لغز جديد يُضاف إلى السجال السياسي العراقي: هل زار قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الايراني، قاسم سليماني، العراق؟ لقد كشفت تقارير صحافية عراقية، تناقلتها صحف عربية، عن زيارة قام بها سليماني بالفعل الى بغداد، يوم الاثنين الماضي. وأوضحت التقارير، نقلاً عن مصدر رفيع في الحكومة العراقية، أن سليماني التقى بعدد من كبار الشخصيات العراقية، بينهم رئيس الحكومة، نوري المالكي، وزعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، ورئيس المجلس الاسلامي الأعلى، عمار الحكيم، إضافة الى مراجع دين في النجف وكربلاء. ونقلت التقارير الاعلامية عن مصدر، لم تكشف عن هويته، أن الهدف من الزيارة كان "حل الخلافات بين الزعماء الشيعة الذي أخذ يهدّد الاحتفاظ بمنصب رئيس الحكومة" الذي ستحدّد انتخابات 30 أبريل/نيسان المقبل، هويته.
أبرز ما يُعرف عن سليماني أنه الرجل الذي يدير الملف العراقي والسوري منذ عشر سنوات. كان دوره بارزاً خلال الحرب العراقية ـ الايرانية، طوال سنواتها الثماني. عمّق سليماني علاقاته بقادة المعارضة العراقية خلال حكم نظام صدام حسين، من بينهم القادة الكُرد، الذين كانوا يقاتلون ضد الجيش النظامي العراقي، إضافة الى عناصر ومنظمات عراقية شيعية، أبرزها "فيلق بدر"، التابع لـ"المجلس الاسلامي الأعلى في العراق"، وكان يشرف عليه سليماني بشكل مباشر. وبعد سقوط نظام صدام حسين، طوّر سليماني علاقاته مع معظم الشخصيات السياسية في العراق، وخصوصاً الشيعية والكردية منها، وأصبح لديه نفوذ واسع في العراق. وسبق لزعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، أن قال عنه إنه "الرجل الأقوى في العراق". وسبق لسليماني أن قدّم مبادرات، ودخل في مفاوضات لحل الأزمات بين الفرقاء الشيعة، خصوصاً في نهاية عام 2011، عندما حاول الصدر وبعض معارضي المالكي سحب الثقة منه، بما عُرف لاحقاَ بـ "مبادرة أربيل"، وأصبح اسم سليماني يتداول مع حدوث الأزمات الكبيرة بين الخصوم الشيعة.
ونفى مصدر مقرب من المرجع، علي السيستاني، لـ"العربي الجديد" في النجف، اليوم الجمعة، أن يكون قد سمع بزيارة سليماني الى النجف، قائلاً إنه "من غير المحتمل أنه (سليماني) قد زار مرجعاً بارزاً في النجف". وأوضح المصدر أنه "لا يمكن أن تبقى زيارة مسؤول رفيع المستوى لمرجع بارز في النجف، سراً، لأن المرجع يجب أن يفتح "الحوش" (دار الضيافة) لكل الراغبين في اللقاء، وبالتالي سينتشر خبر الزيارة بسرعة". وأشار المصدر إلى أن "المراجع يعيشون في أزقّة ضيقة، ولا يمكن لأي مسؤول أن يمر بها من دون ان يراه عامة الناس، وليست هناك ممرات سرية تؤدي الى منازل المراجع ممكن أن يستخدمها زائرو المراجع إذا أرادوا إخفاء خبر زياراتهم".
وكانت التقارير قد قالت إن سليماني التقى مراجع دين كباراً في النجف وكربلاء، ومنهم المرجع والزعيم الروحي لحزب "الفضيلة"، محمد اليعقوبي.
كما أكّدت التسريبات أن زيارة سليماني الى العراق جاءت لتقريب وجهات النظر بين الأحزاب الشيعية، والعمل على حل الخلافات العالقة بينها قبل موعد الانتخابات البرلمانية المقبلة، لأن إيران تعلم جيداً أنّ مصالحها في العراق مرتبطة بوجود تحالف موحد يضم جميع الأحزاب الشيعية ويقود الحكومة. ولكن المعطيات تؤشر إلى أنّ الانفراج بين هذه الاحزاب المتناحرة لم يحدث حتى اللحظة. فالمعارك الكلامية بين المالكي وخصومه، لا تزال مستمرة حتى اللحظة، إذ شنّ الصدر، في خطبة صلاة الجمعة اليوم، من مسجد الكوفة في النجف، هجوماً على حكومة المالكي. وقال الصدر إن "بعض الماكرين يوزعون رواتب على أئمة المنابر لجعلها لأصوات الحكومة والدولة".
وبينما لم يوقف رئيس "المجلس الأعلى"، عمار الحكيم، ولا أعضاء كتلته، حملتهم ضد المالكي، فقد انتقد الحكيم سياسات المالكي، أمس الخميس، واصفاً اياها بـ "الإقصائية" و"التسقيطية"، خصوصاً حول استبعاد مرشحين بارزين معارضين للمالكي. وكان الخلاف بين الرجلين قد وصل إلى ذروته، الأسبوع الماضي، عندما حاول المالكي انتزاع منصب محافظ البصرة من حزب الحكيم، مما دفع بالأخير إلى إيصال رسالة شديدة اللهجة إلى المالكي، تضمنت تهديداً بعدم دعمه سياسياً في المستقبل.
ومن المواضيع التي قالت المصادر إنّ سليماني تطرق إليها، على هامش زيارته، الأزمة القائمة بين المالكي والأكراد في إقليم كردستان بخصوص الموازنة وتصدير النفط. ومن غير المعروف ما إذا كانت المبادرة التي تقدمت بها حكومة إقليم كردستان، حول الأزمة العالقة بين المركز والإقليم، التي تعهدت أربيل بموجبها بالالتزام بتصدير النفط الخام بمعدلات 100 الف برميل يومياً، قد حصلت بجهود مساعد نائب وزير الخارجية الأميركي، بريت ماكورك، الموجود حالياً في بغداد، أم بجهود سليماني خلال زيارته الى العراق.
وإن صحت التسريبات التي تفيد بأن سليماني قام بزيارة العراق بالفعل، والتقى خلالها الفرقاء الشيعة، يبقى السؤال الأهم: لماذا لم يلتقِ بهؤلاء الفرقاء في إيران عندما زاروها الاسبوع الماضي؟ والسؤال الأهم: لماذا لم يتضح أي انفراج بين هؤلاء الفرقاء؟ هل هذا يعني أن نفوذ إيران بدأ يتضاءل في العراق، حتى في صفوف حلفائها؟