وبعيداً من التوافق المعلن في الندوة الصحافية التي أعقبت لقاء الزعيمين، حيال توصيف الحالة الصعبة التي تعيشها أوروبا بسبب الكمّ الهائل من المهاجرين الذين يواصلون تدفقهم، والصعوبة الاستثنائية التي يعيشها كل من اليونان وإيطاليا، بلدي الاستقبال المباشرين، ورغم إقرارهما بأن معاهدة "دبلن" لم تعد صالحة، وأثبتت محدودية تأثيرها. إلا أن اللقاء لم يخرج بأي اتفاق، عدا الرغبة في حصول توافق أوروبي على التصدي المشترك لظاهرة الهجرة.
وحرص إيمانويل ماكرون على ألا يُحرِج ضيفه، مبدياً تفهمه الصعوبات الجمّة التي تعاني منها إيطاليا منذ 2015، معترفا بأن "التضامن" الأوروبي مع إيطاليا، لم يكن مُرْضياً.
وكعادته، كرر الرئيس ماكرون مقولة رئيس الحكومة الفرنسي الاشتراكي الراحل، ميشيل روكار، الشهيرة عن استحالة استقبال أوروبا بؤس العالم. ثم دافع عن موقف بلاده تجاه المهاجرين واللاجئين، الذي لقي انتقاداً من منظمات حقوقية وإغاثية وإنسانية وأحزاب سياسية ومواطنين، الذين اعتبروه مخيباً. وأشار إلى أن فرنسا استقبلت 26 ألف طلب لجوء منذ بداية عام 2018، مقابل 18 ألف طلب لجوء في إيطاليا.
وفي لفتة لإرضاء الجار الإيطالي، وافق ماكرون على موقف الزعيم الإيطالي، الذي يرى أن الحلول الناجعة لمواجهة أزمة الهجرة يجب أن تبدأ في الدول التي ينطلق منها هؤلاء المهاجرون، أي الدول الأفريقية ودول الساحل والصحراء، ثم دول العبور، أي ليبيا وبدرجات أقل تونس والمغرب.
وقال إن الأمر يتطلب "جواباً أوروبياً قوياً، وحماية أكبر للحدود الخارجية وتعزيز وسائل فرونتيكس، والوصول إلى توافق بشأن أنظمة اللجوء في دول الاتحاد الأوروبي". وذهب الجانبان الإيطالي والفرنسي إلى أبعد من ذلك، وتوافقا على الرغبة في "إنشاء مراكز أوروبية في بلدان الهجرة الأصلية وبلدان العبور".
ولكن على الرغم من أن هذا اللقاء بين الجارين الأوروبيين الكبيرين استطاع تجاوز هذه الأزمة الصغيرة، إلا أنه لم يعالج الأمر نهائياً، خصوصاً في حالة تكرار وصول سفن أخرى تقل مهاجرين. لذلك، أصرّ ماكرون على تكرار ما قاله أعضاء في حكومته إن فرنسا "ستحترم دائما القانون الإنساني الدولي، وهو ما يعني أنه حين يلج قارب مياهنا سنتكفل به"، على عكس ضيفه الإيطالي الذي لم يقدم أي تنازل، مؤكداً أن "إيطاليا لم تعد تستطيع أن تفعل أكثر مما فعلت".
ولا يبدو أن الزعيم الإيطالي، الذي يحتمي برأي عام إيطالي داعم للتشدد تجاه المهاجرين، وبرأي عام ألماني رافض أيضا تنازلات ميركل السابقة، سيلطّف من مواقفه يوم الإثنين المقبل أمام المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، التي كشفت لها الانتخابات الأخيرة، أن كثُرا من الناخبين عاقبوها على مواقفها تجاه اللاجئين.
التشدد تجاه المهاجرين هو سيد الموقف في أوروبا، والرئيس ماكرون ليس استثناءً، وبعد تأييده مشروع قانون "اللجوء والهجرة"، الذي انتقدته منظمات حقوقية وطبية وإغاثية فرنسية ودولية بسبب تشدده، كرر أمام ضيفه الإيطالي، تمييزه بين طالبي اللجوء والمهاجرين الاقتصاديين الذين، يجب ترحيلهم إلى بلدانهم. ما يفسّر التشدد الفرنسي الحالي في منح اللجوء وفي إصدار أحكام بترحيل الآلاف من المهاجرين السريين.
وإذا كان الساسة الأوروبيون يستحضرون في قراراتهم المتشددة من المهاجرين واللاجئين، مواقف غالبية مواطنيهم الرافضة وصول المزيد من هؤلاء الأجانب، كما تفعل المجر وتشيكيا وبولونيا وإيطاليا، وبدرجة أقل ألمانيا وفرنسا. إلا أن حركات مواطنيّة تجترح مبادرات ومواقف لاستقبال الغرباء وإبراز أشكال التضامن معهم، ونتجت منها محاكمة العديد ممن استقبلوا وساعدوا مهاجرين سريين، مثل سيدريك هيرّو (روبن هود الفرنسي).
وفي هذا الصدد، صرّحت كريستيان توبيرا، وزيرة العدل السابقة في حكومة فرانسوا هولاند، في لقاء مع صحيفة "لوسوار" البلجيكية، اليوم السبت: "إن المواطنين الأوروبيين هم من ينقذ شرف أوروبا". وأضافت: "يوجد مواطنون يَستَقبلون مهاجرين، ويجدون أنفسهم أمام محاكم لهذا السبب. في فترةٍ ما، كانت السيدة ميركل هي شرفُ أوروبا، وقالت ما كان يتعين على زعمائنا أن يقولوه في تلك الفترة للمهاجرين: أهلا بكم، سوف ننظم أنفسنا من أجل تأمين استقبال إنساني وشريف".
وتابعت توبيرا: "لكن خارج هذا الكلام، لم نسمع على المستويات الرسمية الأوروبية سوى كلام الريبة". وختمت: "إن المواطنين الأوروبيين، في مختلف البلدان، بمن فيها المجر، هم الذين فتحوا أبوابهم حين أغلقت حكوماتُهُم الحدود، وشيدت أسلاكا شائكة، وتبنت قوانين تسمح للشرطة بإطلاق النار باتجاههم".