أثارت لقاءات الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي الأخيرة برؤساء أحزاب سياسية، تساؤلات كثيرة حول أهدافها والرسائل التي حملتها.
وإن كان الجانب الجلي منها يتعلق بممارسة السبسي لدور الجامع للقوى السياسية والاجتماعية تفادياً لأزمات مقبلة، أبرزها الإضراب العام المقرر في السابع عشر من هذا الشهر، فإن جوانب أخرى بدت مرتبطة بدعم "نداء تونس" من أجل استعادة حجمه خلال الفترة المقبلة وإجهاض المشروع السياسي لرئيس الحكومة يوسف الشاهد.
والتقى السبسي أمس رئيس حركة "النهضة" راشد الغنوشي، فيما جمعته لقاءات أخرى في أكثر من مناسبة بمحسن مرزوق أمين عام حركة "مشروع تونس"، إضافة إلى لقائه بأمين عام "الاتحاد العام التونسي للشغل" نور الدين الطبوبي.
وتأتي هذه اللقاءات بالتزامن مع تعسر الوصول إلى اتفاقات بين رئيس الحكومة ومنظمة العمال، واستعداد الشاهد لتأسيس حزبه رسمياً في غضون أسابيع، بتحالف مع "مشروع تونس" ودعم من "النهضة"، ما قد يجهز على "نداء تونس"، الحزب الذي أسسه الباجي قائد السبسي، ويسعى لأن يظل رقماً صعباً في الصورة.
وأكدت مصادر لـ"العربي الجديد" أن اللقاء جاء في إطار عام، وهو التداول في استمرار الأزمة السياسية، بيد أنه حمل أيضاً دعوة "المشروع" إلى التريث قبل المضي في التحالف مع حزب الشاهد، الذي سيرى النور قريباً، ودعم القوى الوسطية في البلاد من أجل توازن سياسي عبر العودة إلى صف "نداء تونس" باعتباره الأكثر قدرة على حفظ هذا التوازن.
ولم ينفِ المتحدث باسم كتلة النداء، فيصل خليفة، في حديثه لـ"العربي الجديد"، ذلك، إذ أوضح أن "رئيس الجمهورية أراد إبلاغ رسالة بأنه الحَكَم في كل الأزمات وله الكلمة الفصل، ولا يمكن للشاهد الخروج منها بمفرده، لذلك تدخل بينه وبين الاتحاد العام التونسي للشغل لتفادي الإضراب".
ولفت خليفة إلى أنه "للرئيس السبسي رؤية وتقييم خاص للأزمة لا يلتقي ورؤية الشاهد، وهو ما جعله يلتقي الشخصيات السياسية في اجتماعات ثنائية لإبلاغهم بها ولإثبات مكانته في الساحة، رداً على عدم الرجوع إليه واستشارته من قبل الشاهد في أكثر من مسألة".
وعلاوة عن ذلك، التقى الرئيس التونسي محسن مرزوق في أكثر من مناسبة، وذلك في إطار مساع لإقناعه بالاصطفاف إلى جانب "نداء تونس" الذي يعد مؤتمره الانتخابي.
وبحسب خليفة فإن السبسي "يريد توحيد وتصحيح المسار، فالمشروع ولد من رحم النداء ومن الوارد إعادته إليه لتوحيد العائلة الوسطية".
وأبرز القيادي في "النداء" أن اجتماع السبسي برئيس "حركة النهضة" أمس يأتي في سياق استمالة الغنوشي لرئيس الجمهورية وإثنائه عن موقفه الغاضب منها "لأنها نكثت التزاماتها معه في إطار اتفاق قرطاج، ما دفعه لإنهاء حقبة التوافق".
ويعود هذا الطلب، وفق المتحدث ذاته، إلى أن "النهضة" راغبة في استرجاع علاقتها بـ"نداء تونس" الذي عملت على تشتيته والتقسيم بين مكوناته، إلى درجة إيهام البعض بإمكانية تأسيسهم لحزب يضاهي النداء، نظراً لأنها عاجزة عن الحكم بمفردها، وعلى يقين أن تواجدها مرتبط بوجود خصم قوي لها".
وترى "النهضة"، في هذا السياق، أن دعمها للشاهد كرئيس حكومة لا يعني دعمها لمشروعه السياسي ومقاطعة "النداء" ومؤسسه، بل هما مسألتان متوازيتان.
بدوره، علّق المتحدث الرسمي باسم "النهضة" عماد الخميري لـ"العربي الجديد" بأن سلسلة اللقاءات التي أجراها رئيس الحركة ورئيس الجمهورية موضوعها الحوار حول الوضع الصعب الذي تمر به البلاد سياسياً واجتماعياً، و"دور السبسي في تقريب وجهات النظر بين الاتحاد والحكومة".
واعتبر هذه الخطوة في صميم دور الرئيس الدستوري، مبيناً أن "الحركة أكدت في أكثر مناسبة أنها تقدر لرئيس الجمهورية دوره في تأمين الانتقال الديمقراطي وتأمل أن يبذل مجهوداته لاستكمال المحطات المقبلة، ولذلك تحافظ على علاقة إيجابية به، وعلى حوار مستمر مع شركائها في "نداء تونس" وغيره من الأحزاب ومكونات الساحة".
وقال الخميري إن "النهضة" ما زالت مستمرة على نهج التوافق، وتعتبر أنه بقدر دعمها للاستقرار الحكومي ودعمها لرئيس الحكومة، فإنها "تستنكر المحاولات التي يبذلها البعض من أجل قطيعة تامة بين "النهضة" و"النداء"، وبين الغنوشي وقائد السبسي، متجاهلين أن قدر هذه الأطراف هو الحوار المشترك".
في المقابل، تقرأ المعارضة السياسية هذه اللقاءات في سياق مغاير، وعلى أنها "صفقة سياسية ستطيح بالشاهد"، وترى أن النهضة "رتبت أوراقها على ضوء ممارسات الشاهد وتحركاته، وانتهت إلى أن تدعم بقاءه مؤقتاً على رأس الحكومة، وتحجيم مشروعه السياسي قبل فوات الأوان".
وكشف أمين عام حزب "التيار الديمقراطي" غازي الشواشي، لـ"العربي الجديد" في هذا الصدد، أن "القطيعة بين قائد السبسي والنهضة كانت لها انعكاساتها في أكثر من مجال، بما فيها تعسر البرلمان في المصادقة على المشاريع، لذلك انطلقت وساطات في اتجاه إرجاع المياه إلى مجاريها قد تؤدي إلى التضحية بالشاهد ومشروعه".
واعتبر الشواشي أن رغبة الشاهد في أن يكون وريثاً شرعياً لـ"النداء"، وأن يهيمن على المشهد السياسي "أضحت مزعجة ومهدت لصفقة سياسية للتخلص منه مقابل عدد من الملفات، على غرار الانتخابات التشريعية والرئاسية وملف العدالة الانتقالية، وملف الجهاز السري للنهضة"، بحسب قوله.