967. وفي مواجهة قانون القومية اليهودية، وميل المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين المتطرّف، تبدو فكرة الدولة الديمقراطيّة الواحدة في كلّ فلسطين التاريخيّة الخيار الوحيد المُتاح لحل الصراع، وتحقيق العدالة والسلام الدائم عبر تفكيك نظام الأبارتهايد الاستعماري، وإقامة نظامٍ سياسيّ مبنيٍّ على المساواة الكاملة في الحقوق، وعلى التطبيق الكامل لحقّ العودة، من خلال وضع آليّة ترفع الظلم الذي لحق الشعب الفلسطيني، نتيجة المشروع الصهيوني.
ليس خافياً أن نشطاء فلسطينيّين وإسرائيليّين يسابقون مشاريع بنيامين نتنياهو، وما يمثله من يمينٍ عنصري متطرّف، بإحياء فكرة الدولة الواحدة، لتوطيد هذا الحلّ في الوعي العام، وحشد التأييد له بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين، ودعمه من مناصري الحريّة والعدالة في العالم. وفي مقابل "دولة" نتنياهو العنصرية، الخاصة باليهود، دون غيرهم من سكان الدولة، يدعو مؤسسو "حملة الديمقراطية الواحدة في فلسطين" إلى دولةٍ ديمقراطيّةٍ جامعة، ترتكز على العدالة والمساواة، وتضمن سلاماً حقيقياً في كلّ فلسطين التاريخيّة. دولة ديمقراطية - دستورية واحدة لكل مواطنيها، بمن فيهم اللاجئون الفلسطينيون، بحيث يتمتع جميع المواطنين بحقوقٍ متساوية. دولة تنبع سلطة الحكم فيها من إرادة الشعب، يتساوى جميع مواطنيها في الانتخاب والترشّح لأي منصب، والمساهمة في حكم البلاد، مع رفض أي قوانين أو مؤسسات أو ممارسات تجيز التمييز بين مواطني الدولة.
في ظل انسداد الأفق لأي حلٍّ سياسيٍّ آخر، لا تبدو فكرة الدولة الواحدة الخيار الأمثل المُتاح في مواجهة مشاريع اليمين الإسرائيلي، وحسب، بل هي الرد الرادع لمشاريع اليمين الصهيوني المُهيمن في الإدارة الأميركية. كما تبدو الفكرة الأكثر قابليةً للحياة بعد القضاء العملي على حل الدولتين، والفكرة الأقدر على حشد دعم القوى الديمقراطية والتقدمية التي تناضل من أجل نظام عالميٍّ أكثر عدلاً ومساواة وإنسانية، خالٍ من العنصرية والاضطهاد.
قد لا يرى بعضهم في "حل الدولة الديمقراطية الواحدة" خياراً مثالياً، ولكن آخرين يرونه الأكثر واقعيةً بعد 25 سنة من عبثية اتفاقيات أوسلو وأوهامها، وقد يُفضي، إذا ما تم حشد العالم الحر من خلفه إلى كيان سياسي يحافظ على الوجود الفلسطيني في أرضه، ويضع نهايةً لنظام عنصري استعماري، ويعيد الجغرافيا الفلسطينية إلى زمن ما قبل الاحتلال، حيث كانت تتعايش الديانات الثلاث بكل سلام ومحبة في أرضٍ خاليةٍ من الجدران الإسمنتية، والحواجز العنصرية.
AE03ED80-FBD8-4FF6-84BD-F58B9F6BBC73
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.